الفصل الرابع: شرارة الحرب
كانت الشمس تضرب بقوة على أرصفة حيّهم الشعبي، بينما أميرة تمشي بخطوات سريعة بجانب دعاء، تهز الحقيبة على ظهرها وتثرثر بصوتٍ مرتفع عن ما حدث في المدرسة.
– "شفتِ وجه أستاذ الرياضيات لما قلت له إن معادلاته تسبب لي حساسية؟ كاد يبلع الطباشير!"
قالت أميرة وهي تضحك، تمضغ العلكة وتلوّح بيدها بحماسة.
ضحكت دعاء بدورها، لكنها مسحت جبينها المتصبّب عرقاً وقالت: – "امشي شوي شوي يا مخلوقة، الشارع طويل ونص ساعة مشي تحت الشمس مش مزحة."
رفعت أميرة حاجبها بسخرية: – "لو نوقف كل شوي، ح نوصل قبل العشاء. يلا أسرعي، حسّي بشوية حماس!"
وفي لحظة، ومن دون إنذار، اصطدمت بشخص قادم من الاتجاه المعاكس.
كانت الضربة قوية لدرجة أن أميرة تراجعت للخلف خطوة، تأنّ وهي تمسك جبهتها.
– "آآخ! إنت أعمى؟!"
رفعت رأسها لتصطدم بنظرة زرقاء نافذة، وجه وسيم لدرجة تثير الأعصاب، وشعر أشقر مرسوم بعناية.
الشاب وقف بكل غرور، يصفّر لنفسه وهو ينفض الغبار عن قميصه الأبيض وكأنه ضحية حادث سير.
– "أنا؟ لا يا حبّي، إنتِ اللي داخلة كأنك مدرعة."
قالها بصوت منخفض لكن مشحون بالثقة الزائدة.
– "على أساس إنك شفاف وأنا اخترقتك؟ لا يا وسيم، أنت سدّ الطريق."
رمش بعينيه، ابتسامة جانبية ظهرت على وجهه: – "اسمي يوسف. شكلك جديدة هنا… مستغرب ما سمعتِ عني."
– "وأنا اسمي أميرة، وما تهمني شهرتك. سمعي مليان من صياح المارة، مو ناقصني غرورك."
ضحك يوسف ضحكة قصيرة، واستفزازية: – "واضح إنك من النوع اللي يحب يثبت نفسه، بس حظك سيّئ، دخلتي عالملك مباشرة."
مدّت أميرة يدها، دفعت كتفه بقوة: – "انقلع من وجهي يا ملك البلاط."
لكن يوسف ما تقبّل الإهانة، أمسك بمعصمها بقوة وقال: – "انتي محتاجة درس في الأدب."
ردّت عليه سريعًا بركله خاطفة في ساقه جعلته يترنّح، ثم دفعت صدره بقوّة.
– "ولا تلمسني، فهمت؟!"
تجمهر بعض الطلاب المارين في الشارع، وفُتحت الكاميرات.
دعاء كانت تصرخ:
– "كفى! توقفوا! راح يصير مصيبة!"
لكن أميرة ويوسف كانا قد اشتعلا.
هو جرّ ذراعها، فلكمته في كتفه، فردّ بدفعها أرضًا، فنهضت وهاجمته من جديد.
الناس يصرخون، والهواتف تصور، حتى تدخّل حارس المدرسة.
– "توقّفووو! للداخل فورًا!"
---
في مكتب المديرة، الجلسة كانت مشحونة.
أميرة على كرسي واحد، يوسف على الآخر، والمديرة تدور بعصبية خلف مكتبها.
– "ضرب؟ أمام بوابة الثانوية؟ يوسف ابن المديرة نفسها؟!"
أميرة، برأس مرفوع ونبرة ساخرة، قالت:
– "آه، وكنت أحسبه ابن جوجل من كثر ما شايف نفسه مشهور."
شهقت السكرتيرة الواقفة قرب الباب.
لكن قبل أن ترد المديرة، دخل شاب ببدلة رسمية سوداء، شعره داكن، عيناه صارمتان، وصوته حاد.
– "أنا آدم… ولي أمر أميرة."
وقفت المديرة فجأة، تغيّرت ملامحها كليًا، أصبحت أكثر لطفًا.
نظرت له وكأنها أمام مسؤول كبير.
– "يا أهلاً بحضرة الضابط… تشرّفت."
جلس آدم بهدوء وقال بنبرة باردة:
– "أنا أخوها. وأحب أوضّح نقطة: أي حد يحاول يهين أختي، لازم يعرف إنه يواجهني أولاً."
بلعت المديرة ريقها، ثم مالت للأمام وقالت بابتسامة متوترة: – "أختك في عيوني، حضرت الضابط… اعتبرها بنتي، ولا تشيل هم."
– "كويس. وأتمنى تظلي دائمًا في صفها، لأن لو لا سمح الله شعرت إنها مظلومة… تصرفي راح يحسب ضدك."
هزّت المديرة رأسها بسرعة: – "أكيد، أكيد."
نهض آدم وأشار لأميرة:
– "يلا قومي، خلينا نمشي."
وقبل أن تخرج، مرّت أميرة قرب يوسف، نظرت له نظرة استهزاء وقالت بهمس: – "جرب تلمسني ثاني مرة… وراح تندم إنك خلقت أصلاً."
ثم أخرجت لسانها بسرعة وسارت تضحك.
---
في الطريق، أميرة ودعاء تمشيان بهدوء.
قالت دعاء بقلق:
– "مجنونة! ضربتي ابن المديرة قدّام الكل!"
أميرة ردّت وهي تمضغ العلكة وتبتسم:
– "هو اللي بدأ، وأنا ختمت."
سحبت دعاء ورقة مطويّة من حقيبتها وقالت:
– "بس على فكرة… وصلك كمان؟ دعوة الالتحاق بأكاديمية "النخبة"؟"
أميرة توقفت، التقطت ورقتها الخاصة، فتحتها ببطء، وابتسمت:
– "تم قبولي رسميًا. لكن المصيبة مو هنا…"
– "في وين؟"
– "يوسف. المغرور راح يدرس معنا كمان. من اليوم، راح يبدأ الجحيم الحقيقي."
Comments