أرضً أّيِّسِـوٌريِّأّ
منذ زمن بعيد، وفي أرض لا تضاهيها أي أرض أخرى جمالًا وحُسنًا، اشتهرت بقصورها العظيمة، وحدائقها الخلابة، وشلالاتها المتلألئة، وبيوتها المزخرفة. شوارعها مزينة بالورود من كل نوع ولون، رائحتها تبقى في الذاكرة وتختلج قلبك وروحك، والفراشات في كل مكان، وإذا أشرقت الشمس لمع كل شيء فيها كأنها مصنوعة من الزجاج. هي حقًا جنة فوق الأرض، تُدعى (آيسوريا).
عاش هناك شعب يتميزون ببنية قوية، وصلابة وشجاعة، ولم يكن بمقدور أحد من الممالك الأخرى الاقتراب منهم ولو خطوة واحدة. وأضف على جمالها الساحر اهتمام شعبها بالعلوم والفنون والزخرفة، والأهم من كل هذا موهبة توارثوها عبر الأجيال، موهبة أو هبة، إنها كرامة "السحر". نعم، إنه السحر الذي نراه في الحكايات، لكل واحد منهم قدرة مستقلة عن الباقي؛ أحدهم يتحكم في الماء، والآخر في النار، وهناك من يرى المستقبل، وهناك من يخترق الجدران كأنه لا شيء...
ومع كل هذا الرقي، والماضي النبيل الذي يفتخر به شعب آيسوريا، إلا أنهم لا يقبلون أي شخص عادي أو - إذا صح القول - "ليست له قوى سحرية". إذا كان هناك شخص من دون سحر، قاموا فورًا بنفيه، فبالنسبة لهم، أي إنسان دون سحر ليس من بني جنسهم ولا يُعتبر من شعب آيسوريا. يطردونه بعيدًا، وإذا عاد قد يُعدَم دون تفكير.
ولقد قاموا بنفي الكثير من الناس الذين خُلقوا دون سحر. عائلات كثيرة تم طردها خارج حصون آيسوريا في الماضي، وإلى الآن لا زالوا يطبقون هذا القانون الظالم في نظر البشر العاديين الذين طُردوا من بلادهم دون أن يكون لهم ذنب سوى أنهم جاؤوا إلى الدنيا دون هبة السحر...
وخلف أسوار آيسوريا العالية، وفي عمق الغابات الكثيفة، وراء الشلالات العظيمة، توجد قرية صغيرة أُطلق عليها اسم "قرية المنبوذين"، الذين تم نفيهم من آيسوريا، فهم بشر عاديون ككل البشر في العالم. سكنوا هذه القرية منذ قرون مضت، ولا أحد إلى اليوم جرب العودة إلى آيسوريا خوفًا من بطش السحرة وغضبهم، فاختاروا الانعزال والتكاثر في أرض بعيدة عن كل ساحر وساحرة...
وفي القرية يوجد بيت صغير قديم متهالك، يكاد يسقط من شدة قدمه، لكنه جميل إذا أمعنت النظر فيه. تُزينه زهور آليا، تلك الفتاة الجميلة ذات الثامنة عشرة من عمرها، آليا صاحبة العيون العسلية، والشعر الأسود الطويل كسواد الفحم بعد خبو النار، ذات البشرة البيضاء كبياض الثلج، ووجنتين ورديتين كلون زهور الجوري، آليا الفتاة القصيرة ذات الرموش الطويلة، صاحبة القلب الطيب، وحبيبة كل من في القرية من كبير وصغير، تعشق المغامرات والتجول في الغابات...
تفتح آليا نافذتها المكسورة، وتطل من خلالها مقابلة ضوء الشمس، وأشعتها تداعب شعرها الأسود الطويل. تُغمض عينيها: (يا له من يوم جميل)، ثم تفتحهما، وإذا بها تلمح العم سامويل الخباز يخرج من مخبزته يدندن كعادته.
فتصرخ آليا:
(عمي سامويل، أول خبزة لي! فرائحة خبزك لا تُقاوم يا حبيبي البدين!)
فيرد عليها:
(تعالي... تعالي... يا ذات الرموش الطويلة، يا مشاكسة!) فيُمسكها من أذنها: (إذن أنا بدين، ها؟... هه هه...)
آليا بصوت متألم: (لا، لا! كنت أمزح معك! لقد لاحظت أنك خسرت بعض الوزن هذا الشهر!)
وفجأة، تسمع صراخ زوجة عمها: (أين هي تلك المدللة؟! تركت كل أعمال المنزل وهربت للخارج! آليااااا!)
فتجري آليا نحو البيت بسرعة، فتجد زوجة عمها عند الباب:
(أين كنتِ يا حضرة الأميرة؟!)
آليا مبتسمة: (أحضرت بعض الخبز، سيدتي، ولقد أوشكت على الانتهاء من أعمال التنظيف، لقد بقي لي فناء البيت فقط!)
(أسرعي! انهي ما تبقى من عمل واذهبي إلى غرفة أختك، لقد بللت نفسها أختكِ المقعدة!)
رمت آليا ما في يدها وأسرعت إلى أختها الكبيرة "ماغي"، المقعدة والبكماء، لتغيّر لها تحتها.
كانت ماغي تذرف الدموع في كل مرة تقوم آليا بتغييرها، فتمسح آليا دموعها وتغني لها:
(أنتِ الروح، أنتِ الأمان، أنتِ شمس حياتي، ودواء آهاتي).
أما ماري الصغيرة، فتبقى تراقب آليا من بعيد مبتسمة:
(لولاكِ يا آليا، ماذا كنا سنفعل؟)
فتحضنهما آليا كلتاهما وتردد مقولتها الشهيرة:
(نحن معًا كسحر قوي يسري مجرى الدم، لا يقدر عليه آدمي!)
وتقاطع جو السعادة زوجة العم كعادتها:
(هيا! توقفوا عن هذه الدراما! هيا إلى العمل بسرعة!)
تقوم ماغي المقعدة بتنقية الخضر، وتذهب ماري الصغيرة إلى البئر لتجلب الماء، أما آليا فهي من تحضّر الطعام. أما زوجة العم، فتذهب لتثرثر مع الجيران...
كانت القرية هادئة، والجميع يقوم بعمله. هناك من يزرع، وهناك من ينسج، وآخر يعمل حدادًا.
كان الكل راضيًا بحياته، يعمل بكد من أجل أن تزدهر القرية وتستمر الحياة فيها بسلام.
ذهبت آليا لتفقد الحطب في الفرن، فلم تجد سوى فحم قليل لا يكفي لطبخ العشاء، فأخبرت أختيها أنها ذاهبة إلى الغابة لجلب بعض الحطب من أجل العشاء...
ماري: (لكن الشمس توشك على الغروب يا آليا! كيف ستجدين الحطب في الظلام؟...)
آليا: (لا تخافي، حبيبتي، عليّ إحضار الحطب، وإلا بقينا دون عشاء وتغضب زوجة العم... سأعود بسرعة، اعتني بماغي في غيابي، لن أتأخر، مفهوم؟)
ماري قلقة: (حسنًا آليا، أرجوكِ عودي بسرعة!)
خرجت آليا، وأشعلت شعلة من النار ودخلت الغابة. كان سهلًا عليها التوغل فيها، فهي تحفظ كل طرقها. اتجهت إلى النهر لأن فيه بعض الأغصان هناك،
وما إن وصلت آليا إلى النهر، حتى أحسّت بأن الأرض تتحرك ببطء. لم تصدق ذلك، ظنت أنها شعرت بدوار بسبب الجوع.
وما هي إلا لحظات، حتى ضرب زلزال قوي القرية، استمر لدقائق طويلة.
أمسكت آليا بصخرة كانت قرب النهر، وكان كل تفكيرها في أختيها، وكيف تعود إليهما بسرعة قبل أن يصيبهما مكروه...
هدأت الهزة الأرضية، فنهضت آليا بكل قوتها، وركضت نحو البيت، كانت مسرعة ومفزوعة، تجري وتسقط، كلما نهضت سقطت مرة أخرى، وما إن قامت حتى ضربت رجلها بحجرة وارتطم رأسها بشجرة، ففقدت الوعي في الغابة المظلمة...
وبعد لحظات، بدأت آليا تستفيق شيئًا فشيئًا، وما إن فتحت عينيها، حتى وجدت عجوزًا كبيرة تحدق إليها.
انتفضت آليا مرعوبة: (مَن مَن مَن أنتِ؟ وماذا تريدين؟؟؟!!)
نظرت العجوز مطولًا إلى آليا: (نعم، إنها أنتِ... نفس العيون ونفس الوجه... أنتِ المنشودة...)
وأدارت العجوز ظهرها وهمّت بالذهاب،
أوقفتها آليا قائلة: (ماذا تقصدين بكلامك؟ "أنا المنشودة"؟ أخبريني من فضلك!)
التفتت العجوز إلى آليا: (إجابتك ليست هنا... اذهبي إلى آيسوريا، هناك ستجدين جوابك...)
واختفت العجوز كأنها سراب...
نهضت آليا وهي لا تزال مصدومة من الزلزال، ولم تُعر لتلك العجوز أي اهتمام، ظنّت أنها تتخيل بسبب السقوط.
كان كل همها أن تصل لأختيها...
كانت آليا تجري، والدموع في عينيها، والخوف يتملكها أن تكون أختاها قد أصيبتا بمكروه...
وما إن وصلت إلى البيت، حتى تجمدت مكانها من هول ما رأت...
يتبع.....
دمتم♡♡♡♡
14تم تحديث
Comments
Rymia Frm
رائع أعجبني واصلي
كتابتك جميلة و جدابة 😍
2025-04-21
1
Rozelle 1166
افضل قصه عرفته يجنن😭🥹🫶🏻
2025-04-22
0
Twàami Benchikhe
ارجو منكم ترك تعليق حول الفصل الاول وشكرا
2025-04-12
2