3

كان ضوء النهار الخافت يتسلل من خلال الستائر المغلقة جزئيًا، مُلقيًا بظلال رمادية على جدران الغرفة. إيزابيلا كانت لا تزال مُستلقية على السرير، شاحبة كالشمع، أنبوب التنفس يعلو صدرها الذي يرتفع وينخفض بانضباط آلي. لوكا جالس على الكرسي البلاستيكي القاسي بجانبها، عيناه محمرتان من السهر، ويداه ترتعشان كلما حاول أن يمسك بيدها الباردة. لم ينم منذ أيام، ولم يأكل إلا ما يُبقيه واقفًا على قدميه. كل ما يريده هو أن تفتح عينيها.

"دكتور لوكا..." 

الممرضة سوفيا دخلت الغرفة بهدوء، تحمل معها حقنة ومحاليل جديدة. نظرت إليه بنظرة شفقة وهو يحدق في إيزابيلا كأنه يتوسل إليها بصمت. "عليك أن ترتاح قليلًا، هذا ليس ذنبك."

لكنه لم يلتفت إليها. أصابعه تشبثت بذراع الكرسي حتى ابيضت مفاصله. "لو لم آخذها إلى البحر..." همس بصوت أجش، كأنه يحاكم نفسه.

الممرضة هزت رأسها بينما كانت تفحص مؤشرات الجهاز الطبي. "لا يمكنك أن تلوم نفسك. لم يكن أحد ليتوقع هذا." 

لكن كلماتها ضاعت في الهواء. لوكا كان يسمع فقط صوت الجهاز الطبي: *بيب... بيب... بيب...*. كل "بيبة" كانت تذكرّه بأن الوقت يمر، وأن إيزابيلا تبتعد أكثر.

عندما انتهت الممرضة من تغيير المحاليل، تركت كوب قهوة بجانبه على الطاولة الصغيرة. الرائحة المرّة انتشرت في الغرفة، لكنه لم يلمسها. عيناه كانتا مثبتتين على إيزابيلا، على تلك العروق الزرقاء الرفيعة التي تظهر تحت جلدها الشفاف، وكأنها خريطة لحياة لم تعشها بعد.

في داخله، كان الإحساس بالذنب مثل سكين ساخن يغرز في قلبه. تذكر كل التفاصيل: كيف أصرّ على أخذها إلى البحر، كيف ابتسم لها وهو يدفع كرسيها المتحرك، وكيف ظنّ للحظة أنها نظرت إليه عندما لامست أمواج البحر قدميها. لكنها لم تكن قد نظرت إليه. كانت النظرة فارغة كالعادة، لكنه خدع نفسه ليصدق أن هناك ومضة أمل.

الآن، كل ما تبقى هو جسدها الهش على السرير، وتلك العينان المغلقتان اللتان ترفضان أن ترياه. حتى في غيبوبتها، كانت تُعاقبه.

بينمى ينظر لوكا لايزابيلا تذكر لقائه الاول  بها

كان الخريف يلف المشفى بأوراقه الذابلة، والسماء رمادية كوجه طفل حزين. \*\*لوكا\*\*، بمعطفه الأبيض الجديد، كان يسير خلف الممرضة \*\*سوفيا\*\* في جولة تعريفية بأقسام المشفى. لكن نظراته كانت تتسلل نحو النافذة المطلة على الحديقة... حيث كانت \*\*إيزابيلا\*\* تجلس على كرسيها المتحرك، ظهرها منحنٍ كغصن شجرة مكسور، وعيناها تحدقان في فراغ لا يراه أحد سواها.

"هذا قسم الأمراض النفسية المزمنة"، قالت سوفيا وهي تشير إلى المبنى القديم. 

لكنه لم يسمعها. 

شيء ما في طريقة جلوس إيزابيلا جعله يتوقف. كانت تشبه \*\*تمثالًا من الرماد\*\*... وكأنها ستختفي إذا لمسها نسيم.

عندما غادرت سوفيا للرد على مكالمة طارئة، تبقى لوكا في الحديقة. 

اقترب من إيزابيلا بخطوات بطيئة، وكأنه يقترب من حيوان بري جريح. 

"أهلا... أنا دكتور لوكا"، همس وهو يجلس على مقعد حجري أمامها. 

لم ترفع رأسها، لكنه لاحظ أن أصابعها ارتعشت على ذراع الكرسي. 

\*"إنها تسمعني"\*، تأكد في داخله. 

منذ تلك اللحظة، أصبحت إيزابيلا مشروعه السري... 

بعدما مر شهر تقريبا من معرفته لايزابيلا

، قرر لوكا أن يطلب نقلها إلى عيادته الخاصة. 

"لكنها تحت إشراف الدكتور ماركو منذ سنوات"، احتجت سوفيا. 

"أنا سأتحمل المسؤولية"، أجاب بلهجة لم تعرفها منه من قبل. 

حتى الدكتور ماركو نفسه لم يستطع مقاومة إصرار لوكا. "هي حالة ميؤوس منها... لا تضيع وقتك"، قال له. 

لكن \*\*"اليأس"\*\* بالنسبة للوكا كان مجرد كلمة... أما إيزابيلا فكانت عالمًا يجب فك شفرته.

كل صباح، كان يفتح نوافذ غرفتها ليسمح لأشعة الشمس بالدخول. 

كل مساء، كان يقرأ لها قصائد من كتابه القديم عن البحر. 

وفي كل مرة يهمس باسمها: \*\*"إيزابيلا..."\*\*، كان يتخيل أنها تتنهد بصمت. 

مرة، وضع وردة حمراء على طاولتها... وفي اليوم التالي، وجدها في مكانها لم تتغير . 

\*"لم تلمسها حتى"\*، فكر بمرارة. 

لكن هذا لم يوقفه... بل زاده تعلقًا.

في أحد الأيام، بينما كان يربط حذاءها المنسلِق، سمعها تتنهد. 

التفت بسرعة... لكنها كانت لا تحدق في الفراغ كالعادة. 

"إيزابيلا... هل سمعتكِ؟" همس، قلبه يدق كطبول الحرب. 

لكنها عادت إلى صمتها. 

مع ذلك، كان ذلك كافيًا ليبدأ في ترديد اسمها كل صباح: 

"إيزابيلا، اليوم الجو جميل..." 

"إيزابيلا، هذه الفراشة زرقاء مثل عينيكِ..." 

"إيزابيلا..." 

لم تكن \*\*والدة لوكا\*\* تعرف ابنها منذ سنوات. منذ وفاة والده، تحوّل إلى رجل جاد، بارد المشاعر، يعيش  مع كتبه الطبية. لكن في الأسابيع الأخيرة، لاحظت شيئًا مختلفًا: 

\- عيناه تلمعان عندما يعود من العمل. 

\- صوته يرتفع وهو يروي لها عن "مريضة خاصة". 

\- حتى طريقة مشيته أصبحت أخف. 

"من هي هذه الفتاة التي تُعيدك إلى الحياة؟" سألته ذات مساء بينما كان يشرب الشاي. 

"إنها... حالة طبية"، أجاب محاولًا إخفاء ابتسامته. 

لكن الأم تعرف ابنها: "أخيرًا وجدت قلبك يا ولدي".

بدأ لوكا يفعل أشياء لم يتخيلها يومًا: 

يغني لها أغاني قديمة سمعها من والدته. 

يربط خصلات شعرها برباط حريري أزرق كل صباح. يقرأ لها كتب متنوعه من رويات لكتب طبيه مملة

فقط اراد ان تبدي ردة فعل ما 

في الليلة التي سبقت حادثة البحر، وقف أمام مرآة الحمام، يردد اسمها كتعويذة: 

"إيزابيلا... إيزابيلا..." 

كان يتخيل أنها تهمس به من بعيد: 

"لوكا..." 

مجرد تخيل صوتها ينادي اسمه جعله يبتسم كمراهق. 

"لو نطقتِ اسمي مرة واحدة... سأعطيك كل النجوم في السماء". 

شعر كانه سيصبح مجنون لكنه احب هذا الجنون  اخير شعر ان الحياه تستحق العيش

حتى لو لم ترد عليه إيزابيلا، كان لوكا يشعر أنها \*\*أهدته شيئًا ثمينًا\*\*: 

الرغبة في الاستيقاظ باكرًا. 

الفرح الغامر عندما ترتعش جفونها أثناء قراءته. 

الدفء الذي ملأ قلبة.

كانت إيزابيلا... \*\*العبوة التي فجّرت مشاعره المدفونة\*\*.

كان ضوء الصباح البارد يتسلل عبر ستائر غرفة المستشفى، مُلقيًا ظلالًا ذهبية على وجه إيزابيلا الشاحب. لوكا، الذي نام على كرسي بلاستيكي بجانبها لليلة الثالثة على التوالي، استيقظ على صوت همسة خافتة: 

"م... مَن أنت؟". 

قفز من مكانه، قلبه يكاد يخرج من صدره. إيزابيلا كانت تنظر إليه بعينين واسعتين... عينين لم تعدا فارغتين، بل مليئتين بالحياة والارتباك. 

عينيها الزرقاوين تلتقيان بنظره. قفز من مكانه، الكرسي سقط على الأرض بضجة، لكنه لم يسمع شيئًا سوى دقات قلبه. 

"إيزابيلا...!" انحنى فوقها، يداه ترتجفان، دموعه تسقط على وجنتيها الشاحبتين. احتضنها بقوة، كأنه يخشى أن تختفي لو أفلتها. "لقد استيقضت .. أخيرًا!" 

لكن جسدها بقي جامدًا. ثم، بصوتٍ أجش كأنه يخرج من قبر: 

"مَن... مَن أنت؟".

مختارات
مختارات

3تم تحديث

تنزيل على الفور

novel.download.tips
تنزيل على الفور

novel.bonus

novel.bonus.content

novel.bonus.receive
NovelToon
فتح الباب إلى عالم آخر
لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon