بينما كان فهد يشق طريقه نحو شهرزاد، شعرت الأخيرة بموجة غريبة من المشاعر المتضاربة. كانت تلك النظرة التي تبادلاها من بعيد قد أثارت شيئًا ما بداخلها، لكنها لم تكن مستعدة بعد لفهمه.
**شهرزاد**: (في نفسها) "لماذا أشعر بهذا التوتر؟ إنه مجرد رجل وقح أنقذني من الغرق!"
لكن قبل أن يتمكن فهد من الوصول إليها، اعترضت طريقه نور بكل ما تملك من براعة التمثيل. كانت ترتدي فستانًا ورديًا فاقعًا يكاد يصيب العين بالعمى، وتتحرك بتمنع مبالغ فيه.
**نور**: (بصوت عذب مزيف) "فهد حبيبي! أخيرًا وجدتك! لقد اشتقت إليك!"
حاول فهد التملص منها، لكنها أمسكت بذراعه بإحكام. كانت شهرزاد تشهد المشهد من بعيد، وبدا عليها نوع من التهكم الممزوج بالفضول.
**فهد**: (بصوت حازم) "نور، ليس الآن. لدي عمل مهم."
**نور**: (تجاهلت كلماته تمامًا) "هل رأيتِ الفستان الجديد الذي اشتريته؟ إنه من تصميم مصممة إيطالية شهيرة!"
ألقت نظرة متعالية نحو شهرزاد، غير مدركة أنها تقف أمام المصممة نفسها. لم تتمالك شهرزاد نفسها فضحكت.
**شهرزاد**: (بلهجة سلسة) "حقًا؟ ومن هي هذه المصممة الإيطالية؟"
**نور**: (بكبرياء) "إنها شهرزاد العرافي بالطبع! المصممة الأكثر شهرة في ميلانو!"
ساد صمت قصير. ثم تدخلت صوفيا التي كانت تقترب منهم حاملة كأسين من النبيذ.
**صوفيا**: (بلهجتها الإيطالية المميزة) "أوه، هذا مضحك! لأن هذه السيدة هنا هي بالضبط شهرزاد العرافي!"
تحول وجه نور إلى اللون القرمزي في لحظة. فتحت فمها ثم أغلقته دون أن ينطلق منه أي صوت.
**فهد**: (مستغلاً الموقف) "نور، أعتقد أن لديكِ موعدًا مع... المرآة. لتتأكدي من أن الفستان يناسبك."
كانت النكتة واضحة، لكن نور لم تكن في حالة تسمح لها بالرد. أدارت ظهرها وانسحبت بسرعة، تاركةً وراءها رائحة عطرها الثقيل.
**شهرزاد**: (وهي تتناول الكأس من صوفيا) "حسنًا، هذا كان... مثيرًا للاهتمام."
**صوفيا**: (بفضول) "من كانت تلك الكارثة الوردية؟"
**فهد**: (بزفرة) "مشكلتي القديمة. صديقة طفولة تعتقد أننا مقدر لنا أن نكون معًا."
**شهرزاد**: (بسخرية) "يبدو أن لديكِ ذوقًا رائعًا في النساء."
ضحك فهد رغمًا عنه. كان هناك شيء في طريقة شهرزاد في التحدث تجعله يشعر بالراحة، رغم كل تناقضاتها.
**صوفيا**: (وهي تنظر بينهما بذكاء) "أعتقد أنني سأترككما تتابعان حديثكما. لدي بعض الترتيبات للعرض غدًا."
تركت صوفيا المكان ببراعة، تاركةً فهد وشهرزاد وحدهما لأول مرة منذ لقائهما الغريب على الشاطئ.
**شهرزاد**: (بعد صمت قصير) "إذن... هذا الفندق ملك لعائلتك؟"
**فهد**: (هز كتفيه) "جزء من ممتلكاتنا. جدي يعتقد أن العمل اليدوي سيعلمني التواضع."
**شهرزاد**: (بتأمل) "وهل يعمل؟"
نظر فهد إليها مباشرة. كانت عيناها في ضوء القمر تبدوان أكثر عمقًا مما تذكر.
**فهد**: "ربما أكثر مما أود الاعتراف به."
ساد صمت آخر، لكنه هذه المرة كان أكثر راحة. في الخلفية، بدأت الموسيقى تعزف لحنًا بطيئًا.
**شهرزاد**: (فجأة) "هل تعرف كيف ترقص؟"
**فهد**: (مندهشًا) "ماذا؟"
**شهرزاد**: (وهي تمد يدها) "أعتقد أن هذا أقل ما يمكنك فعله لتعويض إهانة 'الحمقاء التي تختار الغرق في مناوبتي'."
ابتسم فهد لأول مرة بصدق منذ وقت طويل. أخذ يدها وقادها إلى وسط القاعة.
**فهد**: "استعدي لخيبة أمل كبيرة. لم أكن منقذ شاطئ جيدًا، وراقص أسوأ."
لكن عندما أمسك بخصرها وبدأا بالتحرك مع الموسيقى، اكتشفا أن هناك تناغمًا غريبًا بينهما. كانت شهرزاد تشعر بقلبه ينبض عبر القميص، بينما كان فهد يجد نفسه منجذبًا إلى رائحة شعرها التي اختلطت بماء البحر والعطر.
**شهرزاد**: (بصوت خافت) "أعتقد أنك تكذب. أنت راقص جيد."
**فهد**: (أقرب إلى أذنها) "ربما لأن الشريك مناسب."
لم تكن تعرف لماذا، لكن هذه الكلمات جعلت قلب شهرزاد يقفز قفزة غريبة. كانت تريد أن ترد بشيء لاذع كعادتها، لكن الكلمات تعثرت على شفتيها.
في تلك اللحظة بالضبط، نظرا إلى بعضهما مباشرة، وحدث شيء غريب. شعرا وكأن الوقت توقف. الموسيقى، الضحكات، كل شيء اختفى. لم يكن هناك سوى تلك النظرة التي اخترقت كل الحواجز.
لكن المصير كان له خطط أخرى. فجأة، سمعوا صوت زجاج ينكسر. نظر الجميع إلى المصدر ليجدوا نور واقفة هناك، الكأس المكسور عند قدميها، وعيناها تلمعان بالدموع والغضب.
**نور**: (بصوت مرتجف) "فهد... كيف يمكنك؟"
أدرك فهد أن المشهد يبدو سيئًا. هو وشهرزاد متقاربان جدًا، ويداه لا تزالان على خصرها. لكن قبل أن يتمكن من الرد، تدخلت شهرزاد ببرودة.
**شهرزاد**: "آسفة، لكن هل لديك مشكلة معي؟"
**نور**: (بصوت مرتفع) "المشكلة ليست معكِ! المشكلة معه! يعلم جيدًا أننا مقدر لنا أن نكون معًا!"
أصبح المكان صامتًا. كل الأنظار كانت عليهم. شعر فهد أن غضبه يغلي.
**فهد**: (بصوت هادئ لكن حاد) "نور، هذا يكفي. لن نكون معًا أبدًا. هذه هي الحقيقة."
بدا وكأن كلماته صعقت نور. دموعها انهمرت بغزارة، ثم أدارت ظهرها وهربت من القاعة.
الصمت الذي تلا ذلك كان ثقيلًا. ثم بدأ الناس بالهمس. شعرت شهرزاد بعدم الارتياح.
**شهرزاد**: "ربما يجب أن أذهب."
**فهد**: (أمسك بذراعها بلطف) "لا. أنتِ لم تفعلي أي شيء خاطئ."
لكن شهرزاد كانت تشعر أن الموقف أصبح معقدًا جدًا. سحبت ذراعها برفق.
**شهرزاد**: "هذا... معقد. أنا هنا للعمل، وليس لإثارة المشاكل."
قبل أن يتمكن فهد من الرد، ظهرت صوفيا فجأة، تبدو قلقة.
**صوفيا**: "شهرزاد، لدينا مشكلة. بعض القطع لم تصل بعد من المطار."
استغلّت شهرزاد الفرصة للانسحاب.
**شهرزاد**: (لفهد) "آسفة، يجب أن أذهب."
تركته واقفًا هناك، يشاهدها تبتعد مع صوفيا. كان يشعر أن شيئًا مهمًا كان على وشك الحدوث، لكنه فُقد الآن.
في الخارج، كانت نور تجلس في سيارتها الفاخرة، دموعها قد جفت، وحل محلها نظرة عزم خطيرة.
**نور**: (في نفسها) "لن تدمر هذه الغريبة كل شيء. سأجعلها تندم على اليوم الذي قررت فيه القدوم إلى المغرب."
وفي زاوية مظلمة من موقف السيارات، كان رجل يرتدي بدلة سوداء يصور كل شيء بهاتفه الخفي.
...ΩΩΩΩΩΩΩΩΩΩΩΩΩΩΩΩ...
Comments