انت

انت

بارت ١

لم يكن الصباح مختلفًا كثيرًا عن الأمس.

نفس النافذة، نفس الضوء المتسلل بخجل من بين الستائر الرمادية، نفس الصمت... ونفس الفتاة التي تجلس على طرف السرير، تحدّق في لا شيء.

كلوي، المرأة ذات الوجه الهادئ، والعينين الواسعتين، كانت ترتدي قميصًا أبيض واسعًا يغطي كتفيها النحيلتين. جلست هناك، وكأنها تنتظر شيئًا لم يحدث بعد. لم تكن تعرف ما إن كانت تكره هذا الصباح أم تحبه، لكنه على الأقل... كان هادئًا.

نهضت ببطء، سارت نحو المرآة، وأخذت تنظر إلى انعكاسها بعينين لا تعترفان تمامًا بتلك الصورة التي أمامهما.

قالت في سرّها، بصوت لا يسمعه سواها:

"أيُّ نسخةٍ أنا اليوم؟"

لم تكن الإجابة واضحة.

فهي تعرف نفسها جيدًا، أو هكذا تظن.

تعرف أنها قد تستيقظ يومًا بشهية للحياة، تضحك مع الموظفين، ترتّب ملفاتها، وتُدرّب القادمين الجدد في شركتها بابتسامة واثقة.

وفي اليوم التالي... قد تغرق في صمتها، تنظر إلى الحائط لساعات، وتتمنى لو تختفي.

في الشركة، يعرفونها بصاحبة الكاريزما. سيدة الأعمال الشابة التي تبني نجاحها لبنة لبنة.

لكن لا أحد يعرف ماذا يحدث عندما تُغلق الأبواب خلفها، ولا أحد يتجرأ على السؤال.

كانت على وشك الخروج، حين رنّ هاتفها بنغمة قصيرة.

رسالة من الإدارة:

> "اليوم سيصل موظف جديد إلى قسم التدريب. نرجو معاملته وفق البروتوكول المعتاد."

قرأت الرسالة بملامح جامدة، ثم أغلقت الهاتف.

لم تكن تحب التغييرات المفاجئة. وجود أشخاص جدد يعني أصواتًا جديدة، طاقات مختلفة، وربما... أسئلة.

**

في المصعد، كانت وحدها. الجدران اللامعة تعكس ظلها وكأنها محاطة بنُسخ لا تُعدّ منها.

نظرت إلى انعكاسها مجددًا.

لم يكن في وجهها شيء يفضح الحرب التي بداخلها.

مجرد فتاة شابة، شعرها مسدول بعناية، وعيناها تلمعان ببريق احترافي.

لكن في العمق؟

كانت هناك فتاة صغيرة، عالقة في ظلال ماضٍ لم تتصالح معه بعد.

**

دخلت المكتب، جلست على الكرسي الجلدي، فتحت الحاسوب، وبدأت في ترتيب المهام اليومية.

تصرّفت وكأنها لا تنتظر شيئًا.

لكن في قلبها، كانت تشعر بتوتر غير مبرر...

كأن هذا الموظف الجديد، سيكون مختلفًا.

ليس لأنها تعرفه...

بل لأنها تشعر، ولسبب لا تستطيع تفسيره، أن حضوره سيحرّك شيئًا ما بداخلها.

شيئًا كانت قد دفنته منذ زمن.

**

-

الساعة التاسعة صباحًا.

هدوء معتاد في الطابق الثالث من الشركة، يقطعه أحيانًا صوت الطابعة، أو خطوات موظف يهرول على عجلٍ إلى مكتبه.

جلست كلوي في غرفة التدريب، أوراقها مرتبة أمامها، نظراتها ثابتة على الشاشة، كأنها تحاول أن تُقنع نفسها أن اليوم سيمضي كأي يوم آخر.

لكن شيئًا في صدرها كان يقول العكس.

طرق خفيف على الباب.

لم تلتفت فورًا.

"تفضّل"، قالتها بنبرة متزنة، دون أن ترفع عينيها.

دَخل الشاب بخطوات حذرة. بدا متوترًا، وربما خائفًا قليلًا، كما هو حال معظم من يدخلون إلى هذا المكان لأول مرة.

قال بصوت هادئ:

"مرحبًا... أنا ليام، تم توجيهي إليكِ."

رفعت رأسها أخيرًا.

كانت تلك اللحظة التي التقت فيها العيون.

عيونها البنية الداكنة، بعينيه الرماديتين، لم يكن هناك شيء غير طبيعي... سوى السكون المفاجئ.

لم تُظهر أي ردة فعل، بل وقفت بلُطف، مدّت يدها وقالت:

"كلوي. سررت بلقائك. اجلس، وسنبدأ مباشرة."

جلس ليام بهدوء، وأخرج دفترًا صغيرًا. بدا أنه شاب جاد، لا يتحدث كثيرًا.

مرّت الدقائق الأولى ثقيلة.

كانت تشرح له آلية العمل، توزّع التعليمات، وتُشير إلى الشاشة بين الحين والآخر.

لكن شيئًا ما كان يشغلها.

لم تكن تنظر إليه كثيرًا، لكنها كانت تشعر بنظرته.

ذلك النوع من النظرات التي لا تُقال، ولا تُفسّر، فقط تُشعر.

**

مرت نصف ساعة.

كلوي استنشقت نفسًا عميقًا، ثم وقفت لتتناول ملفًا من خزانة خلفها.

قالت دون أن تلتفت:

"هل لديك خبرة سابقة في هذا المجال؟"

أجاب بهدوء:

"قليلة... لكنني أتعلم بسرعة."

قالت مبتسمة ابتسامة طفيفة، بالكاد تُرى:

"حسنًا. سنرى."

**

تابعت شرحها باحترافية، وأحيانًا كانت تختبره بأسئلة صغيرة لتعرف قدرته على التركيز.

لكن في داخلها، كانت تراقب أمرًا آخر.

نبرة صوته...

طريقة جلوسه...

ذلك الهدوء الغريب، الذي يشبه هدوءها.

هل يشبهها؟

لا تدري.

**

حين انتهى التدريب الأول، نهض ليام وألقى نظرة سريعة نحوها، ثم قال:

"أشكرك على وقتك... إن كان لديك أي ملاحظات، أنا مستعد."

قالت بهدوء وهي تجمع أوراقها:

"ابدأ في التعلم... وسنرى إن كنت تستحق البقاء."

كان بإمكانه أن يبتسم، لكنه لم يفعل. فقط أومأ برأسه وغادر.

**

وحين أُغلق الباب، بقيت كلوي واقفة في مكانها، تنظر إلى الورقة التي نسيها على الطاولة.

ورقة فارغة، لا شيء فيها...

لكنها شعرت بشيء فيها يتغيّر.

ربما هو مجرد موظف جديد.

وربما...

كان شيئًا أكبر من ذلك.

**

مختارات

تنزيل على الفور

novel.download.tips
تنزيل على الفور

novel.bonus

novel.bonus.content

novel.bonus.receive
NovelToon
فتح الباب إلى عالم آخر
لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon