اللقاء في الظلام

أصداء الماضي وتحركات الغموض

في أعماق مدينة **نوفا** الغارقة في ظلال الليل الأبدي، كانت الأحداث تتسارع بشكل غير مرئي للمواطنين العاديين. بعد اختفاء **ألكس** الغامض من المقهى، بدأ شعور من القلق والتوتر يتسلل إلى قلوب من لاحظوا وجوده القصير. **ليلى**، التي لم تستطع تجاهل ذلك الشعور الغريب الذي انتابها، عادت إلى منزلها وهي تحمل في ذهنها العديد من التساؤلات التي لا تجد لها إجابة.

منزل ليلى كان يقع في حي قديم من أحياء نوفا، حيث البيوت متراصة والشوارع ضيقة ومظلمة. صعدت السلالم الخشبية المتهالكة إلى شقتها الصغيرة في الطابق الثالث. عند دخولها، ألقت بحقيبتها على الأريكة وجلست بجوار النافذة تنظر إلى المدينة أسفلها. الأضواء الخافتة والضباب الكثيف كانا يضفيان جوًا من الكآبة والغموض.

بدأ المطر يتساقط بغزارة، وقطراته ترتطم بزجاج النافذة كعزف سيمفونية حزينة. أخرجت دفتر ملاحظاتها، وبدأت ترسم تلك العيون الغامضة التي لم تستطع نسيانها. "من يكون ذلك الشاب؟ ولماذا أشعر بأنني أعرفه؟" تمتمت لنفسها.

في تلك الأثناء، كان **ألكس** يسير عبر الأزقة الخلفية للمدينة، متجهاً نحو منطقة مهجورة تُعرف بـ"الحي المنسي". وصلت خطواته إلى مبنى قديم متهالك، كانت النوافذ محطمة والأبواب مخلوع، لكن رغم ذلك، كان هناك ضوء خافت يتسلل من الداخل. دفع الباب ببطء، وأصدر صريرًا مزعجًا.

داخل المبنى، كانت الجدران مغطاة برسومات ورموز غريبة، تشبه تلك التي توجد في المخطوطات القديمة. في وسط الغرفة الرئيسية، كانت هناك دائرة مرسومة على الأرض بحبر أحمر، وحولها شموع تشتعل بضوء باهت. تقدم ألكس نحو الدائرة، ووقف في مركزها.

تمتم بكلمات غامضة بلغات قديمة، وبدأت الظلال من حوله تتحرك ببطء، كأنها كائنات حية تستجيب لندائه. ارتفعت درجة الحرارة في الغرفة، وبدأت الشموع تشتعل بشدة أكبر. فجأة، ظهر أمامه طيف لرجل مسن، بملامح جادة وعيون تلمع بالحكمة. "لقد عدت، يا ألكس." قال الطيف بصوت عميق.

أجاب ألكس بنبرة هادئة: "لم يكن لدي خيار. الأمور تتسارع، والظلال تتحرك بشكل أسرع مما توقعنا."

**الطيف**: "الوقت يداهمنا، والأعداء يترقبون. هل أنت مستعد لما هو قادم؟"

**ألكس**: "لقد قضيت سنوات في الاستعداد. ولكن لابد لي من استعادة ما فقدته أولاً."

**الطيف**: "أتعني... الذاكرة؟"

أومأ ألكس برأسه. "هناك أجزاء مفقودة. أحتاج إلى فهم ما حدث في تلك الليلة."

في مكان آخر من المدينة، كانت **ليلى** تحاول النوم، لكن الأفكار كانت تلاحقها بلا هوادة. قررت الخروج مرة أخرى، ربما السير تحت المطر يساعدها على ترتيب أفكارها. ارتدت معطفها وحملت مظلتها، ونزلت إلى الشوارع المبتلة.

كانت الشوارع شبه خالية، سوى من بعض الأشخاص الذين يحاولون الاحتماء من المطر تحت المظلات والبنايات. بينما كانت تسير بلا هدف محدد، وجدت نفسها تقترب من "الحي المنسي". شعرت بقليل من التردد، فهذا المكان معروف بتاريخه المظلم، ولكن الفضول دفعها للاستمرار.

عند اقترابها من المبنى المهجور، لاحظت وهجاً خافتاً ينبعث من الداخل. "هل يمكن أن يكون أحدهم هناك؟" تساءلت. تقدمت بحذر نحو الباب المخلوع، ونظرت إلى الداخل. رأت ألكس واقفاً في وسط الغرفة، يتحدث إلى شخص غير مرئي بالنسبة لها.

فجأة، التفت ألكس نحوها، وكأنه شعر بوجودها. التقت نظراتهما مرة أخرى، لكن هذه المرة كانت مليئة بالمفاجأة والدهشة. "أنتِ!" قال بصوت مرتفع.

تراجعت ليلى خطوة إلى الخلف، "أنا... آسفة، لم أقصد التطفل." همست.

قبل أن تتمكن من الابتعاد، اختفت الظلال التي كانت تحيط بألكس، وعاد الجو إلى طبيعته. اقترب منها بسرعة، "ماذا رأيتِ؟"

"لا شيء، أقسم! فقط رأيت الضوء و..." شعرت بالخوف من نظراته الحادة.

تنهد ألكس بهدوء، "يجب ألا تكوني هنا. هذا المكان خطر."

"لماذا؟ ومن أنت حقاً؟" جمعت ليلى شجاعتها وقررت أن تواجهه.

نظر إليها بعمق، ثم قال: "الأمور معقدة. أنا فقط... شخص لديه أمور يجب أن ينهيها."

"هذا ليس جواباً. أنت تخفي شيئاً، وأريد أن أفهم ما يحدث."

قبل أن يتمكن من الرد، سُمع صوت خطوات تقترب بسرعة من الخارج. "لقد وجدونا." قال ألكس بقلق.

"من وجدنا؟" سألت ليلى بارتباك.

أمسك بيدها وقال: "ليس لدينا وقت، علينا المغادرة الآن!"

سحبها معه عبر ممرات ضيقة داخل المبنى، وصولاً إلى باب خلفي يؤدي إلى أزقة مظلمة. تمكنوا من الهروب قبل أن يدخل مجموعة من الأشخاص يرتدون أردية سوداء إلى المبنى.

بينما كانوا يركضون عبر الشوارع، سألته ليلى: "من هؤلاء؟ وما الذي يريدونه منك؟"

"إنهم جزء من منظمة تُدعى **الظل الأبدي**. يسعون وراء قوى لا يجب العبث بها."

"ولماذا يطاردونك؟"

توقف للحظة، ونظر إليها بجدية: "لأنني أحمل أسراراً يمكنها إيقاف مخططاتهم. ولأنني... كنت أحدهم في الماضي."

تسمرت ليلى في مكانها، "كنت واحداً منهم؟"

أومأ برأسه: "هذا جزء من الذاكرة التي فقدتها. لا أذكر كل شيء، لكنني أعلم أنني تركتهم لأسباب مهمة."

قبل أن يتمكنوا من استئناف حديثهم، ظهرت أمامهم مجموعة أخرى من الرجال يرتدون الأقنعة، مسلحين بأسلحة غريبة. "سلم نفسك يا ألكس، ولن نؤذي الفتاة." قال أحدهم بصوت بارد.

ابتسم ألكس تلك الابتسامة الشريرة التي تثير الرعب، "تعلمون أن الأمر لن يكون بهذه السهولة."

بدأت المواجهة، وبحركة سريعة، أخرج ألكس سكيناً مصنوعة من مادة غريبة تعكس الضوء بشكل غير طبيعي. انطلق نحوهم بخفة لا تصدق، وتبادل الضربات معهم بمهارة فائقة. كانت ليلى تراقب المشهد بذهول وخوف.

في خضم المعركة، تمكن أحد المهاجمين من الإمساك بليلى، ووضع سكيناً على رقبتها. "توقف، أو ستفقدها!" صاح بصوت تهديدي.

توقف ألكس، ونظراته تتحول إلى غضب جامح. "دعوها، إنها لا علاقة لها بالأمر."

ضحك الرجل بسخرية: "هذا ما يجعلها رهينة ممتازة."

في تلك اللحظة، شعرت ليلى بشيء يتحرك داخلها، قوة غير مرئية تستجيب لخوفها وغضبها. فجأة، انبعث ضوء ساطع من حولها، دفع الرجل بعيداً وأسقطه أرضاً. تسمرت الجميع في مكانهم، بمن فيهم ألكس.

"ماذا كان ذلك؟" تمتم أحد المهاجمين.

استغل ألكس اللحظة، وأنهى المواجهة بسرعة، مما أجبر المهاجمين على التراجع.

تقدمت ليلى، وهي ترتجف، "ما الذي حدث للتو؟"

نظر إليها ألكس بدهشة: "يبدو أن لديكِ قدرات خاصة، لم أكن أعلم بذلك."

"أنا؟ لا، هذا غير ممكن. أنا مجرد فتاة عادية."

هز رأسه: "ليس بعد الآن. يبدو أن مصيرنا مرتبط بأكثر مما كنا نظن."

بينما كانوا يحاولون استيعاب ما حدث، سمعوا أصوات صفارات الإنذار تقترب. "علينا المغادرة قبل أن نلفت المزيد من الانتباه." قال ألكس.

أخذها إلى مكان آمن، عبارة عن غرفة سرية تحت الأرض، مليئة بالكتب والأجهزة القديمة. "هذا هو مخبأي. يمكنك البقاء هنا حتى نفهم ما يجري."

جلست ليلى وهي تشعر بالإرهاق والتشوش. "كيف يمكنني أن أمتلك قدرات كهذه؟"

جلس بجانبها وقال: "العالم مليء بالأسرار، وبعضنا ولد وهو يحملها دون أن يدرك ذلك. ربما لقاؤنا لم يكن صدفة."

"هل تعتقد أن هناك سبباً لكل هذا؟"

"نعم، وأعتقد أننا سنكتشف ذلك معاً."

في تلك الأثناء، في مقر **الظل الأبدي**، كان زعيمهم يجلس على عرش مظلم، محاطاً بشاشات تعرض صوراً لألكس وليلى. "يبدو أن الأمور أصبحت أكثر تعقيداً." قال بصوت هادئ.

"سيدي، الفتاة أظهرت قدرات غير متوقعة. هل نواصل ملاحقتهما؟" سأل أحد الأتباع.

"بالطبع. الآن، أصبحا أكثر أهمية من أي وقت مضى. اجلبوهما إلي حيين."

مختارات

تنزيل على الفور

novel.download.tips
تنزيل على الفور

novel.bonus

novel.bonus.content

novel.bonus.receive
NovelToon
فتح الباب إلى عالم آخر
لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon