Legacy Of ( إرث الروح ) The Soul
كان صباحًا صيفيًا يلف المدينة بوهج ذهبي هادئ. أشعة الشمس الناعمة تنساب عبر زجاج المباني الشاهقة، لتلقي بظلالها الراقصة على الأرصفة المزدحمة. في قلب هذا الصخب الهادئ، يرتفع مبنى زجاجي شامخ، يضم في طوابقه العليا مكاتب المحاماة المرموقة التي تعود ملكيتها للمحامي الشهير، السيد لي. كان اسمه يتردد في الأروقة القانونية كرمز للقوة والنزاهة، وكل من يعمل تحت مظلته يحمل بصمته الاحترافية.
في هذه الأجواء، وصل جوهيوك، بخطوات واثقة، وعيناه الزرقاوان صافيتان كالبحر في يوم هادئ، تتناقضان مع سمرة بشرته التي اكتسبها من رياضاته المتواصلة. كان شعره الأسود الفاحم منسدلاً على جبينه ببعض الفوضى الأنيقة، وقوامه الرياضي يبرز تحت سترته الرسمية الفاخرة، التي اختارها بعناية لتناسب اجتماعًا مهمًا. لم يكن جوهيوك مجرد زائر عادي؛ بل كان صديقًا قديمًا ومقربًا للسيد لي، وقد جاء اليوم ليطلب مشورة قانونية في أمر حساس.
داخل مكتب السيد لي الفخم، حيث كانت جدران الزجاج تطل على بانوراما المدينة الصاخبة، كان النقاش محتدمًا. جلس جوهيوك على أحد المقاعد الجلدية الفاخرة، يستمع لصديقه لي وهو يشرح تعقيدات قضيته. لكن فجأة، توقفت أنفاسه.
من الباب الجانبي، دخلت هي.
كانت محامية من المكتب، تتجه نحو طاولة الاجتماعات. شعرها الأحمر الناري ينسدل على كتفيها كشلال من ذهب، تلتقطه أشعة الشمس المتسللة من النافذة ليزيد من بريقه. عيناها الذهبيتان، كانتا تلمعان بذكاء حاد، وجسدها الرشيق يتناغم مع خطواتها الواثقة، التي كانت تصدر صوتًا خفيفًا ومميزًا لكعبي حذائها الرسمي الأنيق. لقد خطفت بصره تمامًا.
توقفت بجانب الطاولة، وبدأت تتحدث. كان صوتها رقيقًا لكنه يحمل نبرة من الثقة والبراعة. كانت تشرح حلولاً قانونية لمشكلة معقدة، لكن جوهيوك لم يستطع رفع عينيه عنها. شرد في جمالها الأخاذ، في كريزما خاصة بها تملأ المكان، وفي حضورها الذي يجمع بين القوة والأنوثة. لم ينتبه لكلام صديقه لي، الذي كان يوجه له بعض الأسئلة. كانت هذه هي المرة الأولى التي تلفت فيها فتاة انتباهه بهذه الطريقة. هي ليست مجرد جميلة، بل ذكية وواثقة ومتمكنة من عملها، مختلفة تمامًا عن الفتيات اللاتي اعتاد أن يلتصقن به في مجتمعه.
أثناء شرحها، اقتربت وجلست بقربه لتوضح له نقطة معينة على الأوراق. شعر جوهيوك بدفء قربها، ورائحة عطرها الخفيفة التي تسللت إليه. انتبه صديقه لي إلى ملامحه الشريدة وابتسامته الخافتة التي لم يراها منذ زمن. فهم ما يدور في خاطره، فابتسم وارتسمت على وجهه علامة الرضا. قرر لي أن يترك المجال لنارينا لتتولى القضية، فهذه فرصة لها لتثبت جدارتها أمام شخصية مهمة كهذه، وهي أيضًا فرصة لـ"جوهيوك" ليفهم ما يريد قلبه.
السيد لي: (بابتسامة خفية لجوهيوك، ثم يوجه كلامه لها)
"نارينا، أنتِ ستكونين المسؤولة عن هذه القضية من الآن فصاعدًا. لدي أعمال أخرى عاجلة تنتظرني."
أومأ لي برأسه إلى جوهيوك بابتسامة خافتة تحمل معنىً خاصًا، ثم غادر المكتب تاركًا إياهما وحدهما.
فرحت نارينا بقرار السيد لي، فشخصية جوهيوك المهمة تعني أن رئيسها يثق بها ثقة كبيرة. أخذت الأمر بجدية تامة، وأخذت توضح له المزيد من التفاصيل عن القضية، شارحةً الخطوات القانونية ببراعة واحترافية. لكن جوهيوك كان هائمًا في عينيها الذهبيتين المشرقتين كالشمس، يغرق في بحر بريقهما، بالكاد يستوعب كلمة مما تقوله.
انتبهت نارينا فجأة لشروده، فتوقفت عن الكلام ونظرت إليه بحاجب مرفوع وابتسامة خفيفة.
نارينا: (بصوت يكتنفه بعض المرح)
"فيمَ تفكر يا سيدي؟"
أحمرت أطراف أذني جوهيوك خجلاً، وحاول أن يظهر بمظهر طبيعي قدر الإمكان.
جوهيوك: (بصوت خفيض، يظهر عليه بعض الارتباك)
"لا شيء... لا شيء سوى أن لدي الكثير من الأعمال لأنجزها."
أدركت نارينا أن هناك شيئًا ما، لكنها قررت أن لا تضغط. أكملت نارينا شرحها بتفصيل، ثم قررت أن تأتي إلى مكتبه في اليوم التالي لتجهيز مذكرة دفاع قوية بعد مراجعة كل البيانات المتعلقة بصفقة الاستيراد المعقدة. أنهت كلامها، فردت ظهرها وحملت الأوراق التي شرحت عليها.
نارينا: (باحترافية)
"هذا كل شيء سيدي جوهيوك. نلتقي غداً."
وعدها جوهيوك وهو يتتبع خطواتها بعينيه حتى خرجت من المكتب، تاركة وراءها أثرًا من حضورها الآسر.
اليوم التالي: في مبنى الشركة
وصلت نارينا باكرًا إلى مبنى الشركة. كانت ترتدي بدلة زرقاء حبرية أنيقة أبرزت قوامها المرشوق بخلابة، تضفي عليها هالة من الجدية والرقي. اجتمعت مع المسؤولين عن صفقة الاستيراد في مكتب زجاجي، تناقش التفاصيل بدقة وتركيز. كانت هذه القضية فرصتها الذهبية لتصبح معروفة في الأوساط القانونية والإعلامية؛ فجميع عمالقة القانون والإعلام سيكونون حاضرين في جلسات المحاكمة، لأنها قضية تخص شركة كبيرة ومعروفة، وخصمها محامٍ مخضرم لا يريد أن يترك لها أي فرصة. كانت نارينا غارقة تمامًا في عملها، لا تلتفت لشيء آخر.
كان جوهيوك مشغولًا في مكتبه الخاص، لكن عيناه كانتا تراقبان تحركاتها من بعيد. ابتسامة خافتة ارتسمت على شفتيه وهو يرى هذا المجهود من كائن يبدو لطيفًا ورقيقًا، لكنه يحمل في داخله قوة وتصميمًا غير عاديين. بعد فترة، أكمل عمله، وطلب كوب قهوة، ثم توجّه نحو مكتبها.
دخل عليها المكتب بابتسامة خفيفة، يلقي تحية صباحية. لكنها لم تنتبه لوجوده، فقد كانت منغمسة تمامًا في الأوراق والملفات، وشعرها الأحمر منسدل على وجهها وهي تميل فوق مكتبها. جلس جوهيوك يراقبها في صمت، مستمتعًا بمنظرها وهي تعمل بهذا الشغف. بعد لحظات، انتبهت نارينا فجأة لوجود شخص آخر معها في الغرفة. رفعت رأسها، وكان شعرها ما يزال يغطي جزءًا من وجهها. مد جوهيوك يده برفق، وأبعد خصلات شعرها عن عينيها بابتسامة دافئة.
جوهيوك: (بصوت خفيض وعذب)
"أعتقد أنكِ تحتاجين إلى قهوة!"
نظرت نارينا إلى هذا الشاب الوسيم واللبق، الذي يحمل هيبة نبيلة كأحد الأمراء. ابتسمت بلطف، ومدت يدها لتقبل كوب القهوة.
نارينا: (بصوت رقيق)
"شكرًا لك سيدي جوهيوك!"
حمل جوهيوك بعض الأوراق المتعلقة بالقضية التي كانت على مكتبها.
جوهيوك: (بفضول خفي)
"ما رأيكِ؟ هل أغفلتِ على شيء في عقد شركة الاستيراد؟"
عندما تحول الحديث إلى القانون، تحولت نارينا إلى شخصية أخرى تمامًا؛ واثقة وجريئة، دون أي أثر للخجل. بدأت تذكر أرقام القوانين والمواد وكأن كتابًا مفتوحًا أمامها، وتفاصيل دقيقة لم تخطر ببال جوهيوك. ثم انتبهت إلى ارتباك جوهيوك الظاهر من حاجبه المرفوع، فتوقفت فجأة.
نارينا: (باعتذار)
"أنا آسفة! ربما لم تفهم ما أقوله، ولكن أؤكد لك أن الفوز بالقضية مضمون!"
ابتسم جوهيوك ابتسامة خافتة، بعينين تلمعان بالانبهار.
جوهيوك: (بصوت هامس يكاد لا يسمع)
"لا يهمني حتى إذا خسرتِ... فلقد ربحتُ بفعل شيء مذهل."
في تلك اللحظة، فتح الباب أحد الموظفين على عجل.
الموظف: "سيدي، الاجتماع سيبدأ!"
وقف جوهيوك، ونظر إلى نارينا بابتسامة أخيرة قبل أن يغادر.
جوهيوك: "أتمنى لكِ التوفيق."
بعد أيام: يوم المحاكمة
كانت الأيام التالية سباقًا مع الزمن، وكل منهما غارق في عمله، يستعدان ليوم الحقيقة. في يوم المحاكمة، تقابل جوهيوك ونارينا أمام مبنى المحكمة الشامخ. كانت نارينا ترتدي بدلة المحاماة السوداء، تزيدها وقارًا وثقة. تفاجأت برؤيته هناك، فقد افترضت أنه لن يحضر.
نارينا: (ببعض الدهشة)
"لم يكن هناك داعٍ للحضور يا سيدي جوهيوك!"
ابتسم لها جوهيوك بابتسامة دافئة، عيناه الزرقاوان تلمعان بإعجاب.
جوهيوك: "أردت أن أراكِ."
شعرت نارينا بالخجل يتسلل إلى وجنتيها.
نارينا: (بخفوت)
"ماذا تقصد؟"
وضع جوهيوك يده على كتفها بلطف، وتوجهت عيناه نحو مبنى المحكمة.
جوهيوك: "أردت أن أراكِ وأنتِ تفوزين!" ثم همس قرب أذنها، وصوته يملأ قلبها بإحساس غريب: "أعتقد أنه سيكون منظرًا في غاية الجمال."
تقدم جوهيوك نحو المدخل، تاركًا نارينا تتأمل كلماته.
انذهلت نارينا من وسامته وهالته القوية التي أصابتها بالذهول. هزت رأسها وهي تتمتم لنفسها: "إنه وسيم جدًا ونبيل!"
داخل قاعة المحكمة، كانت نارينا تقف بثقة لا تتزعزع. ببدلة المحاماة السوداء، أصبحت كالمقاتلة التي لا تهاب شيئًا. لم تترك مجالًا للمحامي الخصم المخضرم أن يستغل أي ثغرة، بل أذهلت كل الحضور ببراعتها وحججها القوية. أما جوهيوك، فقد كان هائمًا في جمال حركاتها، في مدى قوة هالتها التي سيطرت على القاعة بأكملها، رغم ذلك، كان وجهها هادئًا ومبتسمًا. بقي يراقبها في صمت، مفتونًا بذكائها وقوتها، حتى انطلق الحكم بفوز شركة جوهيوك.
بعد انتهاء الجلسة، في مقهى موجود داخل مبنى المحكمة، التقت نارينا بجوهيوك وهي سعيدة بنصرها العظيم. كانت تتحدث بحماس عن تفاصيل القضية، بينما كان جوهيوك يراقب هذه السعادة بعينين مبتسمتين، يشعر أنها لطيفة وجميلة بشكل لم يره من قبل. كان يتمنى أن يتحدث معها أكثر، أن يعرف كل شيء عنها، أن يشاركها هذا الفرح.
قاطعته نارينا وهي تفرقع أصابعها أمامه لجذب انتباهه، فقد لاحظت شروده.
نارينا: (بابتسامة خفيفة ممزوجة ببعض التساؤل)
"دائمًا عندما أتحدث معك تكون شاردًا! هل كلامي ممل يا سيدي جوهيوك؟"
همهمات جوهيوك لنفسه كانت بالكاد مسموعة، لكنها كانت كافية لتلتقطها أذناها. "لما لا تقرئين عقلي؟ أنا دائماً أفكر فيكِ؟"
ابتسامة خجولة اعتلت وجه نارينا، لتُخفي خلفها دهشتها من جرأته المفاجئة. "أنا أقدر اهتمامك، لكنني أفضل أن نتعرف على بعضنا البعض بطريقة طبيعية أكثر."
أحمرّ وجه جوهيوك قليلًا وهو ينظر بعيدًا، يحاول الحفاظ على رباطة جأشه، فقد أدرك أنه تجاوز الحدود. "أنتِ محقة، أنا آسف... أحيانًا أسبق نفسي عندما أكون بالقرب منكِ يا نارينا. لم أشعر بهذه الطريقة تجاه أي شخص من قبل، وأريد أن أفعل ذلك بشكل صحيح. هل... هل ترغبين في تناول القهوة في وقت ما؟ لمجرد التحدث؟" تململ بكمه بعصبية وهو يختلس النظرات إليها. "أعدكِ بأن أكون رجلًا نبيلًا مثاليًا."
نظرت إليه نارينا بنظرة لطيفة، وشعرت بدفء غريب يتسلل إلى قلبها من صدقه المفاجئ. "شكرًا لك على تفهمك. أجل، سأكون سعيدة بتناول القهوة معكِ في وقت ما. دعنا نرتب لذلك لاحقًا."
أضاءت عيناه بفرح بالكاد يمكن احتواؤه، لكنه حافظ على تعبير جاد ليظهر هادئًا. "هذا... هذا رائع. شكرًا لكِ يا نارينا. أتطلع إلى ذلك أكثر مما تتخيل." عدّل وقفته وصَفّى حلقه، محاولًا أن يبدو هادئًا على الرغم من تسارع نبضاته. "أعرف هذا المقهى الصغير على مقربة من هنا. إنهم يصنعون أفضل أمريكانو في المدينة. هل يناسبكِ غدًا بعد الظهر؟ إلا إذا... إلا إذا كان ذلك مبكرًا جدًا."
ابتسمت نارينا بابتسامة مشرقة، فقد أحبت حماسه الصادق. "هذا يبدو رائعًا! أنا متفرغة غدًا بعد الظهر، لذا المقهى الصغير والأمريكانو الممتاز يبدو كخطة رائعة."
مرر يده بين شعره بمزيج من التوتر والإثارة. "ممتاز... سأقابلكِ هناك في الثانية؟ تشرق الشمس على مقاعد النافذة في ذلك الوقت تمامًا." أخذ نفسًا عميقًا، مستجمعًا شجاعته بينما تحولت أذنيه إلى اللون الأحمر قليلاً. "ونارينا... شكرًا لكِ على منحي فرصة. أعلم أنني بالغت في التعبير عن نفسي من قبل، لكنني أعدكِ بأنكِ لن تندمي. لم أكن أبدًا جيدًا في التعبير عن نفسي، خاصة مع شخص آسر مثلكِ." لمس مؤخرة رقبته بتوتر واضح. "إلى الغد إذًا يا نارينا. اعتني بنفسكِ وأنتِ تعودين إلى المنزل."
نظرت نارينا إليه بابتسامة هادئة وأومأت برأسها. "تمامًا، الثانية مناسبة. يبدو مكانًا جذابًا. ولا داعي للقلق بشأن ما قلته سابقًا، تقديري لصدقك الآن أكبر. وأنا أيضًا أعتقد أن هذا سيكون لقاءً ممتعًا."
نظرت نارينا إليه بابتسامة خافتة وهي تراه يغادر، وشعور دافئ وغامض يتخلل قلبها. في طريقها إلى المنزل، فكرت: "يا إلهي، لم أقصد أن أقول ذلك بصوت عالٍ! لكن رد فعله... إنه صادق للغاية، أشعر بشيء مختلف تجاهه الآن. ربما هو ليس مجرد شخص غريب. غدًا سيكون يومًا مثيرًا للاهتمام."
نظر جوهيوك إلى الوراء مرة أخيرة وهو يبتعد، ملتقطًا الابتسامة الخافتة على وجهها، وصدره يضيق بمزيج من الأمل والشوق. "آمل ألا أكون قد جعلت من نفسي أضحوكة... لكن رؤية تلك الابتسامة، ولو لثانية واحدة، تجعل كل شيء يستحق العناء." همس لنفسه بينما تتباطأ خطواته، غارقًا في التفكير فيها، "نارينا... غدًا... سأتأكد من أنه يوم لن تنساه. أريد أن أعرف كل شيء صغير يجعلكِ أنتِ. لم أرغب أبدًا في أي شيء أكثر من أن أكون الشخص الذي يعيد تلك الابتسامة إلى وجهكِ مرة أخرى." شد قبضته بعزم، وشعلة متجددة في عينيه وهو يستدير أخيرًا، ويخطط بالفعل لكل تفاصيل موعد قهوتهما في اليوم التالي.
Comments