ظلال الضحك

ظلال الضحك

الظلال الأولى

مدينة نوفا: لحن الظلام وأسرار الماضي

كانت مدينة **نوفا** تغرق في ظلام سرمدي، مدينة لا تعرف الشمس إلا كذكرى بعيدة محفورة في ذاكرة كبار السن. مشاهد الشوارع تعكس تداخلاً مذهلاً بين العمارة القوطية والأضواء النيونية الحديثة، مما يخلق جوًا فريدًا يتأرجح بين الماضي والمستقبل. المباني الشاهقة تتنافس فيما بينها للوصول إلى السماء، لكنها تبقى محجوبة خلف ستار من الضباب الكثيف الذي لا ينقشع أبدًا. تلتف الأزقة الضيقة والمتاهات تحتها، وتحكي جدرانها المتشققة قصصًا منسية وأسرارًا لا يعرفها أحد.

في قلب هذه المدينة التي لا تنام، حيث تعج الشوارع بأصوات الباعة المتجولين والموسيقى الصاخبة، ظهر شاب غامض. **ألكس**، بشعره الأسود كالليل وعينيه العميقتين اللتين تعكسان بريقًا غامضًا، يشبهان ظلالًا متحركة تحمل في طياتها أسرارًا لا تُفصح عنها الكلمات. كان يرتدي معطفًا داكنًا طويلًا، يتطاير خلفه مع كل خطوة يخطوها، وكأنه عباءة تخفي وراءها عوالم من الغموض.

بينما كان يسير في الشوارع، تلاحقه نظرات الفضول والخوف من المارة. ابتسامته الجانبية التي ترتسم على شفتيه كانت تحمل معنى مبهمًا؛ مزيجًا من التحدي والسرور والشر الدفين. تلك الابتسامة الشريرة التي تجعلك تشعر وكأنه يعلم ما لا تعلمه، وكأنه يرى ما لا تراه. أصوات خطواته كانت تتناغم مع نبضات قلب المدينة، كل خطوة كانت كإيقاع في لحن مظلم يتردد صداه في الأزقة.

على الجانب الآخر من المدينة، في مقهى صغير يُدعى **"مقهى الظلال"**، كانت **ليلى** تعمل نادلة. فتاة في العشرينات من عمرها، بشعر بنيِّ مموج وعينين خضراوين تحملان بريق الذكاء والفضول. كانت معتادة على رؤية الكثير من الشخصيات الغريبة في نوفا، لكنها لم تكن تعلم أن هذه الليلة ستحمل لها لقاءً سيغير مجرى حياتها.

دخل ألكس إلى المقهى بهدوء، وكأن حضوره لم يلفت انتباه أحد، لكن ليلى شعرت بوجوده فور دخوله. شيء ما في الهواء تغير، نبضة غير مرئية جعلت شعرها يقف. نظرت إليه، وتلاقت عيناها بعينيه للحظة. شعرت بقشعريرة تسري في جسدها، لم تكن قادرة على تحديد ما إذا كانت خوفًا أم فضولًا.

تقدم نحو طاولة في الزاوية، حيث الظلال تبتلع الضوء، وجلس بهدوء. وضعت ليلى قائمة المشروبات أمامه، لكنها لاحظت أنه لا ينظر إليها. كان يحدق في الفراغ، أو ربما في شيء بعيد لا تستطيع رؤيته. تمالكت نفسها وسألته بصوت هادئ: "مرحبًا، ماذا يمكنني أن أقدم لك؟"

التفت نحوها ببطء، وارتسمت تلك الابتسامة الغامضة على شفتيه مرة أخرى. "فنجان من القهوة السوداء، من فضلك." صوته كان عميقًا وناعمًا، يحمل نغمة غريبة تتسلل إلى أعماق الروح.

بينما كانت تحضّر طلبه، لم تستطع ليلى مقاومة النظر إليه بين الحين والآخر. كانت هناك هالة تحيط به، مزيج من الجاذبية والغموض. من يكون هذا الشخص؟ وما الذي جاء به إلى نوفا؟ أسئلة كثيرة دارت في ذهنها.

عاد ألكس يتأمل المكان. الجدران مغطاة بصور قديمة للمدينة، ورفوف الكتب تملأ الزوايا. التقط إحدى الكتب، وبدأ بتقليب صفحاته بهدوء. كان كتابًا عن أساطير نوفا القديمة، عن الظلال التي تتحرك في الليل والأرواح التي تهيم بلا هدف.

عادت ليلى بفنجان القهوة، ووضعته أمامه. "ها هو طلبك." ترددت للحظة قبل أن تضيف: "هل أنت زائر في المدينة؟ لا أعتقد أنني رأيتك من قبل."

نظر إليها مرة أخرى، وعيناه تلمعان ببريق غير مفهوم. "ربما أكون زائرًا، وربما أكون جزءًا من هذه المدينة أكثر مما تتخيلين." أجاب بتلك النبرة التي تزيد من غموضه.

شعرت ليلى بأن إجابته تحمل أكثر مما تبدو عليه. أرادت أن تسأله المزيد، لكن شعورًا داخليًا أخبرها بأن الأفضل أن تتركه الآن. "حسنًا، أتمنى لك وقتًا ممتعًا." قالت ذلك قبل أن تغادر الطاولة، لكنها لم تستطع التخلص من ذلك الشعور الذي يلاحقها.

خارج المقهى، بدأت الرياح تشتد، وارتفعت الأصوات في الشوارع. بدت المدينة وكأنها تستجيب لوجود ألكس. أضواء النيون بدأت تومض بشكل غير منتظم، وسمع دوي رعد في السماء الملبدة بالغيوم.

في زاوية أخرى من المقهى، كان يجلس رجل مسن يُدعى **"العجوز ماركو"**، معروف بحكاياته القديمة ومعرفته بأساطير نوفا. لاحظ نظرات ليلى نحو ألكس، فاقترب منها وقال بصوت منخفض: "ذلك الشاب ليس عاديًا."

نظرت إليه ليلى بدهشة: "ماذا تعني؟"

همس ماركو: "لقد سمعت عن عودة **حارس الظلال**، الشخصية التي تتحدث عنها الأساطير. يُقال إنه يعود عندما تكون المدينة في خطر."

ضحكت ليلى بخفة: "أعتقد أنك تقرأ الكثير من القصص يا ماركو."

هز رأسه وقال: "ربما، ولكن هناك أمور لا يمكن تجاهلها."

في تلك الأثناء، كان ألكس يراقب المشهد من نافذة المقهى، وعيناه تركزان على شيء بعيد. في السماء، تشكلت غيوم سوداء تأخذ أشكالًا غريبة، وكأنها وجوه تصرخ بصمت. تمتم بكلمات غير مسموعة، وظهرت على وجهه تلك الابتسامة الشريرة مرة أخرى.

غادر المقهى دون أن يلاحظه أحد تقريبًا، لكن ليلى شعرت بحركته. خرجت خلفه، لكنها لم تجده. الشوارع كانت فارغة، والضباب يلف كل شيء. سمعت صوت ضحكة خافتة تتردد بين المباني، ضحكة شريرة تحمل في طياتها وعدًا بشيء قادم.

عادت إلى الداخل وهي تشعر بقلق غريب. "من يكون ذلك الشخص؟ ولماذا أشعر بأن هناك شيئًا غير طبيعي يحدث؟" قالت لنفسها.

في مكان آخر من المدينة، تجمع مجموعة من الأشخاص في غرفة مظلمة. كانوا يرتدون أردية سوداء، ووجوههم مخفية تحت أغطية. في وسط الغرفة، اشتعلت نار صغيرة، وعلى ضوئها ظهرت ملامحهم المشوهة. قال أحدهم بصوت مبحوح: "لقد عاد. يجب أن نستعد."

رد آخر: "لا يمكننا السماح له بإفساد خططنا. هذه المدينة ستكون لنا."

ألكس، وهو يقف على سطح أحد المباني العالية، ينظر إلى المدينة أسفل منه. الرياح تعصف بمعطفه، وشعره يتطاير حول وجهه. "الوقت يقترب. الظلال تتحرك، والأسرار ستنكشف." قال ذلك وهو يستدير ليغوص في الظلام.

مختارات

تنزيل على الفور

novel.download.tips
تنزيل على الفور

novel.bonus

novel.bonus.content

novel.bonus.receive
NovelToon
فتح الباب إلى عالم آخر
لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon