𝟑

...ذهبت هيزل بخطى ثابتة إلى المنزل المستأجر، تحمل في قلبها قرارًا لا رجعة فيه. وما إن فتح الباب، حتى وقفت أمام العجوز المالكة وقالت بنبرة قاطعة:...

..."أرغب بإنهاء العقد."...

...رفعت العجوز حاجبيها بدهشة، وقالت وقد التوى صوتها بانزعاج:...

..."ما زال أمامكِ نصف شهر مدفوع! لن أعيد لكِ فلسًا واحدًا حتى يأتي مستأجر بديل!"...

...لكن هيزل لم تتردد، رمقت العجوز بنظرة جامدة وأجابت بحزمٍ لا يقبل المساومة:...

..."لا أريده."...

...ثم صعدت إلى غرفتها بخطى سريعة، كأنها تهرب من زمنٍ لم تعد تريده....

...أحضرت حقيبة سفرٍ كبيرة، وبدأت تضع فيها ما تراكم من كنوزها الصغيرة عبر الأعوام السابقة:...

...بذورٌ نادرة، وبصيلات جمعتها بحنان، وأسمدة بعناية، وأعشاب جفّفتها بيدَيها، ومواد طبخ حملت معها طعم الذكريات. ...

...أضافت إليها أدوات المطبخ التي اعتادت استخدامها، وبعض المؤن المتبقية: حليب، مربى، زبدة، لحم مدخن. ثم، دون أن تلتفت، نزلت مسرعة....

...وداعًا يا منزل الإيجار ذو الـ 2 جولد...

...* * *...

...عند وصولها إلى محطة العربات المشتركة، رأت سائقًا يرفع لافتة مكتوب عليها:...

..."عربة متجهة إلى العاصمة أفالون! مكان واحد متبقٍ!"...

...اعتبرت نفسها محظوظة وصعدت فورًا. ما إن جلست حتى انطلقت العربة. تشبثت بحقيبتها جيدًا وهي تحدق عبر النافذة....

...ومن هناك، بدأت الرحلة......

...طويلة، مملّة، تمضغ الوقت بأسنانٍ بطيئة....

...رغم أن العربة تسير بسرعة، إلا أن الزمن بدا وكأنه يمشي على عكاز من غيم....

...تمنت أكثر من مرة لو قفزت وسارت على قدميها، لعلها تسبق الوقت نفسه....

...* * *...

...بعد يومَين من السفر المتواصل، بدأت أسوار العاصمة الرمادية تلوح في الأفق، شامخةً كأحلامٍ خرساء....

...أخيرًا، وصلت إلى أفالون، قلب إمبراطورية براتانيا، وفي الوقت الذي أوصاها به جدها بالضبط — الثاني من مايو....

...لکن فجأة، توقفت العربة تمامًا....

...فتحت النافذة بقلق، فوجدت الطريق مكتظًا بالعربات وعربات الثيران التي غادرت العاصمة بعد انتهاء الاحتفالات....

...همس الركاب بدهشة:...

..."ما الذي يحدث؟"...

..."الازدحام متوقّع... لكن اليوم يبدو أسوأ من المعتاد."...

...ردّ السائق وهو ينظر للأمام:...

..."إنه مهرجان النصر. انتهى الأسبوع الماضي، لكن المدينة ما زالت تتنفّس احتفالاته، والناس يغادرونها الآن."...

...كانت هيزل على وشك الانفجار من التوتر. لقد اقتربت جدًا! ...

...وقفت فجأة وقالت بلهجة حاسمة:...

..."سأنزل وأكمل الطريق سيرًا على الأقدام."...

...رفع السائق يده محذرًا:...

..."أمامكِ مسافة طويلة يا آنسة!"...

...لكنها لم تستمع....

...قبضت على حقيبتها الثقيلة، وغادرت العربة بخطوات سريعة....

...أثارت دهشة المارة، وهم يشاهدون سيدة أنيقة بقبعة عريضة، قميص منسّق، وتنورة طويلة، تسحب خلفها حقيبة تكاد لا تحتملها....

...لم يكن العمل المصرفي سهلًا، لكنه علّمها الانضباط. أما الشغف الذي يضيء عينيها الآن، فقد منحها طاقة تمشي بها رغم كل التعب....

...دخلت بوابات العاصمة، ثم توقفت....

...'ما هذا المكان؟'...

...ما تراه أمامها لا يشبه الذكرى في رأسها....

...شوارع نظيفة، متاجر أنيقة مصطفة، كل شيء يبدو مرتبًا، حضاريًا، لامعًا....

...في أحد الزوايا، رفع رجل مسن زجاجة شراب وهتف بفرح:...

..."تحية للإمبراطور!"...

...نظرت إليه باستغراب....

...ضحك وقال:...

..."إنها تحية تكريمًا للإمبراطور العظيم. مرحبًا بك في العاصمة يا آنسة! لو أتيتِ الأسبوع الماضي لكنتِ شهدتِ مهرجان النصر الكبير! الإمبراطور العظيم قضى على البرابرة تمامًا قبل عامين، ومنذ ذلك الوقت نحتفل بانتصاره."...

...ابتسمت هيزل بخفة وقالت:...

..."أعلم. في الواقع، بفضله حصلت على وظيفة دائمة في بنك روشيل، براتب 12 جولد شهريًا."...

..."إذن، أتيتِ من روشيل؟"...

..."نعم."...

...تأملت المدينة مرة أخرى، وقالت:...

..."لقد تغيرت كثيرًا منذ زيارتي الأخيرة حين كنت طفلة. ألم يكن هنا حي فقير تعمّه الأكواخ والروائح الكريهة؟"...

...أومأ الرجل وهو يضحك:...

..."بلى أنتِ على حق! لكن كل ذلك تغيّر قبل عامين."...

..."لا بد أن عملية إخلاء الحي كانت فوضوية."...

...ابتسم الرجل بدهاء وقال:...

..."في الواقع، لم يجرؤ أحد على مقاومة أمر الإمبراطور. غادر الجميع بهدوء قبل صدور أمر الإخلاء."...

...تساءلت هيزل:...

..."ومن أشرف على العملية؟"...

..."الكونت زيغفالت، قائد فرسان القلعة."...

..."أليس من عائلة ساكسنشبيل؟ من سلالة الإلف؟"...

..."كلا. من عائلة بيرسيركر، أشداء لا يُقهرون."...

...تخلّت هيزل عن مجاراة الحديث واعترفت بصراحة:...

..."في الحقيقة، لا أعرف الكثير. كان البنك يتلقى صحيفة يومية، لكن خلال استراحة الغداء كنت منشغلة بقراءة قسم الزراعة. أما السياسة، فأعتقد أن معرفة ما يكفي للحديث مع مالكي المزارع المجاورين كان كافيًا."...

...ثم توقفت فجأة:...

..."أوه، أنت أول من أتحدث معه هنا. أحببت الحديث، لكن يجب أن أذهب بسرعة. هناك أمر انتظرته 11 عامًا."...

..."أحد عشر عامًا؟!"...

..."نعم! وبالمناسبة، هل تعرف شارع مونماوث؟ إن عرفت الموقع، سأستخدم هذه الخريطة."...

..."اعبري زقاقين فقط وستصلين إلى شارع مونماوث."...

..."شكرًا جزيلًا!"...

...تركت هيزل الرجل خلفها وبدأت تمشي بسرعة....

...على الرغم من انتهاء المهرجان، كانت العاصمة لا تزال غارقة في أجواء الاحتفال. تمايلت الأزهار والشرائط على أشجار الشوارع، وبرز الرقم الروماني "IX"—رمز الإمبراطور—متألقًا تحت أشعة الشمس....

...تمتمت:...

..."هممم... الغراند كافالييه..." ...

...هذا اللقب يُطلق على ثلاثة فقط من أعظم المبارزين في العالم. الأول ناسك أسطوري، والثاني حاكم القبائل الشمالية البعيدة، والثالث هو إمبراطور إمبراطورية براتانيا، رامشتاين التاسع....

...كان الإمبراطور، البالغ من العمر 22 عامًا فقط، قد قاد حملات عسكرية منذ أن كان وليًا للعهد، برفقة أربعة من قادة فرسان القلعة. بفضل إنجازاته العسكرية والإدارية، حاز على حب شعبي هائل....

...تذكرت هيزل حديث زميلتها ميريديث عند عودتها من العطلة العام الماضي:...

..."إنه وسيم بجنون! لم أرَ في حياتي رجلًا مثله!"...

...لكن بالنسبة لهيزل، التي كانت تفضل البطاطا الجيدة على الرجال الوسيمين منذ أن كانت في الثامنة من عمرها، لم يكن الأمر مثيرًا للاهتمام....

..."حتى لو كان الإمبراطور وسيمًا، هل سيقلل ذلك من الضرائب؟"...

...هزّت رأسها، واستعادت نشاطها بمجرد أن عادت أفكارها إلى الزراعة. ما هو نوع البطاطا الذي سينمو بشكل أفضل في مناخ العاصمة؟ ...

...بمجرد أن انشغلت بهذا التفكير، أسرعت خطاها مرة أخرى....

...بعد السير لمسافة طويلة، مرت بجانب لافتة كُتب عليها "الشارع التاسع". أوقفتها هذه اللافتة فجأة....

..."آه؟"...

...أخرجت وثيقة ملكية الأرض وتحققت من العنوان مرة أخرى. الأرض التي ورثتها عن جدها، حيث قيل إنها قريبة من منزل شخص ذي نفوذ كبير، كان عنوانها في "الشارع الأول"....

..."لقد اقتربت!"...

...تسارعت خطواتها بحماس. مرت بالشارع التاسع، ثم الثامن، حتى وصلت إلى الشارع الأول. توقفت أنفاسها للحظة....

...أمامها كان قصرًا ضخمًا، تمامًا كما وصفه جدها. كان مبنى مذهلًا يليق بشخصية ذات سلطة، يعج بالزوار والحراس....

...ترددت قليلًا، لكنها تماسكت....

..."أنا المالكة القانونية لهذا المكان."...

...دخلت القصر بثقة، وسحبت خريطة تفصيلية مرفقة بوثيقة الملكية. ...

...كان المالك الحالي قد اشترى جميع الأراضي المجاورة، لذا تم تمييز كل قطعة أرض بدقة لتجنب الالتباس....

...كان الموقع الذي تبحث عنه القطعة رقم 79. ...

...بدأت تعد المواقع واحدة تلو الأخرى وهي تتقدم: ...

...الحديقة، النافورة، قاعة التدريب، تمثال رامشتاين الأول، القصر الجانبي، وحديقة المتاهة…...

...وأخيرًا توقفت عند حديقة كبيرة أعيد تشكيلها على هيئة شعار الإمبراطورية—حصان مجنّح. في منتصف الحديقة، كانت هناك منطقة محاطة بجدار مؤقت ولوحة مكتوب عليها "تحت الإنشاء"....

...اقتربت هيزل، ورأت أوتادًا مثبتة على الأرض تحمل اسمًا محفورًا بوضوح:...

..."ماييفيلد"...

...ارتجف قلبها بقوة. عندما رأت اسم عائلتها مكتوبًا هناك، تلاشت جميع شكوكها....

...هتفت بفرح:...

..."هذا هو! هذا هو مكاني!"...

...نظرت حولها، غارقة في سعادة لا توصف. ...

...على الرغم من أن المكان لم يكن الغابة التي حلمت بها، إلا أن الحديقة الواسعة ذات الطراز الكلاسيكي كانت ساحرة بطريقتها الخاصة....

...لكن… لحظة....

...رفعت رأسها لتنظر إلى مبنى ضخم مجاور. كان قصرًا ذهبي القبة بأبراج شاهقة وجدران من الرخام الأبيض اللامع. ...

...اتسعت عيناها، والصدمة تتسلّل بهدوء:...

..."انتظر… لماذا يوجد قصر هنا؟"...

...في تلك اللحظة، بدأت تدرك التفاصيل التي غفلت عنها أثناء سيرها: الحراس، قاعات التدريب، التماثيل الملكية…...

...ثم نطقت الحقيقة همسًا:...

..."هل مالك هذه الأرض... هو الإمبراطور؟!"...

الجديد

Comments

Kazoha

Kazoha

احلفي 😅

2025-07-12

0

الكل
مختارات
مختارات

3تم تحديث

تنزيل على الفور

novel.download.tips
تنزيل على الفور

novel.bonus

novel.bonus.content

novel.bonus.receive
NovelToon
فتح الباب إلى عالم آخر
لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon