اسرار تحت القمر

اسرار تحت القمر

Part 1

السماء كانت قاتمة في تلك الليلة، كأنها تشاركها الحزن الذي تسلل إلى قلبها دون استئذان. صوت المطر وهو يضرب زجاج النافذة لم يكن كافيًا لإخماد العاصفة التي اجتاحت عقلها. ميا جلست على حافة سريرها، يداها متشابكتان فوق حجرها، وعيناها معلقتان على الهاتف الذي لم يتوقف عن الرنين. الاسم الذي كان يظهر على الشاشة جعل قلبها يضيق أكثر—كاي.

كانت تعرف ما الذي سيقوله، لكنها لم تكن مستعدة لسماع الحقيقة من فمه.

رفعت الهاتف أخيرًا وضغطت على زر الإجابة، لتسمع صوته المتوتر يصرخ: "ميا! أين أنتِ؟ اللعنة، قولي لي أنكِ لم تفعليها!"

أغلقت عينيها للحظة، ثم همست بصوت بالكاد تسمعه: "لقد وقّعت، كاي."

ساد صمت ثقيل، حتى شعرت للحظة أنه قد أغلق الخط. لكنها سمعت صوت تنفسه المضطرب، وكلماته التي جاءت بعدها جعلتها تشعر وكأنها على وشك الغرق. "ميا... هل تدركين ماذا فعلتِ؟ هل تدركين من هو؟"

نعم، كانت تدرك. لكنها لم تكن تملك خيارًا.

كل شيء بدأ قبل أسبوع، عندما دخلت المنزل لتجد والدها جالسًا في الصالة، رأسه مطأطئ ويداه ترتجفان. الأوراق المتناثرة أمامه لم تكن سوى أحكام بالإعدام. مديونيات، قضايا، تهديدات... أشياء لم تكن تعلم عنها شيئًا حتى رأتها بعينيها.

"أبي... ما هذا؟"

نظر إليها والدها بعينين هزيلتين، محاولًا إخفاء الذعر الذي كان ينهش روحه. "كل شيء تحت السيطرة، لا تقلقي."

لكنها لم تكن ساذجة. لم يكن شيء تحت السيطرة. وفي اليوم التالي، عندما تلقت تلك الدعوة لحضور اجتماع مع ليو بلاك، الرجل الذي لم يكن مجرد اسم في عالم المال والنفوذ، بل كان أشبه بظل يبتلع كل من يقترب منه، عرفت أن الأمور قد خرجت عن السيطرة تمامًا.

عندما دخلت إلى ذلك المكتب، شعرت وكأنها دخلت إلى عرين وحش. الجدران الداكنة، الرائحة الخفيفة للجلد والتبغ، ورجل يجلس خلف مكتبه بثقة، عينيه الباردتين مثبتتين عليها وكأنه يراها للمرة الأولى والأخيرة في ذات الوقت.

"ميا، أليس كذلك؟"

صوته كان هادئًا، لكنه يحمل شيئًا جعل القشعريرة تزحف على بشرتها.

جلست أمامه، محاولة أن تبدو قوية رغم أنها شعرت بأن أنفاسها ستنقطع في أي لحظة. "لماذا أنا هنا؟"

ابتسم، تلك الابتسامة التي لم تصل لعينيه. "والدك مدين لي بمبلغ ضخم، وأنتِ تعلمين جيدًا أنه لا يستطيع سداده."

قبضت على يديها بقوة. "أحتاج إلى وقت، أستطيع أن—"

"الوقت لا يهمني." قاطعها، مسندًا ظهره إلى الكرسي بكسل متعمد. "لكن بما أنكِ هنا، فأعتقد أنكِ تعرفين ما أريده."

رفعت رأسها بحدة، لكن قبل أن تتحدث، أكمل: "أريدكِ أن تتزوجيني، ميا."

الحروف خرجت من فمه وكأنها أمر، وكأن حياتها لم تكن سوى ورقة مساومة بين يديه.

"لماذا؟" همست، وكأنها لم تصدق ما سمعته.

نظر إليها نظرة جعلتها تشعر وكأنه يستطيع رؤية كل أسرارها، كل نقاط ضعفها. "لأسباب لا تخصكِ، ميا. لكن هذا هو عرضي الوحيد. إما الزواج، أو..."

لم يكمل جملته، لكنه لم يكن بحاجة إلى ذلك. كانت تعرف ما يعنيه.

والآن، بعد أسبوع من تلك الليلة، كانت تجلس في غرفتها، تستمع إلى صوت كاي وهو يصرخ على الطرف الآخر من الهاتف، غير قادرة على الإجابة على سؤاله الوحيد.

هل تدركين من هو؟

نعم، كانت تدرك. لكنها لم تكن تعلم كيف ستنجو منه

استفاقت ميا في صباح اليوم التالي على صوت رنين هاتفها، كان الرقم مجهولاً. ترددت لحظة قبل أن ترفع السماعة، ولكنها جمعت شجاعتها وقالت بصوت خافت: "مرحبًا."

"أنتِ مستعدة؟" جاء الصوت من الطرف الآخر، صوت هادئ ولكنه يحمل نبرة أمر.

"مستعدة لِماذا؟" أجابت ميا، محاولة إخفاء التوتر في صوتها.

"للقائنا. أراكِ في الساعة العاشرة في المقهى الذي اعتدتِ زيارته." ثم أغلق الخط دون أن ينتظر ردها.

مرت الساعات ببطء، وكل دقيقة كانت تزيد من توترها. حاولت التركيز على عملها، ولكن أفكارها كانت مشوشة. في تمام العاشرة، ارتدت ثيابها بعناية، حاولت أن تبدو هادئة وواثقة، ولكن قلبها كان يخفق بسرعة.

عند وصولها إلى المقهى، شاهدته جالسًا في ركن بعيد، عينيه تراقبانها منذ لحظة دخولها. اقتربت منه ببطء وجلست على المقعد المقابل له.

"أنتِ تبدين متوترة." قالها بلهجة هادئة، ولكنها شعرت بأن هناك شيئًا قاسيًا في نبرته.

"أعتقد أن أي شخص في مكاني سيكون متوترًا." أجابت، محاولة أن تبدو طبيعية.

"أنتِ محقة. ولكن يجب أن تتأقلمي مع الوضع الجديد." قالها وهو يرفع فنجان قهوته إلى شفتيه.

"وما هو هذا الوضع الجديد؟" سألته، عينيها تحدقان في عينيه.

"زواجنا." كانت كلماته قصيرة ومباشرة، ولكنها حملت في طياتها الكثير من المعاني.

"زواجنا؟" كررت ميا، تحاول استيعاب ما يسمعته لتوه.

"نعم. كما قلتُ لكِ سابقًا، هذا هو الحل الوحيد لإنقاذ عائلتكِ من الديون التي تراكمت." قالها وهو يضع فنجان القهوة على الطاولة.

"ولكني لا أريد هذا. لا أريد أن أكون جزءًا من صفقة تجارية." قالتها، مشاعرها تتصاعد.

"أفهم مشاعركِ، ولكن الحياة ليست دائمًا كما نريدها. أحيانًا يجب علينا التضحية من أجل من نحب." أجابها، عينيه لا تفارقان عينيها.

"وأنت؟ هل تفعل هذا من أجل عائلتك أيضًا؟" سألته، محاول

ة فهم دوافعه.

"نعم، بالطبع. الجميع لديه أسبابهم الخاصة." قالها، ثم أضاف: "ولكن هذا ليس موضوع نقاشنا الآن. نحن هنا لنتفق على كيفية سير الأمور."

"وماذا عن مشاعري؟ هل ستكون جزءًا من هذا الاتفاق؟" سألته، صوتها يرتجف.

"سأحاول أن أجعل الأمور مريحة لكِ قدر الإمكان. ولكن تذكري، هذا ليس خيارًا شخصيًا بقدر ما هو ضرورة." قالها، محاولًا تهدئتها.

مرت لحظات من الصمت بينهما، كل منهما يفكر فيما سيحدث بعد ذلك. أخيرًا، قالت ميا بصوت منخفض: "ماذا عن حفل الزفاف؟"

"سيكون في نهاية الشهر. سنعلن عنه قريبًا." أجابها، ثم أضاف: "سأرسل لكِ التفاصيل قريبًا."

"حسنًا." همست، ثم وقفت من مكانها. "أحتاج إلى بعض الوقت للتفكير."

"بالطبع. خذي وقتكِ." قالها، ثم تابع: "ولكن تذكري، الوقت ليس في صالحنا."

غادرت المقهى، وعقلها مليء بالأسئلة والشكوك. كيف وصلت إلى هنا؟ وكيف ستواجه هذا المستقبل المجهول؟

رئيكم بالبداية 👍🙂

مختارات
مختارات

3تم تحديث

تنزيل على الفور

novel.download.tips
تنزيل على الفور

novel.bonus

novel.bonus.content

novel.bonus.receive
NovelToon
فتح الباب إلى عالم آخر
لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon