كانت عمة إيلا ترمي ملابسها التي تلطخت بالدماء لئلا تراها والدتها وتنهار. لاحظت العمة أن إيلا الصغيرة عندما تُحقن بفيتامين K، يتوقف النزيف الذي تعاني منه. هرعت مسرعة إلى الطبيب وأخبرته بذلك، فظهر بصيص أمل بأن إيلا قد تبقى على قيد الحياة.
امتلأت عائلة إيلا بالفرح بعد كلام عمتها، وبدأ الطبيب بحقنها بالمادة، فتوقف النزيف. بدأت العائلة بالتجهيز لاستقبالها بعد خروجها من المستشفى معافاة. بدأت العمة بإجراءات الخروج، وبعد أن فحص الطبيب إيلا للمرة الأخيرة وتأكد أنها بخير، وقع على أوراق الخروج.
في طريقها إلى البيت، كان والدا إيلا قد أقاما حفلاً كبيراً فرحاً بسلامتها وعودتها. سارت الحياة طبيعية وملؤها الفرح، حتى أصبح عمر إيلا أربعة أشهر. اصطحب والد إيلا طفلته للفحوصات الروتينية، لكن أثناء الفحص، لاحظ الطبيب شيئاً غريباً وطلب من والدها نقلها إلى طبيب عيون للتأكد من سلامة العصب البصري.
انتاب القلق العائلة من جديد. بعد يومين، خرجت نتائج الفحص، وتبين أن العصب البصري سليم. لكن الطبيب جاك أخبر والد إيلا أن هناك شيئاً ما في عينيها لم يستطع تحديده لكونها لا تزال طفلة. سأله والدها بخوف: "هل يمكنها الرؤية؟" فأجابه الطبيب جاك أن عصبها البصري سليم ويمكنها الرؤية، لكن هناك خطب ما في عينيها غالباً ما يعود إلى نقص الأوكسجين الذي عانت منه خلال فترة العلاج. وذكر أنه خلال فترة نقلها من مستشفى لآخر، انقطع عنها الأوكسجين، مما سبب لها هذه المشكلة. شعر والد إيلا بالارتياح عندما أخبره الطبيب أنها قادرة على الرؤية وأن هذه المشكلة بسيطة ويمكن حلها بالتدخل الجراحي.
تجدر الإشارة إلى أن الفترة التي ولدت فيها إيلا كانت البلاد تمر بحروب وحصار وظروف قاسية، مما دفع معظم الأطباء للهجرة خوفاً من الاغتيال، ولم يبقَ في المستشفيات سوى الكوادر العسكرية بكميات قليلة جداً من العلاج. لهذا، كان بقاؤها على قيد الحياة شبه مستحيل.
استمرت إيلا في تلقي علاج عينيها لمدة أربعة أشهر متواصلة، وساد الاستقرار وأجواء الاطمئنان العائلة. حدد الطبيب جاك موعداً للجراحة بعد شهر من تاريخ المراجعة، لكن الأجواء في البلاد لم تكن مستقرة. قبل خمسة عشر يوماً من موعد الجراحة، تعرض المستشفى الذي كان يعمل به الطبيب جاك إلى قصف، وتوفي الكثير من الأطفال والنساء والأطباء، ودُمر المستشفى بالكامل.
سيطر الهلع والخوف على سكان المدينة؛ فلا توجد عائلة إلا وخسرت فرداً منها. تم إخراج الكثير من الجثث من تحت ركام المستشفى، وبعضها لم يتمكن من التعرف عليها بسبب تفحمها. وهكذا، اختفى الدكتور جاك بين حطام المستشفى المنكوب، وبقيت إيلا تنتظر الجراحة التي لم تحدث.
اضطر والدها إلى متابعة المراجعات الطبية مع الدكتور بيدرو الذي جاء ليحل محل الدكتور جاك. عندما حان موعد الجراحة، ذهب والد إيلا وهو يحمل ابنته الصغيرة بين ذراعيه، وفي قلبه أمل كبير بأن وضعها سيتحسن. في تمام الساعة الثامنة صباحاً، تم إدخال إيلا إلى غرفة الجراحة وسط خوف العائلة وأملها بنجاح العملية. لكن الدكتور بيدرو ارتكب خطأً أثناء الجراحة وحاول التهرب من المسؤولية ولم يخبر عائلتها بذلك.
عندما خرج من غرفة الجراحة، قال لعائلة إيلا إنها بخير ويمكنها الخروج في تمام الساعة الرابعة عصراً. استجابت العائلة لكلام الطبيب وعادوا إلى المنزل وقلوبهم مليئة بالفرح. لكن بعد أربعة أيام فقط من الجراحة، لاحظ العم الأصغر لإيلا أن هناك خطأً ما في العملية وأخبر والدها بذلك. حاول والد إيلا التواصل مع الدكتور بيدرو، لكنه كان قد هرب من المدينة بعد ارتكابه لهذا الخطأ الفادح. عندها، أدرك والد إيلا أن الدكتور بيدرو قد دمر عين ابنته.
من هنا بدأت المأساة الحقيقية لإيلا. بدأ الجميع يشفق عليها ويستضعفها ويستهزئ بها. حتى أقاربها كانوا يظنون أنها عاجزة وغير قادرة على الذهاب إلى المدرسة مثل باقي الأطفال، بل حتى والديها وأخواتها كانوا يستضعفونها. هذا ما ولد شعوراً لدى إيلا بأن أهلها لا يحبونها، بل يشفقون عليها فقط.
كانت تتعرض للتنمر، ولا أحد من الأطفال في سنها يرضى باللعب معها. وعندما كانوا يخطئون بحقها، كانت والدتها تضربها وتوبخها إرضاءً لهم، مما جعلهم يستصغرونها أكثر. وعندما تدخل عليهم، يبدأون بالهمس والضحك عليها.
على الرغم من كل ذلك، كانت إيلا طالبة متميزة وجميع معلماتها يحببنها. كانت تتمتع بذكاء عالٍ وسرعة بديهة، وكانت تحفظ المواد بسرعة. كانت الأولى في كل مرحلة من مراحل الابتدائية. عندما أصبحت في الصف الرابع الابتدائي، قرر والدها مرة أخرى اصطحابها إلى طبيب جديد على أمل أن تعود عيناها طبيعيتين.
عندما أجرى الدكتور دانيال الفحوصات، كان اليأس قد ملأ قلبه، لكنه أصر على مساعدتها وجرب كل الطرق الممكنة: وصف لها نظارة طبية، ووضع غطاء على عينها، وتمارين متنوعة. لكنها لم تظهر أي نتائج. أثناء فترة العلاج، تعرضت إيلا لهبوط حاد في السكر، مما اضطر والدها لترك علاج عينيها والتفرغ لرفع مستوى السكر في دمها. شاءت الظروف، ولم يتمكن والد إيلا من العودة لعلاجها حتى بلغت الخامسة عشرة من عمرها، وهنا يبدأ فصل جديد في حياتها.
Comments