توقفت عربة خشبية بسيطة ذات غطاء قماشي بلون باهت أمام منزل الكسندر ماركليس
انفتح باب العربة بتردد، ثم نزلت منه فتاة نحيلة القامة، ترتدي معطفًا رماديًا بسيطًا، وحقيبة يد صغيرة مربوطة بإحكام. كانت ماريا رولز.
وقفت لحظة أمام المنزل الكبير، تُحاول أن تتوازن على رصيف المدينة الواسع الذي بدا أكبر بكثير من كل ما عرفته في قريتها. عيناها، الواسعتان المتسائلتان، ارتفعتا إلى النوافذ العالية والباب الأسود الضخم الذي بدا لها كفاصل بين عالمين: العالم الذي خرجت منه، وذلك الذي تنتظر أن تدخل إليه.
لم تكن تعرف الكثير عن الرجل الذي وافق على استضافتها، سوى أنه قريب لراعيها، رجل ذو شأن، قيل لها إنه لا يحب الفوضى، ولا الصخب، وإن بيته يشبه شخصيته: منظم، هادئ، ومبهم.
رفعت يدها الصغيرة، المرتجفة قليلًا من برودة الطقس، وضغطت على الجرس النحاسي المثبت بجانب الباب.
لحظة صمت... ثم سُمِع وقع خطوات من الداخل، خطوات رزينة منتظمة، تقترب بثبات، حتى فُتح الباب.
وقف أمامها رجل في منتصف العمر، يرتدي سترة داكنة وقفازات جلدية. لم يكن ألكسندر، بل كبير خدمه، الذي نظر إليها بنظرة فاحصة ثم انحنى قليلًا قائلاً:
— "الآنسة رولز، على ما أظن؟ تفضلي بالدخول، سيدتي."
دخلت ماريا بخطوات مترددة، كانت رائحة الخشب المصقول والكتب والجلد تملأ المكان. كل شيء كان مرتّبًا بدقة، كأن الزمن هنا لا يتحرك إلا بإذن.
تناول كبير الخدم الحقيبة الصغيرة من يد ماريا بلطف متقن، دون أن ينطق بكلمة، ثم أشار إليها بإيماءة مهذبة أن تتبعه. مشت خلفه بصمت، خطواتها خفيفة على أرضية الرخام التي بدا صداها في أذنيها أعلى مما يجب. عيناها كانت تجولان بخجل على جدران المدخل، على اللوحات، على السجاد الثقيل، وعلى الضوء الكهرماني المنبعث من ثريات مرتفعة لا تشبه شيئًا مما عرفته من قبل.
لكنها لم تكد تلتقط أنفاسها حتى دوى وقع خطوات جديدة على السلالم. كانت خطوات رجل، بطيئة، مدروسة، ومعها خطوات أنثوية رشيقة... ثم ظهر ألكسندر ماركليس يتبعه من أعلى الدرج بارانا، زوجته.
كان مظهره كما وُصف لها: شعر رمادي أنيق، سترة داكنة، ونظرة هادئة لا تخلو من شيء يصعب قراءته. أما بارانا، فقد ارتدت ثوبًا فخمًا داكن اللون، يشعّ من نسيجه شيء من البرودة، وتعلو وجهها نظرة فيها من الكبرياء أكثر مما تطيق فتاة خجولة من الريف.
نظرت بارانا إلى ماريا كما يُنظر إلى زهرة نمت في غير موسمها، بعينين فاحصتين تشي بالتحفظ والاستهزاء، لكنها لم تتكلم.
أما ألكسندر، فقد تقدم بخطوتين نحو ماريا، ونظر إليها بهدوء. ثم قال بصوته الرزين، الواضح، الذي لا يحمل انفعالًا:
— "مرحبًا، آنسة رولز. أتمنى أنكِ حظيتِ برحلة مريحة أثناء قدومك."
رفعت ماريا عينيها نحوه في حياء، وأومأت برأسها برفق، ثم قالت بصوت خافت:
— "نعم... شكرًا لك، سيدي، على إرسال العربة لتقلّني."
أومأ ألكسندر بإشارة خفيفة، ولم يقل شيئًا بعد ذلك، بينما بقيت بارانا واقفة على الدرج، تنظر إلى الفتاة
بنظرات متجهمه، لكنها قررت البقاء صامتة و تحمل الوقت الذي ستقضيه ماريا معهما، رغم ان بارانا شخصيه متحكمه الا انها لا تستطيع ان تناقش زوجها في قراراته، فهي تعرفه رجل هادئ و رزين لكن عندما يتخذ قرارا لا يعود فيه كما انها تحترمه و تحترم قراره رغم هذا لم تستطع تقبل فكرة وجود فتاة غريبة معهما في المنزل خاصة انهم لم ينجبا اطفال سيكون وجودها معما غير اعتيادي لبارارانا .
---------------------------------------------------
....
Comments