عيون الزجاج

لم أنم تلك الليلة.

لكنني حلمت.

حلمت بأني أفتح عينيّ… فأجد نفسي داخل غرفة لا نوافذ فيها، جدرانها من زجاج شفاف، خلفه ظلال تراقبني ولا تتحرك.

ثم استيقظت.

أو على الأقل، ظننت أني استيقظت.

كانت الساعة تشير إلى 3:03 صباحًا.

الغرفة كما هي.

لكن النافذة التي كنت أغلقها دائمًا… كانت مفتوحة.

والهواء الذي دخل لم يكن باردًا فقط، بل مشبعًا برائحة معدن.

كأن أحدًا كان يقف هناك للتو.

اقتربت ببطء.

شيء ما في الأرض لمع تحت ضوء القمر.

انحنيت.

مفتاح.

قديم، صدئ، كُتب عليه بالحفر:

خزانة 108

لا أعرف لماذا، لكنني عرفت مباشرةً إلى أين يجب أن أذهب.

مبنى البريد القديم، في وسط المدينة، مغلق منذ سنوات.

لكنه ما زال يقف هناك، كجثة ضخمة من الإسمنت.

حين وصلت، كانت البوابة الخلفية غير مقفلة.

دخلت.

الظلام كان ثقيلًا، لكن بصري اعتاد عليه سريعًا… أو ربما كان ينتظر.

توجهت إلى صف طويل من الخزائن المعدنية. كلها مغلقة… ما عدا واحدة.

108.

فتحتها بالمفتاح، وبداخله ظرف أسود.

فتحت الظرف، ووجدت:

> "كل شيء بدأ قبل أن تولدي. وكل ما تفعلينه الآن… مجرد تكرار. الغرفة 9. الطابق السفلي. الآن."

رفعت عيني، وشعرت لأول مرة أن هناك كاميرا خلفي.

ليس شعورًا وهميًا… بل إدراكًا.

ركضت.

الدرج المؤدي للأسفل كان مغطى بالغبار، لكن كانت هناك آثار أقدام… حديثة.

الغرفة رقم 9 كانت مغلقة بلوح حديد.

دفعته بكتفي.

دخلت.

غرفة خالية…

ما عدا مرآة ضخمة، في وسطها.

ليس من المفترض أن أرى نفسي… لكنني لم أرَ شيئًا.

كانت المرآة سوداء.

ثم، فجأة… ظهرت صورتي.

لكنها لم تتحرك مثلي.

صورتها رفعت يدها اليمنى، حين رفعت أنا اليسرى.

ثم ابتسمت.

أنا لم أبتسم.

تراجعت.

أرضية الغرفة بدأت تهتز…

وصوت إنذار خافت خرج من لا مكان.

ثم انطفأت الإضاءة.

في الظلام، سمعت صوت حذاء يخطو خلفي.

استدرت بسرعة، لكن لا أحد.

ثم ظهر ضوء أحمر خلف الزجاج… كان هناك وجه.

شخص ما كان يراقبني من الجدار… لكن لا يمكن أن يكون هناك ممر خلفه.

صرخت:

"من أنت؟! ماذا تريد؟!"

جاءني الرد… من مكبّر صوت في السقف:

> "أنا ظلّك، لمار. وظلالنا لا تختارنا… نحن من نخلقها."

تقدمتُ نحو الجدار، ضربته.

لكنه بدا صلبًا، بلا نهاية.

ثم، فجأة، الباب أغلق خلفي بقوة.

وصوت القفل رنّ كأنه إعلان.

"مرحبًا بك في المرحلة الثانية."

حين نظرت إلى المرآة… لم أرَ صورتي هذه المرة.

رأيت نفسي… لكن من الخلف.

كأن هناك كاميرا تصورني الآن… من الزاوية التي كنت أظنها فارغة.

وفوق صورتي، كُتبت كلمة واحدة:

"جرّبتِ أن تكوني المراقَبة… الآن حان دورك أن تراقبي."

تقدمتُ نحو الجدار، وفتحت الدرج السفلي الوحيد في الغرفة.

كان يحتوي على صورة قديمة، بالأبيض والأسود.

طفلة صغيرة تقف في الحديقة الخلفية… نفس الحديقة التي كنت أجلس فيها وأنا طفلة.

لكن تلك الطفلة… لم تكن أنا.

كان في الخلفية ظلّ طويل لشخص واقف، ووجهه مشوش.

على ظهر الصورة كُتب تاريخ قديم:

12 يوليو 1990.

وتحته… اسم عائلتي.

لكنني لم أكن قد وُلدت بعد.

أدركت أن هناك تاريخًا مخفيًا… وأنني أدور في حلقة لم أصنعها.

ثم، ظهر فجأة في زاوية الغرفة شيء يشبه جهاز تسجيل.

ضغطت زر التشغيل.

خرج صوت امرأة تشبه صوتي:

> "إنه ليس المراقب الحقيقي… بل انعكاسه. كلما اقتربتِ من الحقيقة، ستضطرين لمراقبة نفسك أولاً."

ثم انطفأ الجهاز.

تقدمتُ نحو المرآة مجددًا. لم تكن عادية.

رأيت من خلالها مشاهد لم أعشها.

أطفال يبكون في ممرات طويلة.

شخص يرتدي قناعًا أبيض يدخل غرفة صغيرة.

وأنا… أجلس في ركن مظلم، أراقب.

هل هذا حُلم؟

أم تذكُّر؟

فجأة ظهر لغز مكتوب على سطح الزجاج:

> "أنا شيء لا يُرى، لكنه يراك.

له عيون بلا جفن، وذاكرة بلا نسيان.

ما أنا؟"

حدقت فيه.

كان الجواب واضحًا، لكنه مرعب:

"الكاميرا."

بمجرد أن همست بالإجابة، ارتجت الجدران.

وظهر مدخل جديد خلف المرآة.

دخلت.

ممر طويل مظلم.

على الجدران، شاشات تعرض وجهي أثناء نومي، أكلي، حتى وأنا أبكي.

في نهاية الممر، غرفة أخرى.

في وسطها كرسي معدني، فوقه خوذة مليئة بأسلاك.

على الجدار، جملة مكتوبة بخط كبير:

"لتعرفي الحقيقة… عليك أن تتذكري ما نسيتِ."

جلست على الكرسي.

وضعت الخوذة.

وفجأة، انفجرت الصور في ذهني.

تذكرت.

تذكرت أنني كنت هناك، في منشأة غريبة، في صغري.

تذكرت رجلاً يرتدي معطفًا أبيض يقول لي:

> "لن تتذكري هذا… حتى يحين الوقت."

تذكرت التجارب.

الاختبارات.

العين التي تراقب.

وأنني وعدت نفسي أن أنسى.

لكن الآن… تذكرت كل شيء.

اسمي الكامل.

مكان المنشأة.

وأن "س"… لم يكن شخصًا واحدًا.

بل منظمة.

وأنا جزء منها.

أنا لم أكن الضحية فقط.

كنت جزءًا من المراقبين.

وكل هذا… كان اختبارًا.

اختبار للذاكرة.

اختبار للوعي.

وها أنا الآن، أفيق.

أفيق على نفسي الحقيقية.

المرحلة التالية بدأت.

مختارات

تنزيل على الفور

novel.download.tips
تنزيل على الفور

novel.bonus

novel.bonus.content

novel.bonus.receive
NovelToon
فتح الباب إلى عالم آخر
لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon