الوعي المزدوج

> "حين تراقب نفسك من الخارج، وتخاف مما تراه… فاعلم أن الوعي بدأ يتمرد."

المرحلة التالية بدأت.

كان ذلك الصوت الأخير الذي سمعتُه داخل رأسي… لا، داخل شيء أعمق من رأسي.

أشبه بصدى داخلي، يضرب جدران الذاكرة المهترئة، يوقظ طبقات من الطفولة كنت قد طمرتها عمداً. طبقات لم تكن مجرد ذكريات… بل كانت شظايا منّي، مقصوصة بعناية، مرمية في أماكن لم أعد أملك مفاتيحها.

ارتجف جسدي حين بدأت الأضواء الخافتة تنبعث من أطراف الممر، كأن الجدران نفسها تتنفس. كان الممر طويلاً… بلا نهاية، وأرضيته لم تكن صلبة، بل أشبه بشيء يزحف تحتي… أو أزحف أنا فوقه.

كل خطوة كنت أخطوها، كانت ترافقها ومضات:

ومضات:

– طفلة تبكي وحدها، يديها تغطيان أذنيها.

– ثم ظلام.

– رجل يكتب على سبورة: "السلوك رقم 108: مراقبة استجابة الخوف."

– ثم ظلام من جديد.

– أصوات ضرب… لكن بلا مصدر.

– صرخة مكتومة… داخل رأسي.

توقفت.

نهاية الممر لم تكن جداراً، بل باب رمادي بلا مقبض. كان محفوراً عليه رقم واضح: 108.

نفس الرقم.

الخزانة. الصورة. الصوت. التجربة.

كان الأمر واضحًا… أو هكذا ظننت.

مددت يدي… لا مقبض.

لكنه انفتح وحده.

ورأيت… نفسي.

لكنها لم تكن أنا الآن.

كانت لمار أخرى. صغيرة. نحيلة. تلبس قميصاً أبيض واسع يشبه ثوب المرضى.

نظرت إليّ بعينين فارغتين.

كانت تحدق… وكأنها ترى من خلالي.

ثم همست:

– "لا تذكريهم… سيغضبون."

أردت أن أرد، لكن الكلمات عالقة في حلقي.

نظرت إلى يدي… كانت مقيدة.

دخلت الغرفة 108، وأُغلق الباب خلفي بصوت أشبه بانهيار. ليس فقط باب يُغلق، بل واقع ينهار.

أربع جدران شفافة. لا مفر.

كل جدار يعرض مشهداً:

طفل يُغلق عليه الباب من الخارج.

فتاة تُحقَن بمادة صفراء وتغفو.

غرفة بيضاء فيها شاشة ضخمة، تُعرض عليها صور لأشخاص يصرخون بلا صوت.

وأنا… أوقّع على ورقة.

اقتربتُ من الجدار الأخير، وقرأت الورقة:

> "أنا، لمار، أوافق على حذف ذاكرتي طوعاً."

ارتجفت.

أنا؟ لماذا؟ متى؟ من أجبرني؟

فجأة، ظهرت شاشة في منتصف الغرفة. وخرج صوت أنثوي آلي:

> "هل تريدين الاسترجاع؟"

شاشة سوداء. زر واحد:

[ نعم / لا ]

يدي ارتفعت وحدها.

ضغطت "نعم"… وكأنني كنت مبرمجة.

ثم سقوط

جسدي انهار. رأسي انفجر بألم لا يُحتمل. كأن كل ذاكرة محذوفة عادت دفعة واحدة.

تذكرت:

– الأرقام.

– الغرف.

– الأشخاص الذين راقبتهم… بإرادتي.

أنا كنت جزءاً من هذا.

لكن… لماذا نسيت؟

بدأت أسمع أصواتاً من خارج الجدران:

– "المرحلة الرابعة بدأت. استجابة ممتازة."

– "لاحظوا التذبذب في نشاط القشرة الأمامية."

– "أعد تشغيل الشريط 12."

أنا لست وحدي.

أنا… في تجربة.

عاد الصوت الداخلي:

> "ما ترينه الآن ليس الماضي فقط… بل ما أردتِ نسيانه."

"وما تُجبرين الآن على تذكّره."

ضوء على الأرض تجمّع إلى صورة فتاة.

ليست أنا، لكن تشبهني بشكل مرعب.

قالت:

– "اسمي إزالين أنا فشلت قبلك. لم أُكمل التجربة."

– "لكن أنتِ… مختلفة. لأنك كنتِ المراقبة والمراقَبة."

واختفت.

ضوء قوي في الجدار.

عرض حيّ.

رجل مقنّع يدخل غرفة. يجلس على كرسي. ينزع القناع.

كان أبي.

صرخت… لكنه لم يسمع.

قال للكاميرا:

– "إذا وصلتِ إلى هنا يا لمار… اعرفي أني حاولت حمايتك."

– "لكنك اخترتِ الطريق. وأنا… كنت مراقبك الأول."

ثم اختفى.

على الأرض… ظرف أسود صغير.

فتح نفسه.

داخله مرآة صغيرة.

نظرت فيها… لم أرَ وجهي.

رأيت عيناً مليئة بالكاميرات.

ثم… ظهرت الجملة:

> "مرحلة الإدراك بدأت."

وانفتح جدار الغرفة. كشف عن قاعة مستديرة.

فيها عشرات الكراسي… وكل كرسي عليه نسخة مني.

أنا… في كل الكراسي.

كل واحدة ترتدي لوناً مختلفاً.

كل واحدة تنظر إليّ.

إحداهن قالت:

– "من نحن؟"

أجبت بلا وعي:

– "نحن من اختار أن ينسى… وعوقب بأن يتذكّر."

منصة زجاجية في المنتصف. صعدتُ.

فوقي كاميرا ضخمة.

صوت من طفولتي:

– "لمار… حان وقت المراقبة الحقيقية."

الأرض تحت قدمي أصبحت شاشة.

تُعرض فيها مشاهد من حياتي.

لكن… لم أكن وحدي.

رأيت أشخاصاً أعرفهم.

أحبهم.

وكلهم كانوا تحت المراقبة.

الأسوأ؟

لم يكونوا يعلمون.

رجل ببدلة رسمية. وجهه غير واضح.

اقترب مني.

قال:

– "كل ما مررتِ به… اختبار لتفعيل وعيك المزدوج."

– "الآن، ستبدئين المرحلة التالية: أنتِ المراقَبة والمراقِبة معاً."

أعطاني جهازًا صغيرًا:

– "هذا يُعيدك إلى الممر.

لكن من الآن… لا رجعة."

أخذت الجهاز.

ضغطت الزر.

استيقظت.

في غرفتي

بيت طفولتي

لكن على الجدار… كاميرا حمراء تومض.

وأسفلها… الظرف الأسود.

فتحته.

ورقة واحدة:

> "مرحباً بك في الواقع"

رفعت عيني.

الظل الطويل ينتظرني عند الباب.

همس:

– "الفصل الأخير… لا يُكتب إلا عندما تُراقبين نفسك عن وعي."

ثم اختفى.

وأنا… ابتسمت.

لأول مرة، عرفت من أنا.

لكن السؤال ظل معلقًا:

> هل كنت أنا من تراقب؟

أم من كانت تُراقَب؟

وهل هناك فرق؟

الجديد

Comments

chaimaa Fhjfl

chaimaa Fhjfl

روايتك حلوة تبعي كتابتها رائعة بها جو مشوق أتمنى تنزلي فصل أربعة

2025-07-26

1

الكل
مختارات

تنزيل على الفور

novel.download.tips
تنزيل على الفور

novel.bonus

novel.bonus.content

novel.bonus.receive
NovelToon
فتح الباب إلى عالم آخر
لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon