Part 2

وقفَت ميا أمام باب القصر الفخم، تنظر إليه وكأنه بوابة لعالم لا تنتمي إليه. لم تكن قد دخلت هذا المكان من قبل، لكن رائحة السلطة التي تفوح منه كانت كافية لتذكيرها بأنها لم تعد تملك أي سيطرة على حياتها.

أخذت نفسًا عميقًا قبل أن تخطو للداخل. الأرضية الرخامية تعكس الضوء الخافت للثريات المعلقة، والجدران المزينة بلوحات فنية تُضفي على المكان طابعًا أشبه بمتحف أكثر من كونه منزلًا. لكنها لم تكن هنا للإعجاب بفخامة المكان، بل لمقابلة الرجل الذي قيد حياتها باسمه.

كان ليو ينتظرها في الصالة الرئيسية، يجلس على أحد الأرائك الجلدية وكأنه ملك على عرشه. نظر إليها بعينين باردتين، ثم أشار إلى المقعد المقابل له.

"اجلسي."

لم تعجِبها طريقته في الأمر، لكنها جلست. ظلت صامتة، تنتظر منه أن يبدأ الحديث، لكنه لم يفعل. بل استمر في تأملها بنظرة محايدة، وكأنه يزن خياراته.

نفد صبرها، فتكلمت أخيرًا: "لماذا طلبت رؤيتي اليوم؟"

"لأننا سنتحدث عن اتفاقنا." قالها بهدوء، ثم أضاف: "لا أريد أي مفاجآت غير متوقعة بعد الزواج."

عبست، متجاهلة ارتجافة خفيفة في قلبها. "ماذا تقصد؟"

"أقصد أنني لا أحب الفوضى، وأكره المفاجآت. حياتي منظمة، وأريد منكِ أن تفهمي ذلك من البداية."

رفعت حاجبها بسخرية خفيفة. "وهل تعتقد أنني قد أسبب لكَ الفوضى؟"

لم يجب مباشرة، بل انحنى للأمام قليلًا، ملامحه لا تزال جامدة لكنها تحمل شيئًا خفيًا جعل قلبها ينبض بسرعة. "أنا لا أعتقد، ميا. أنا أتأكد."

كان هناك تهديد غير منطوق في كلماته، لكنها لم تكن متأكدة إن كان عليها الخوف منه أم مما قد يعنيه هذا الزواج حقًا.

بلعت ريقها بصعوبة، لكنها تماسكت. "وما الذي تتوقعه مني بالضبط؟"

"أن تلعبي دوركِ بشكل جيد. ستكونين زوجتي أمام الجميع، وسأكون زوجكِ. لكن خلف الأبواب المغلقة…" صمت قليلًا، وكأن كلماته التالية تحمل وزنًا أثقل. "ستبقين في مكانكِ."

عبست. "وماذا يعني ذلك؟"

"يعني أنكِ لن تتدخلي في شؤوني، ولن تطرحي أسئلة لا حاجة لها."

شعرت بالغضب يتصاعد في داخلها. "هل تظن أنني مجرد قطعة شطرنج في لعبتك؟"

ابتسم ليو، لكن ابتسامته كانت فارغة من أي مشاعر. "بل قطعة ذات قيمة، ولهذا أتأكد من وضعها في المكان الصحيح."

كان عليها أن تدرك منذ البداية أن هذا الرجل ليس شخصًا عاديًا. كان كيانًا باردًا، شخصًا اعتاد السيطرة على كل شيء حوله.

لكنها لم تكن مستعدة للاستسلام بهذه السهولة.

"وماذا عني؟" قالت بصوت منخفض، لكن التحدي فيه كان واضحًا. "ماذا عن مشاعري، حياتي؟"

نظر إليها للحظة طويلة قبل أن يجيب، وكأن كلماته القادمة ستحكم على مصيرها.

"الحياة ليست عادلة، ميا." قالها بهدوء، ثم نهض من مكانه، واقترب منها بخطوات بطيئة. "لكنني أعدكِ بشيء واحد…"

توقف أمامها تمامًا، وانحنى قليلًا ليهمس قرب أذنها:

"لن تكوني تعيسة."

تراجعت خطوة للوراء، غير متأكدة مما إذا كان ذلك وعدًا… أم تهديدًا آخر مقنّع

كانت الغرفة مظلمة إلا من ضوء خافت يتسلل عبر الستائر الثقيلة، يلقي بظلاله الغامضة على الأثاث الفخم. جلست ميا على حافة السرير، يداها متشابكتان في حجرها، وعقلها يعج بأفكار لا نهاية لها.

قبل بضع ساعات فقط، كانت حياتها لا تزال تحت سيطرتها—أو على الأقل، هذا ما كانت تحاول إقناع نفسها به. أما الآن، فقد تغير كل شيء.

أمسكت هاتفها، محاولة التهرب من أفكارها، لكن رسائل كاي المتتالية جعلت قلبها يخفق بقوة.

"ميا، أين أنتِ؟"

"لماذا لم تردي؟ اللعنة، قولي لي أنكِ لم تفعليها."

"أرجوكِ، أخبريني أنكِ لم توافقي!"

ضغطت على الشاشة بإصبع مرتجف، وكتبت بسرعة: "لقد فات الأوان."

لم تستطع حتى الانتظار لرؤية رده قبل أن تغلق الهاتف وتضعه جانبًا. لم تكن بحاجة إلى سماع توبيخه أو صدمته—لقد عرفت مسبقًا أنه لن يفهم.

كان كاي دائمًا موجودًا، صديقها الوحيد، الشخص الذي اعتادت اللجوء إليه حين كانت الحياة تضيق بها. لكنه الآن أصبح جزءًا من الماضي الذي لم يعد بإمكانها التمسك به.

أغمضت عينيها وأخذت نفسًا عميقًا، لكن صوت طرق خفيف على الباب جعلها تفتحها بسرعة. لم تكن تتوقع زائرًا، خاصة في هذا الوقت.

"ادخلي." قالت بصوت منخفض، متوقعة رؤية الخادمة أو أحد موظفي القصر، لكن الشخص الذي دخل لم يكن سوى ليو.

وقف عند الباب للحظة، يراقبها بعينين لا تحملان أي تعبير يمكنها تفسيره، ثم أغلق الباب خلفه بخفة.

"لماذا أنتِ مستيقظة؟" سأل، نبرته هادئة لكنها تحمل أمرًا مبطنًا.

لم تجبه فورًا، بل نظرت إليه بحذر قبل أن تقول: "لا أستطيع النوم."

تقدم نحوها ببطء، وقبل أن تستوعب، جلس على الكرسي المقابل لها، ساقاه متقاطعتان وكأنه لا يشعر بأي قلق على الإطلاق.

"تفكرين في التراجع؟"

رفعت رأسها بحدة، تقابل نظراته المتفحصة. "ليس لدي خيار."

ابتسم، لكنها كانت تلك الابتسامة الباردة التي تجعل جسدها يقشعر. "جيد. لأن الرجوع لم يكن يومًا خيارًا متاحًا لكِ، ميا."

شعرت بشيء يشبه الغضب يتصاعد في داخلها. "هل تستمتع بهذا؟ التحكم في حياة الآخرين؟"

رفع حاجبه وكأنه يفكر في سؤالها للحظة، ثم قال بصوت هادئ: "أنا لا أتحكم، ميا. أنا فقط أضمن أن كل شيء يسير كما يجب."

"كما يجب؟!" نهضت من مكانها، الغضب أخيرًا يجد طريقه إلى السطح. "أنت جعلتني أوقع على حياتي وكأنني مجرد صفقة، وكأن مشاعري لا تعني شيئًا!"

نهض هو الآخر، لكن بحركة بطيئة ومدروسة جعلتها تشعر وكأنها غزال محاصر أمام ذئب يتربص به.

وقف أمامها مباشرة، عينيه مثبتتين على وجهها، وقال بصوت منخفض لكنه حمل وزناً ثقيلًا: "وهل تظنين أن مشاعري تعني شيئًا، ميا؟"

تجمدت في مكانها، غير قادرة على الرد.

اقترب أكثر، حتى شعرت بأنفاسه الدافئة تلامس بشرتها. "الحياة ليست عادلة، قلتها لكِ من قبل. لكنكِ ستتعلمين كيف تلعبين اللعبة قريبًا."

ثم، دون أن يمنحها فرصة للرد، استدار وغادر الغرفة، تاركًا إياها وحدها مع نبضات قلبها المتسارعة… وسؤال واحد يطاردها:

أي نوع من الألعاب كان يقصد؟

مختارات
مختارات

3تم تحديث

تنزيل على الفور

novel.download.tips
تنزيل على الفور

novel.bonus

novel.bonus.content

novel.bonus.receive
NovelToon
فتح الباب إلى عالم آخر
لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon