الفصل 2- الوجه الذي يكرهني

...في ساحة بلدة إلورا، جلس لوسيان على حافة نافورة حجرية، يراقب الناس من حوله: ضحكات، كاميرات، ولغات لا يفهمها. كل شيء بدا له غريبًا، وكأنه في حلم مشوش....

...ماريان كانت واقفة بجانب رجل غريب القوام؛ ملامحه صلبة وعيناه تحملان خدوشًا، حضورهما أرسل برودة خفيفة في صدره. الجو بينهما مشحون بصمت يصعب تفسيره....

...نظر لوسيان إلى الرجل وسأل بتردد:...

..."ومن هذا الرجل؟"...

...ابتسمت ماريان ببرود وقالت بهدوء:...

..."مرشد سياحي… سيأتي معنا في الجولة."...

...أمعن لوسيان في وجهه مرة واحدة، ثم همس في نفسه: لو قال أحد قَاتِل بدل 'مرشد'، لأصدقهم دون تردد....

...اقتربت الخالة منه بخطوات هادئة، عيناها ثابتتان عليه. بعد لحظة من الصمت المتوتر، استجمع لوسيان أنفاسه وقال:...

..."هل رأيتِ، خالتي؟ قلت لك أن نمشي بهدوء… هذه الرحلة لي، لا لكِ. لماذا أنتِ متحمسة وسعيدة هكذا؟"...

...لم ترد. وقفت هناك صامتة، شاحبة، وعيونها لا تفارقه. أحس بشيء بارد في صدره، كأنه لمس حافة جرح قديم....

...اقتربت أكثر، بصوتها الناعم:...

..."ما رأيك أن نذهب إلى الشاطئ قليلاً؟"...

...وراءها ظل الرجل ينظر إليه بعيون حادة، كل نظرة تزيد من ضيق صدره....

...هز رأسه متعبًا:...

..."لا أستطيع… قدمي تؤلمني."...

...ابتسمت ابتسامة باردة، ثم دُفعت خفة كرسيه أمامه، كأنها تختبر رد فعله....

...اقترب المرشد وأخذ العكاز من يده ووضعه على مسند الكرسي. ثم نادى رجلًا آخر كان قريبًا، سلّمه العكاز وتحدث معه بلغة جزيرية لا يفهمها لوسيان، فانصرف الرجل مسرعًا....

...لم يفهم لوسيان الكلام، وشعر بتيار حذر يمر في جسده تجاه خالته. نظرت إليه ماريان بنبرة مزيفة من الطمأنينة:...

..."اطمئن، أعدناه للفندق."...

...جلس لوسيان في الكرسي، بينما اقتاده الرجل نحو الشاطئ، وماريان تدفعه بخفة، صامتة، كأنها جزء من المشهد نفسه....

...---...

...عند الشاطئ، توقف الكرسي على الرمال الصلبة....

...النسيم العليل جعل شعوره بالبرد يتسلل إلى جلده، والضوء يلمع على سطح الماء، بينما الأمواج تتهادى بهدوء، تصطدم بصخور صغيرة محدثة صدى رقيقًا....

...كل شيء جميل… لكن قلبه كان مكانًا خاوٍ....

..."يقولون إن منظر البحر يريح القلب…" تمتم بصوت بالكاد يُسمع، بينما تداعب رياح البحر وجهه وتهب على شعره....

..."يشعرك بالسكينة…"...

...أغمض عينيه… لكنه لم يشعر بشيء. البحر لم يكن أكثر من مساحة زرقاء شاسعة، بلا حياة… كمرآة لما بداخله....

...هو، الذي وُلد في بيت يملكه الثراء، واحتوته رفاهية لا تُعد… لم يعرف طعم الفرح يومًا....

...كان يغار من أبسط ما يملكه الآخرون: الضحك....

...الشيء الوحيد الذي يمنحه بعض الدفء؟...

... ابتسامة والدته. ...

...صادقة، بسيطة، لا تُخفي شيئًا....

...أما ماريان…؟...

...كل شيء فيها يلمع بشيء زائف....

...ابتسامة لا تصل لعينيها....

...لمسة لا تصل لروحه....

...استدار ببطء، ونظر إلى وجهها. ومنذ أول مرة رآها، كان يعلم… أنها تكرهه....

...رآه في عينيها، في صمتها، في طريقة وقوفها وهي تدفع الكرسي الآن دون أن تمسّه....

...وفجأة، تسللت فكرة إلى رأسه:...

...ماذا لو… دفعت الكرسي بقوة؟...

...نحو البحر؟...

...انقلب…...

...غرق…...

...شعر قلبه يخفق بقوة… وعرق بارد يتسلل إلى رقبته، بينما تلمس رياح البحر وجهيه وتلعب بملابسه، وكأن الطبيعة كلها تحاكي خوفه....

...حدّق فيها… لكن ماريان كانت تنظر إلى الأفق بصمت، ساكنة أكثر من اللازم....

..."هي تعلم أنني أعلم…" قال لنفسه....

..."أنها تكرهني… فلماذا تواصل التمثيل؟ حتى حين لا تكون أمي هنا؟"...

...أخفض نظره إلى قدمه المصابة…...

...ثم ظهرت الذكرى:...

...كان على الدرج…...

...دفعة مباغتة من الخلف…...

...تدحرج…...

...صرخة…...

...ألم في العظام…...

...دماء…...

...وقبل أن يغيب عن الوعي… رآها واقفة هناك. بلا تعبير. بلا ردّة فعل....

..."لم أخبر أمي…" ظن أن الأمر انتهى....

...لكنه لم يكن يعلم…...

...أنها ستقنعها برحلة "للاسترخاء"....

...إلى جزيرة… لا يسمع فيها أحد صراخك....

...إلى جزيرة… لا يهم إن عدت منها، ما دمت قد اختفيت في داخلها....

...يتبع......

مختارات

تنزيل على الفور

novel.download.tips
تنزيل على الفور

novel.bonus

novel.bonus.content

novel.bonus.receive
NovelToon
فتح الباب إلى عالم آخر
لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon