ايلا:حكاية صمود
في يوم من الأيام، وفي خضم شتاء فرنسا البارد، وُلدت فتاة جميلة، شعرها الأسود ينسدل على كتفيها كثيفًا وناعمًا، وعيونها البنية الواسعة تشبه اللوز، وبشرتها البيضاء المائلة إلى الوردي. كانت مختلفة عن أغلب أطفال فرنسا الذين غالبًا ما يكونون ذوي شعر أشقر وعيون ملونة.
فرح والدا إيلا كثيرًا بمجيئها إلى الحياة، رغم أنها كانت الابنة الثالثة لهم، لكن فرحتهم لم تدم طويلًا. فقد أخبر الطبيب المسؤول عن ولادتها والديها بأنها مريضة جدًا، وأنها تحتاج إلى البقاء في المستشفى حتى تتحسن. فوجئ والدا إيلا بهذا الخبر، وأصيبوا بالإحباط والحزن.
ثم جاء القرار القاسي من مدير المستشفى، الذي أصدر أمرًا بإخراج الطفلة فورًا، معتبرًا أنها "الحلقة الأضعف". قال إن استمرار علاجها سيضيع الموارد المتاحة على أطفال آخرين أفضل حالًا، وأنها لن تعيش، لذلك لا يستحق الأمر أن يخصص لها العلاج، حتى العناية المركزة لن تُعطى لها.
خرج والدها من المستشفى وهو منهار بالبكاء، يحمل صغيرته بين ذراعيه، لا يعرف ماذا يفعل لإنقاذ حياتها. تدهورت حالة إيلا بسرعة، وبدأت تتقيأ دمًا حتى غمرت الدماء ثيابها وملابس والدها. وقف في منتصف الشارع عاجزًا، لا يعرف كيف يتصرف.
أما والدتها، فقد خرجت في نفس اليوم مع ابنتها الأخرى، لكن أخرجتها عائلة زوجها من الباب الخلفي للمستشفى حتى لا ترى صغيرتها في هذه الحالة المأساوية، وأخبروها زورًا أن ابنتها بخير، خوفًا من أن تنهار هي الأخرى.
وسط هذه الظروف القاسية، استجمعت إحدى عماتها الثلاث قوتها، ورأت أخاها محطمًا ولا يعرف ماذا يفعل. حملت إيلا وهرعت بها إلى مستشفى آخر، محاولة إنقاذها، لكن قسم الطوارئ رفض استقبالها. حارت العمة ماذا تفعل، وخوفها من فقدان الطفلة بين يديها كان شديدًا، فطلبت الحديث مع مدير المستشفى لإقناعه بعلاجها.
دخلت الاجتماع وهي تبكي، تشرح له وللأطباء الحاضرين وضع الطفلة بالتفصيل. ورغم ضعفها وعجزها، لم يشفق عليها أحد سوى المدير، الذي وافق على إدخال إيلا للعلاج، معلنًا أنه سيتحمل كامل المسؤولية عن أي شيء يحدث.
خرج الدكتور إدوارد من غرفة الاجتماع، وطلب من العمة أن تلحق به إلى مكتبه. عندما دخلت، طلب منها أن تستريح، وسألها إن كانت تريد شيئًا. قالت له: "أريد ماء فقط." بدأت تشرح له الوضع بالتفصيل، فقاطعها وسأل: "هل وُلد طفل في العائلة بهذه الحالة من قبل؟" أجابته باستغراب: "لم يولد في العائلة طفل مثلها أبدًا."
بعد انتهاء اللقاء، أمر الدكتور بإدخال إيلا فورًا إلى العناية المركزة الخاصة بالأطفال، ثم بدأ بإجراء الفحوصات لمعرفة نوع العلاج الذي من الممكن استخدامه. لاحظ أن الأطباء سبقوه في فحصها، وخلال أسبوع، شخص كل واحد منهم مرضًا مختلفًا، بين سرطان الأمعاء ومرض الكوزاز، مما ترك الدكتور في حيرة كبيرة.
لاحظ الدكتور أن إيلا بدأت تفقد الدماء بشكل مخيف، وإن استمر الوضع هكذا، قد يؤدي إلى خلل في وظائف الدماغ والجهاز العصبي. خرج الدكتور إلى عائلتها التي كانت تنتظر في الخارج بقلق وخوف، وقد أنهكهم البكاء عليها ثلاثة أيام. طلب منهم التبرع بالدم والبلازما في محاولة لإنقاذ حياتها.
لحسن الحظ، كانت إيلا تحمل زمرة دم A+، وهذا النوع من زمر الدم شائع، كما أن والدها يحمل نفس الزمرة. تم نقل الدم إليها فورًا، أما البلازما فقد كانت تؤخذ من خزين المستشفى، ويضعونها على جلد المتبرعين لتدفئها قبل حقنها لها.
ورغم كل ذلك، استمر النزيف وزادت شدته مع مرور الوقت. كانت عمات إيلا الاثنتان قد تركتا أولادهما وتناوبا على البقاء معها في المستشفى، إحداهن لديها أربعة أبناء أكبرهم في الرابعة، والثانية لديها طفلان صغيران، لكنهما فضّلا مساندتها على أي شيء آخر.
---
Comments