وقف رقم 43 يحدق في ميونهي، محاولًا تحليل كل حركة، كل نفس تأخذه. منذ لحظة عودتها، كان هناك شيء خاطئ. طريقة حديثها، نظراتها، حتى الطريقة التي وقفت بها—كلها كانت مختلفة.
لكن الأغرب من ذلك كله، هو ما قالته.
"تدميرها."
كان بإمكانه تجاهلها، افتراض أنها مجرد كلمات خرجت منها دون تفكير، لكنها لم تكن كذلك. كان هناك يقين غريب في صوتها، كما لو أنها أدركت شيئًا عميقًا عنها لم تكن تعرفه من قبل.
أخذ خطوة للأمام، لكنها لم تتراجع. كانت تنظر إليه بهدوء شديد، وكأنها لم تعد تخاف منه، أو بالأحرى، لم تعد ترى سببًا للخوف.
"ميونهي..." قال بهدوء، محاولًا قراءة وجهها.
لكنها فقط ابتسمت ابتسامة باهتة.
"43، هل تريد تناول العشاء معي؟"
رقم 43 لم يكن متأكدًا مما إذا كانت تمازحه أم تختبره، لكنه قرر مجاراتها.
"طالما أنكِ لن تطلبي شيئًا غريبًا."
قهقهت ميونهي بخفة، لكنها لم تجب. استدارت وبدأت في السير، وكأنها لم تكن على وشك الانهيار قبل لحظات.
رقم 43 تبعها، لكن عيناه ظلتا تراقبان كل شيء حولهما.
لأنه لم يكن الوحيد الذي يراقب.
—
في الظل، شخص يراقب
على بعد أمتار منهما، في أحد الأزقة المظلمة، كان هناك شخص آخر يشاهدهما.
عيناه الخضراوان انعكست فيهما أضواء المدينة الباهتة، وشعره الأسود الطويل كان مبللًا بالمطر الخفيف.
كان يراقب ميونهي منذ لحظة عودتها. منذ اختفائها للحظة وعودتها بشيء جديد، شيء لم يكن من المفترض أن تستعيده بهذه السرعة.
ابتسم لنفسه، ثم تمتم بصوت بالكاد يُسمع:
"لقد بدأت اللعبة أخيرًا."
ثم، كما لو أن الظلام قد ابتلعه، اختفى.
—
وميض الذاكرة
ميونهي لم تكن تعرف لماذا قالت ذلك. "تدميرها."
خرجت الكلمة منها وكأنها محفورة في داخلها، وكأنها شيء كانت تؤمن به قبل أن تفقد ذاكرتها.
لكن، ماذا كانت تعني؟ ما الذي كانت تريد تدميره؟
ضغطت على رأسها، محاولة إيقاف الصور التي بدأت تنهال عليها:
مختبرات مظلمة، أنوار حمراء تومض، أصوات صراخ، وجوه لا تتذكرها لكنها تعرف أنها كانت هناك.
ثم، وميض أخير—
يد تمتد نحوها، ورجل يقول بصوت مشوّه: "أنتِ الوحيدة التي نجحت."
ميونهي شهقت واستيقظت من شرودها، لتجد نفسها أمام مطعم صغير، بينما رقم 43 يفتح الباب لها.
"هل ستدخلين أم أنكِ فقط تحدقين في اللافتة؟"
ميونهي blinked، ثم ابتسمت بخفة.
"بالطبع سأدخل."
لكنها لم تكن متأكدة بعد، ما إذا كانت تبتسم له... أم لنفسها.
—
اختبار الولاء
كان المطعم هادئًا، بإضاءة دافئة وروائح طعام لذيذة تملأ المكان.
جلسا على طاولة في الزاوية، وراقب رقم 43 ميونهي وهي تتفحص القائمة.
كانت تتصرف بشكل طبيعي، وكأن شيئًا لم يتغير. لكنه لم يكن ساذجًا بما يكفي ليصدق ذلك.
"إذن، ميونهي..." قال بنبرة غير رسمية.
"ماذا؟" ردت دون أن ترفع عينيها عن القائمة.
"ما الذي كنتِ تقصدينه عندما قلتِ ’تدميرها‘؟"
توقفت يدها عن الحركة للحظة، لكنها لم ترفع رأسها.
ثم، بابتسامة هادئة، وضعت القائمة على الطاولة ونظرت إليه مباشرة.
"أعتقد أنني قصدت... العالم الذي نعيش فيه."
رقم 43 لم يبدُ عليه التأثر، لكنه شعر بشيء بارد يزحف أسفل عموده الفقري.
"هذا تصريح خطير."
ميونهي ضحكت، وكأنها لم تقل شيئًا غير مألوف.
"أمزح فقط، لا تكن جديًا هكذا."
لكنه لم يكن مقتنعًا.
—
في مكان آخر
في غرفة مظلمة، حيث الشاشات كانت تعرض صورًا متتالية لميونهي، كان هناك شخص يجلس على كرسي، يراقب كل شيء بصمت.
صوت ميكانيكي خرج من السماعات:
"رقم 0 استيقظت."
الشخص لم يجب، لكنه ضغط على زر، فظهرت صورة جديدة على الشاشة:
رقم 43.
ثم، أمر بارد صدر في الغرفة:
"راقبوه. إن انحرف عن مساره، اقتلوه."
—
4تم تحديث
Comments