ميونهي كانت تشعر أن الأرض تدور تحت قدميها. قبل لحظات، كانت في زقاق مظلم، تتعرض للهجوم، والآن تقف في قاعة حجرية باردة، أمام رجل غريب يرتدي رداءً أبيض.
"من أنت؟ وأين أنا؟"
الشخص الذي أمامها لم يتحرك. نظر إليها بعينين باردتين، ثم قال بصوت هادئ لكنه يحمل ثقل السنين:
"أنتِ في بُعد المراقبة. وهنا فقط، ستعرفين حقيقتك."
ميونهي تجمدت. بُعد المراقبة؟ لم يكن ذلك منطقيًا. كان من المفترض أن يكون هذا مجرد لعبة، مجرد مزحة سخيفة من النظام. لكنها لم تكن تضحك الآن.
"ماذا تقصد بحقيقتي؟"
تقدم الرجل خطوة للأمام، مما جعلها تتراجع لا إراديًا.
"أنتِ رقم 0. النموذج الأول، والأخير. لقد تمت برمجتكِ قبل قرون."
اتسعت عيناها بصدمة.
"برمجتني؟ أنت تمزح، صحيح؟ أنا إنسانة!"
الرجل لم يبدُ عليه أي تأثر بكلامها. بل واصل بصوته الهادئ القاتل:
"لقد كنتِ مشروعًا فاشلًا، تجربة تم التخلي عنها، لكنكِ فعلتِ شيئًا لم يكن متوقعًا... هربتِ."
بدأت أنفاس ميونهي تتسارع.
"توقف. أنت تحاول التلاعب بي. أنا لستُ تجربة، أنا..."
لكنها توقفت عن الكلام. لأنها لم تكن متأكدة مما كانت عليه حقًا.
الرجل لاحظ ارتباكها، فأضاف:
"إن كنتِ بشرية، أخبريني... لماذا لم تكبري أبدًا؟ لماذا لا تتذكرين طفولتكِ؟ لماذا يمكن لجسدكِ إطلاق طاقة لا يستطيع أحد تفسيرها؟"
ميونهي شعرت وكأن قلبها سيتوقف.
"أنا... لقد فقدتُ ذاكرتي، هذا كل شيء!"
"لا، لم تفقديها. لم تكن لديك ذاكرة لتفقديها أساسًا."
ارتجفت يداها. تذكرت لحظات من حياتها، لحظات لم تهتم بها من قبل لكنها بدت الآن... خاطئة.
لم تكن لديها صور قديمة لنفسها وهي طفلة. لا تتذكر والديها. لا تتذكر المدرسة. فقط بدأت حياتها كما هي الآن.
"هذا... مستحيل."
ضحك الرجل، لكنها لم تكن ضحكة سخرية، بل ضحكة شخص يعرف الحقيقة منذ زمن طويل.
"لقد كنتِ تهربين طوال حياتكِ، ميونهي. لكن لا يمكنكِ الهروب من نفسكِ."
—
الهروب من الحقيقة
ميونهي لم تستطع تحمل المزيد. استدارت، وبدأت بالركض.
"يجب أن أخرج من هنا، يجب أن أعود!"
لكن كلما ركضت، وجدت نفسها تعود إلى نفس المكان. نفس القاعة الحجرية، نفس الشاشات التي تومض برموز غامضة. ونفس الرجل الذي لم يتحرك من مكانه.
شعرت وكأن المكان يسخر منها.
"لا يمكنكِ الهروب من شيء محفور في داخلكِ، ميونهي."
صرخت بغضب:
"ماذا تريدون مني؟!"
الرجل لم يجب فورًا، بل نظر إليها وكأنه يقيّم قوتها. ثم قال:
"العالم الذي تعرفينه ليس حقيقيًا. الأشخاص من حولك ليسوا كما تظنين. وحتى أنتِ، لستِ ما تظنينه."
أمسكت رأسها، وشعرت بألم حاد يجتاح عقلها، وكأن ذكريات جديدة تحاول فرض نفسها عليها.
ومضت صور غريبة في عقلها—مختبرات، شاشات، رموز رقمية تتحرك، وعيون تراقبها من الظلام.
ثم، لم تعد القاعة الحجرية موجودة.
وجدت نفسها واقفة في شارع مظلم، نفس الزقاق حيث كانت قبل اختفائها. جسدها كان يرتجف، لكنها لم تكن تعرف إن كان ذلك من البرد... أم من الحقيقة التي سمعتها للتو.
—
رقم 43 والقرار الصعب
في الجهة الأخرى من الشارع، كان رقم 43 يراقبها بصمت.
لقد رآها تختفي، والآن رآها تعود. لكنه شعر بشيء مختلف.
"هل استيقظت؟"
تقدم نحوها بحذر.
"ميونهي، هل أنتِ بخير؟"
رفعت رأسها ببطء، وعندما التقت عيناها بعينيه، شعر بشيء غير مألوف.
نظرتها كانت أكثر برودًا، وكأنها... لم تعد هي.
ثم، ولأول مرة، ابتسمت له. لكنها لم تكن ابتسامة طيبة.
"رقم 43، أليس كذلك؟"
ارتجف للحظة، لكنه أخفى ذلك بسرعة.
"ماذا حدث لكِ؟"
اقتربت منه خطوة، وقالت بصوت منخفض لكنه يحمل نغمة تهديد:
"اكتشفتُ أنني كنتُ أعيش كذبة. والآن، حان وقت تدميرها."
—
4تم تحديث
Comments