جزيرة داخل عقلي

جزيرة داخل عقلي

الفصل 1 : الرحلة التي لم أطلبها

...في الطابق العلوي من منزلٍ واسع، سكنه الصمت كأنه عادة قديمة،...

...جلس لوسيان على أريكة غارقة في النعومة، وقد لُفّت قدمه اليمنى بالجبس الأبيض؛ علامة على إصابة حديثة لم تلتئم، لا في الجسد ولا في النفس....

...النور يتسلّل من نافذة طويلة مزينة بستائر ثقيلة، يعكس وهجًا ذهبيًا على الأرضية اللامعة....

...كل شيء هادئ. راقٍ. كأن الزمن يتباطأ هنا متعمدًا....

...كان لوسيان غارقًا في شاشة هاتفه، لا يفعل شيئًا سوى النظر....

...عيناه ساكنتان، لكن عقله لم يكن كذلك....

...دخلت والدته، بخطوات ناعمة كصوت عطرها، ابتسمت ابتسامة صغيرة وهي تقول:...

..."لوسيان، استعد... ستغادر بعد قليل. خالتك ماريان تنتظرك في الخارج."...

...رفع عينيه ببطء، نظر إليها وكأنه يحاول استيعاب ما قالته، ثم تمتم دون حماس:...

..."أمي... ألا يمكنكِ مرافقتي هذه المرة؟ لا أحب الذهاب معها وحدي."...

...اقتربت منه وربتت على رأسه، بحنانٍ يشبه العذر....

..."أعلم... لكن لديّ الكثير من الاجتماعات. ماريان ستأخذك بدلاً مني، وسأكون معك في الرحلة القادمة، أعدك."...

...حدّق في عينيها طويلًا، بصمتٍ يحمل كل ما لا يستطيع قوله... ثم قال ببرود:...

..."هل عليّ أن أتأذى أكثر لتأتين؟"...

...ضحكت بخفة، لكن ضحكتها بدت أقرب إلى تَنفّسٍ متعب من الرد....

..."أنت السبب، يا لوسيان. لو كنت أكثر حذرًا لما سقطت. ثم... لا تكن دراميًا. الجزيرة جميلة، ستعجبك. لقد التقيت هناك بوالدك لأول مرة… وكانت أجمل أيام عمري."...

...توقفت لحظة، وكأنها تسمح للذاكرة أن تمر ببطء بين جملها....

..."يومًا ما، سأصطحبك بنفسي إلى هناك، وأريك الأماكن التي مشينا فيها، ضحكنا فيها… سترى الجزيرة بعينيّ، لا بعيني ماريان."...

...ارتفع نظره نحوها من جديد، وصوته بدا أكثر هدوءًا… لكن أكثر جديّة....

..."هذا وعد... أليس كذلك؟"...

...أومأت برأسها ببطء، وتابعت مراقبته وهو ينهض بخطى مثقلة، متكئًا على عكازه، متوجّهًا إلى الخارج، حيث كانت سيارة سوداء فاخرة تنتظره بصمت عند بوابة القصر....

...---...

...امتدت الرحلة من لندن إلى جزيرة نيرالا كأنها عبور من عالمٍ إلى آخر....

...سماء صافية. هواء دافئ. رائحة البحر تختلط بنسيمٍ يُربّت على القلب....

...لكن لوسيان لم يشعر بشيء من ذلك....

...في فندق “لا مير بيل”، حيث تلتقي الفخامة بالسكون، خطا لوسيان بخطى مترددة داخل البهو الواسع، مستندًا إلى عكازه، وخالته بجواره....

...عابرو المكان التفتوا نحوهما... بعضهم بابتسامة إعجاب، وبعضهم بنظرات فضولية واضحة....

...جزيرة نيرالا نادرًا ما يخرج أهلها، ونادرًا ما يزورها غرباء....

...لذلك كان حضورهما أشبه بعرض صغير في قاعة فخمة....

...شعر لوسيان بتلك النظرات تثقل جسده، فأخفض رأسه، وكأن التعب تسلّل من أعينهم إلى كتفيه....

...كان يكره هذا النوع من الاهتمام......

...تقدّمت خالته ماريان إلى مكتب الاستقبال بخطوات سريعة، ونظرة واثقة، كأنها تملك المكان....

...رحّب بها الموظف الشاب ببشاشة وهو يقلب شاشة الحجز:...

...> "مدام ماريان… أهلاً وسهلاً. هناك تعديل بسيط، للأسف… الجناح المطلّ على البحر تم إعطاؤه لعائلة وصلت قبل حضراتكم بعشر دقائق فقط. سنعطيكم جناحًا آخر بنفس المستوى تقريبًا—"...

...قاطعته وهي ترفع حاجبيها ببطء، وكأنها سمعت إهانة شخصية:...

...> "هل أبدو لك كمن يقبل بـ تقريبًا؟ هل تعرف مَن أكون؟"...

...ارتبك الموظف، وبدأ يتمتم، لكن ماريان لم تنتظر عذرًا....

...رفعت هاتفها بغضب واضح، طلبت رقم المدير، تحدثت معه بنبرة رسمية متوترة، ثم أنهت المكالمة بكلمة مقتضبة:...

...> "أرجو أن تُصحّح الأمور خلال دقائق... وإلا."...

...لم تمر دقيقة واحدة، حتى اقترب منهم موظف بلحية خفيفة، وقال:...

...> "نعتذر عن الإرباك. تم إصلاح الخطأ، وجناحكما جاهز الآن."...

...استدار الرجل نحو أحد الأركان، ثم نادى بهدوء:...

..."أنتِ… خذي الضيوف إلى الجناح الغربي."...

...ظهرت فتاة بزيّ أسود بسيط، شعرها مربوط للأعلى، وعيناها فارغتان من أي انفعال....

...تقدّمت بخطوات هادئة، دون أن ترفع نظرها نحوه، ودون أن تعلّق على قدمه المصابة....

...تحركت كأنها ظلّ، بلا كلمة، بلا ابتسامة....

...ولوسيان… لم يشعر براحة. بل بشيء أقرب إلى الاستغراب....

...من تكون؟ ولماذا تبدو كأنها لا ترى أحدًا؟...

...يتبع.....

مختارات

تنزيل على الفور

novel.download.tips
تنزيل على الفور

novel.bonus

novel.bonus.content

novel.bonus.receive
NovelToon
فتح الباب إلى عالم آخر
لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon