الفصل الثالث: كوابيس شروكين
ثلاث سنوات مرت على وصول شروكين إلى قصر الغصون الساكنة. لم يعد ذلك الرضيع الصامت، بل طفل في الثالثة من عمره، ذو شعر أبيض يتوسطه خصلات حمراء، وعينين حمراوين واسعتين تلمعان بفضول لا ينتهي.
كان يركض في أروقة القصر، يضحك بصوته الطفولي، ويملأ المكان بالحياة التي كانت تفتقدها ماتوم.
"أمي!" نادى شروكين، وهو يختبئ خلف أحد أعمدة الغرفة.
ابتسمت ماتوم، وعيناها تلمعان بحب. كانت تجلس على كرسي خشبي، وعلامة على يدها اليسرى، على الجانب الخلفي لراحة اليد، تشع بضوء أحمر خافت على هيئة جنيه. "شروكين، أين أنت؟" قالت بصوت مرح. "لا أستطيع رؤيتك."
ضحك شروكين بصوت عالٍ، وظهر من خلف العمود، يرتدي ملابس خفيفة من الكتان، وقلادة خاتم القمر على رقبته تتدلى بخفة. "أنا هنا!"
اقتربت ماتوم منه واحتضنته. لكنها سرعان ما لاحظت هالات سوداء تحت عينيه. كانت تعلم السبب.
"هل عاد الكابوس مرة أخرى، يا صغيري؟" سألت ماتوم بنبرة حنونة.
أومأ شروكين برأسه، وعيناه تغرورقان بالدموع. "أرى أشياء مخيفة يا أمي. أرى أناسًا لا أستطيع رؤية ملامحهم جيدًا يصرخون، وأرى نارًا تشتعل، وأراهم يتقاتلون، أرى آخرين يموتون، وأرى رجلًا يبكي فوقي، وامرأة مع مجموعة من الأشخاص على متن قارب يصرخون باسمي."
تنهدت ماتوم بحزن. لم يكن هذا شيئًا جديدًا. فمنذ أشهر، بدأت الكوابيس تلازم شروكين، وتمنعه من النوم بسلام. وقالت بنفسها هل لهذه الكوابيس علاقة بأصل شروكين ام انها كوابيس الأطفال
.
حاولت ماتوم التواصل مع الأطباء، ولكن دون جدوى، فكانوا عاجزين عن فهم حالته.
"لا بأس يا شروكين،" قالت ماتوم وهي تحتضنه بقوة. "سأساعدك."
فجأة، أخرجت ماتوم من العدم شوكة صغيرة وخضراء، وفي نفس اللحظة أضاءت علامة الجنيه على يدها بوضوح، بينما استدعت قرينتها، جنان، التي ظهرت كجنيه صغيرة بحجم كف اليد، ذات شعر أحمر طويل، وأجنحة شفافة تحيط بها هالات من الغبار الكوني اللامع.
وضعت جنان كمية من الغبار الكوني على رأس شروكين.
"أمي، ما هذا؟" سأل شروكين بفضول، وهو يحدق في جنان بعينين متسعتين. "هل هي جنية؟ وما هذه الشوكة؟"
"إنها قريني، جنان،" أجابت ماتوم .
"وهي تتولد من طاقتي. كل شخص يمتلك قرينًا خاصًا به، وله قدراته المميزة. أما هذه الشوكة، فهي قدرتي أنا، أشواك التخدير."
نظر شروكين إلى جنان مرة أخرى، ثم إلى الشوكة. "هل سأمتلك قدرات قوية كقدرتك؟" سأل بصوت متحمس.
نظرت ماتوم إلى زوزو، التي كانت تقف بجانبهما. التقت عيناهما، وكأنهما يفكران في نفس الشيء. "بالتأكيد، يا صغيري،" قالت ماتوم بصوتها الداخلي. "شخص أتى من ظاهرة مرعبة كهذه... لا أظن أن قدراته ستكون عادية."
قامت ماتوم بوخز الشوكة برفق في رأس شروكين. نام شروكين على الفور. لكن ماتوم علمت أن هذا النوم لن يدوم طويلًا.
فقد كانت الكوابيس تعود دائمًا.
في إحدى الليالي، بينما كان القصر يغط في سكونه، كان شروكين يتلوى في فراشه، يتألم من وطأة الكوابيس التي لم تفارقه. كان جسده الصغير يرتعش، وعيناه مغلقتين بقوة، كأنه يهرب من شيء يطارده في أعماق عقله.
في أحد كوابيسه، وجد نفسه في مكان مظلم، تحيط به هالات ضبابية. أمامه، ظهر شاب. كان شعره أسودًا قصيرًا، مع خصلتين طويلتين في الأمام مائلتين نحو اليمين، واحدة بلون أحمر والأخرى بلون أصفر بقربها. كانت عيناه سوداوين، وفي قزحيتهما لمعة حمراء صغيرة يحيطها ضوء أصفر خافت
، بينما تزين خديه نقوش مسمارية غريبة.
كان مظهره يوحي بالفخامة والشر قليلاً، لكن شروكين تذكر ما قالته له ماتوم ذات مرة: "لا تحكم على المظهر، فالمظاهر خداعة."
"مرحبًا يا سيدي شروكين،" قال الشاب بصوت عميق ورصين. "أنا أوشوم."
نظر إليه شروكين بتعجب، وقد أثارت كلمة "سيدي" دهشته. "سيدك..؟ أنا..؟"
"لا تخف، سأشفيك من هذه الكوابيس،" قال أوشوم، ثم رفع يده. انبعث منها ضوء أبيض ساطع، محاط بهالة سوداء كالدخان، أصاب رأس شروكين مباشرة.
"هذه الكوابيس تصيبك وتؤذيك لأنها الطريقة التي ستعرف بها أصولك وما أنت عليه،" قال أوشو، وعيناه تحدقان في شروكين.
"لقد كنت أراقبك، وسأظل أراقبك دائمًا من تحت ضوء القمر يا سيدي شروكين.
سأنتظر اليوم الذي تحررني فيه لأخدمك يا سيدي العظيم."
استيقظ شروكين على الفور، وقد تبدد الكابوس. وجد ماتوم جاثية عند رأسه، وعيناها مليئتان بالقلق، بينما كانت زوزو تقف خلفها، وجهها يظهر عليه الخوف.
"أمي!" ابتسم شروكين ابتسامة واسعة، وارتفع صوته بلهفة. "أظنني أصبحت بخير، لقد شفيت!"
غمرت الدموع عيني ماتوم من السعادة، واحتضنته بقوة.
ابتسمت زوزو من خلفهما، وراحتها واضحة على محياها.
"كيف شفيت يا صغيري؟" سألت ماتوم، وهي تمسح دموعها.
تردد شروكين للحظة، ثم قرر ألا يخبرها عن أوشو، خشية أن تقلق ماتوم أكثر. "لا أعلم،" أجاب. "فقط اختفت."
بقي شروكين يفكر في كلمات أوشوم. "لمعرفة أصولك... وما أنت عليه." ماذا كان يقصد بذلك؟
كان الأمر صعب الفهم لطفل في الثالثة من عمره.
"ما تلك الكوابيس؟" تساءل في نفسه، ثم تذكر جملة أخرى قالها أوشو: "من تحت ضوء القمر."
"لحظة..."
نظر شروكين إلى رقبته، ثم إلى الخاتم الذي لم يفارقه أبدًا.
"أليس الخاتم الذي معي...؟!"
النهاية انتظرو الفصول القادمة بترقب
مفاهيم بصرية
شروكين
أوشوم
الجنية جنان (قرين ماتوم)
مهارة أوشوم
Comments
Malak 313
جميل جدا الاحداث متناسقه
2025-09-13
1
فرقان فلاح
دعمكم🫶
2025-09-13
0