سعير الحب
59 دقيقة فقط هي المسموح لي بها.
هذه الدقائق المعدودة غيرتني وغيرت كل شيء.
شعرت بشيء غريب ينبض في داخلي، أظنه ذلك الشيء الذي يدعى "القلب". لقد شعرت به!
وُلد الآن، كان حديثًا في جسدي الذي يعيش على هذه الأرض منذ 16 سنة، ولكنني اكتشفت أن قلبي وُلد الآن.
وُلد سنة 2023، في 5 أغسطس، يوم السبت، الساعة الثامنة إلا خمس دقائق وسبع وعشرون ثانية،
عندما دخل ذلك الغريب من باب النادي.
لم أفهم ماذا حدث لي.
لماذا أنا سعيدة هكذا؟
لماذا أبتسم؟
لماذا قلبي ينبض بسرعة؟
لماذا عيوني متعلقة بذلك الغريب؟
أيعقل أنني أصبت بالحب؟
مستحيل! لا يُعقل، إنها مجرد مشاعر عابرة، لا أكثر.
هل وقعت في الحب؟
تيقنت فعلًا أنني وقعت في هاوية، كما كنت أعتقد.
لقد أصبت بسهام الحب، يا له من حظ تعيس!
أفليس القصيرات يمر سهم الحب من فوق رؤوسهن؟ يا للعجب! أظن أنني ازددت طولًا!
علمت أنني أحببت ذلك الغريب بعد أن صرت أذهب إلى النادي دائمًا. أظن أن النادي أصبح جميلًا!
صرت أذهب حتى أشبع عيوني بالنظر إليه.
كأن فارس أحلامي أمامي، ذلك الشاب الذي طالمَا حلمت به وتخيلته في الروايات التي أقرأها. إنه أمامي!
طويل، شعره أسود قليلًا،
بسمته... بسمته كل الجمال فيها.
عيناه... ويا ويل من عيناه! كل الأوصاف عاجزة. كلّما استطعت قوله هو أنني سُحرت من أول نَظْرَة.
لم أستطع تخطي ذلك الحاجز بيننا، وهذا يعني أيضًا أنني لم أستطع معرفة شيء عنه سوى اسمه. حتى اسمه عرفته بعد شهرين، وذلك عندما ناداه المدرب.
عدت إلى المنزل وأنا أردد اسمه، ثم أخذت هاتفي وبدأت البحث في مواقع التواصل الاجتماعي عن حسابه.
يا لفرحتي عندما صادفني حسابه! كنت مترددة
هل أرسل له أم لا؟
ولكن فضول فتاة عاشقة، ما زالت في بداية طريقها، كان أكبر بكثير من أن تعي أن كرامتها يجب أن تأتي أولًا.
حدث ما حدث، وأرسلت.
تمر الأيام وهو لم يرد على رسالتي.
أراه يبتسم، يجري، يتحدث مع الآخرين، إلا التحدث معي لا يفعله، أو حتى النظر إليّ.
هل عرفني؟
أم إنه يتجاهل رسالتي عمدًا؟
أعود إلى المنزل وتلك اللحظات بين عيوني عندما تلتقي أعيننا لمدة لا تتجاوز الثانية. أَمْعِنُ النظر في مفاتن عينيه البندقيتين، فأجد نفسي أسبح في بحر من الخيال. أراه يمد يده التي تبرز منها تلك العروق. مددت يدي ولم أشعر بنفسي إلا وأنا جالسة بجانبه على كرسي خشبي. أمامنا بحيرة تحيط بها ورود الياسمين، وفي الجهة اليمنى كانت تقبع شجرة كبيرة من الورود البيضاء.
حولنا فراشات تطير، عصافير تنظر إلينا، تنظر إلى عُشاق في بدايتهم.
أرنب صغير أبيض جالس بجانبنا ويستمع لأحاديثنا التي لن تنتهي إن بقينا هكذا. أما عن رائحة الجو، فهي عالم آخر
رائحة ياسمين ورائحة عطره.
ربما رائحة الحب؟!!...
هذا المكان كان الملجأ الوحيد لروحي الخيالية، جنة مصغرة في عقلي أذهب لها كل ليلة قبل أن أجهش بالبكاء وأنا ممسكة بهاتفي، أتمعن في صوره. عيناي بارزتان من شدة الانتفاخ، تفيض منهما دموع ساخنة مليئة بالشوق، تنهمر بسرعة لترتطم بوسادتي، محدثة ورائها نبضة في قلبي
أجلس على حالي حتى يأخذني النوم بين يديه إلى ذلك العالم الذي يُسمى عالم الأحلام. كانت فرصتي الوحيدة للتشبع بملامح غريبي اللدود
كنت أتمنى مقابلته هناك، لكن (بريق) وهو اسم المسؤول عن أحلامي يخذلني دائمًا.
أجده ينزل بي إلى الأسفل، إلى ظلام دامس، فأبقى أبكي وحدي في مكان مظلم. على الرغم من أن (بريق) يعلم أنني أخشى الظلام بقدر ما أعشق الغريب. فالغريب وحده يعلم كم أخاف من الظلام، أليس كذلك يا فارس أحلامي؟ ولكن (بريق) كان على علم أيضًا أنني عندما أكون حزينة، أُحضر مخاوفي لتجلس أمامي وأفضفض لها، فتواسيني. وعندما أفرغ ما بصدري، يعود بروحي إلى جسدي، فأستيقظ منهكة على صياح أمي وهي توبخني: "لقد تأخر الوقت للدراسة! ولماذا عندما أفتح هاتفك أجد صورة ذلك الغريب ؟.
أستيقظ، أحضر مح...
قالت أمي بتهجم وهي واقفة أمامي:
"اليوم أيضًا لن تأكلي شيئًا؟"
قلت وأنا أغلق الباب:
"لا، لا أريد شيئًا."
هاتفي يرن...
صديقتي تصرخ في الهاتف:
"أينكِ؟ أتعرفين كم مرة هاتفتكِ ولم تجيبين؟"
أجبت بسخرية:
"كم؟ عشرون أم عشرة مرات؟ خمس دقائق وأكون بجانبك."
أغلقت الخط وأكملت طريقي صامتة. أظن أن هذا يعني أنني نسيت روحي عند الغريب البارحة.
عند وصولي
صديقتي تمسكني من يدي وتسحبني:
"أسردي أو اشتكي! هل صافح فتاة؟ هل ضحك معها؟ هل لعبوا مع بعضهم؟ هل حلمت به؟"
قلت وأنا شاردة:
"لقد حلمت به اليوم أيضًا، في ذلك المكان الذي حدثتكِ عنه."
قالت صديقتي باستهزاء:
"جنتكِ المصغرة التي أنشأتها من العدم في مخيلتكِ؟"
أجبت:
"نعم، ذلك المكان الذي يجمعنا. أتعلمين؟ تحدثنا كثيرًا البارحة، وأخبرني إنه يعشقني."
ردت صديقتي:
"تعرفين أن هذا خيال، أليس كذلك؟"
قلت:
"ولكن ليس من المستحيل أن يحدث. فاللّه وحده بمشيئته قادر على تحقيقه."
أنا بِحيرةُ...
"يا ترى، هل يشعر بما أشعر؟ هل يحبني؟ أو هل يعرفني أساسًا؟"
قالت صديقتي:
"لا نعرف، لكن ربما لم يعرفكِ إلا في أحلامكِ."
أضافت:
"حاولي التقرب منه والحديث معه."
قلت:
"أخجل كثيرًا، كيف؟ هل سأذهب إليه؟ وإن ذهبت، ماذا أقول له؟ 'أهلا'؟ 'أحبك'؟"
قالت صديقتي وهي تعانقني:
"أتفهم شعوركِ يا عزيزتي، ولكن يجب عليكِ الصبر. فالصبر جميل، حتى لو كان طويلًا..."
هل ستتمكن البطلة من مواجهة مخاوفها والتقرب من فارس أحلامها في الواقع؟ أم أن الحلم سيبقى هو الملاذ الوحيد لها؟
Comments