الغرفة رقم 7

الفصل الرابع: الغرفة رقم 7

هذه ليست سيرة، ولا رواية عن شخص بعينه.

إنها مجرد عناوين لحياةٍ بلا اسم، عابرة مثل ظل، وقريبة مثل نفس.

كل عنوان فصل، وكل فصل لحظة، واللحظات هي ما يصنع وجودنا.

استيقظ على صوتٍ غريب، كأنه قطرات ماء تتساقط بانتظام من سقف بعيد. فتح عينيه ببطء، فلم يتعرّف على المكان. الغرفة كانت ضيّقة، جدرانها مائلة إلى الرمادي، نافذتها نصف مفتوحة، والهواء الداخل منها بارد كأنه يأتـي من مدينة لا يعرفها. لم يكن هناك ما يدل على أنه يعرف هذه الغرفة، سوى رقم صغير محفور على الباب: 7.

جلس على السرير، شعر أن الفراش صلب أكثر مما يجب، وأن الوسادة محشوة بريش قديم يخرج من أطرافها. حاول أن يتذكر كيف جاء إلى هنا، فلم يجد في ذاكرته سوى فراغ كبير. لا قطار، لا طريق، لا وجوه. فقط هذا الاستيقاظ المفاجئ في مكان بلا ملامح.

نظر حوله، فلاحظ أن الأثاث قليل: خزانة خشبية بمرآة مشروخة، كرسي وحيد بجانب الطاولة، ومصباح أصفر خافت يبعث ضوءًا لا يكفي لتبديد الظلال. كل شيء بدا وكأنه مستعار من حياة أخرى. لمس سطح الطاولة بيده، كان بارداً مثل حجر قديم.

اقترب من المرآة. انعكاسه لم يطمئنه. كان يشبهه، لكن بشيء مختلف: عيناه أعمق، ووجهه بدا أكبر سنًا مما يتوقع. حاول أن يبتسم، لكن الانعكاس لم يبتسم. تراجع سريعًا، كأن المرآة كانت تنظر إليه أكثر مما ينظر هو إليها.

جلس على الكرسي، وأصغى للصوت مرة أخرى. لم يكن قطرات ماء هذه المرة، بل خطوات بطيئة خلف الباب. شخص ما يمر في الممر، يقف للحظة، ثم يكمل. شعر أن الرقم "7" لم يكن مجرد رقم على الباب، بل عنوانًا لمكان في قلب المتاهة.

تساءل: هل الغرفة فندق عابر؟ أم مستشفى نائم؟ أم سجن بلا قضبان؟ لم تكن هناك إجابة واضحة. كل الاحتمالات بدت صحيحة في اللحظة نفسها.

تقدّم نحو النافذة. الخارج كان غريبًا: شوارع فارغة، أضواء متقطعة، ورجل بعيد يقف تحت عمود إنارة ولا يتحرك. حاول أن يفتح النافذة أكثر، لكنها انفتحت بمقدار ضئيل فقط، كأنها خُلقت لتبقى نصف مغلقة دائمًا. مد يده ليلمس الهواء، فشعر ببرودة أشبه بالفراغ.

عاد إلى السرير، وأغمض عينيه لوهلة. لكن الغرفة لم تتركه في راحة. صوت الخطوات عاد، أقرب هذه المرة، يتوقف أمام الباب، ثم يختفي. مد يده إلى المقبض، لكنه تردّد. هل يفتح ويواجه ما بالخارج؟ أم يبقى في الداخل حيث الغموض أرحم؟

استلقى على الفراش محاولًا أن ينام من جديد. لكن الأرقام طافت في رأسه: لماذا سبعة؟ لماذا لم تكن الغرفة رقم 3 أو 10؟ تذكّر أن الرقم سبعة غالبًا ما يحمل رموزًا: سبعة أيام، سبع سماوات، سبع خطوات نحو مجهول. هل الغرفة كانت صدفة؟ أم رسالة؟

رفع رأسه فجأة، كأنه سمع همسًا خلف الجدار. لم يفهم الكلمات، لكنها بدت مألوفة، كما لو أنه سمعها في حلم قديم. اقترب من الجدار، وضع أذنه عليه، فشعر بنبض داخله، كأن الغرفة كلها قلب واحد ضخم، يخفق ببطء.

عندما ابتعد، كانت يداه ترتجفان. لم يعرف إن كان عليه الخروج فورًا أم البقاء حتى الصباح. لكنه لم يكن متأكدًا إن كان هناك صباح حقًا خلف تلك النافذة الرمادية.

في النهاية، عاد إلى الطاولة، وأخرج ورقة صغيرة من درجها. لم يكن يعرف من تركها هناك، لكنها كانت بيضاء تمامًا، نقية كأنها تنتظر بداية جديدة. ابتسم بارتباك: كل شيء يعود إلى الورقة البيضاء، حتى الغرفة رقم 7.

جلس على الكرسي، أمسك القلم الموجود بجانب الورقة، وكتب بخط مرتجف:

"هذه الغرفة ليست لي، لكنها تعرفني أكثر مما أعرف نفسي."

ثم أسند رأسه إلى الحائط، وأغلق عينيه. لم يكن يعلم إن كان سينام، أو إن الغرفة ستتركه يخرج منها يومًا. كل ما كان مؤكدًا أن الغرفة رقم 7 صارت عنوانًا جديدًا من عناوين حياته، عنوانًا لن يمحوه بسهولة.

---

نهاية الفصل الرابع

مختارات

تنزيل على الفور

novel.download.tips
تنزيل على الفور

novel.bonus

novel.bonus.content

novel.bonus.receive
NovelToon
فتح الباب إلى عالم آخر
لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon