ترددت صرخاتهما في أنحاء الحديقة الملكية، حتى أن بعض الخدم القريبين توقفوا عن عملهم للحظات ونظروا باتجاههما بدهشة. أما كيرال، فقد بقي ثابتًا، دون أن يتأثر بردة فعلهما العنيفة، وكأنه كان يتوقع ذلك تمامًا.
نهضت روز بسرعة من مقعدها، مشيرة إلى وليام بغضب وهي تقول:
“ما هذا الهراء؟! أنا مخطوبة لهذا المتعجرف؟ لا بد أن هناك خطأ ما!”
رفع وليام يده إلى جبينه وكأنه يشعر بصداع حاد، ثم نهض بدوره ونظر إلى كيرال ببرود قائلاً:
“أوافقها الرأي. لا يمكن أن يكون جدي قد اتخذ مثل هذا القرار السخيف. لا، في الواقع… هو قادر على فعل ذلك، لكني لن أوافق.”
أومأ كيرال بهدوء قبل أن يرد بصوت رسمي:
“أنا هنا فقط لنقل الأخبار، أما مسألة قبولكما أو رفضكما فذلك ليس بيدي.”
صرّت روز على أسنانها، تشعر بالغضب يغلي داخلها، ثم قالت بإصرار:
“حسنًا، سأذهب الآن وأتحدث مع والديّ مباشرة. بالتأكيد سأتفاهم معهم!”
التفتت لتنطلق خارج الحديقة، لكن كيرال أوقفها بقوله:
“إن الدوق والدوقة ينتظرانك بالفعل في القصر، يا آنستي. سيشرحان لك التفاصيل عند عودتك.”
توقفت روز للحظة، ثم زفرت بضيق قبل أن تستدير وتنظر إلى وليام نظرة تحدٍّ، وكأنها تحمله مسؤولية هذا كله.
أما وليام، فقد عقد ذراعيه أمام صدره وقال بتهكم:
“لا تنظري إليّ هكذا. أنا آخر شخص يريد هذه الخطوبة.”
ضاقت عينا روز بحدة قبل أن ترد بسخرية مماثلة:
“شعور متبادل، يا صاحب السمو.”
أطلق وليام ضحكة قصيرة، ثم استدار ومشى مبتعدًا، واضعًا يديه في جيبيه وكأنه فقد اهتمامه بالأمر برمّته. أما روز، فقد زفرت مجددًا، ثم غادرت الحديقة بخطوات سريعة، متجهة نحو قصرها، عازمة على إنهاء هذا الأمر بأي ثمن.
لكن ما لم تكن تعلمه بعد، هو أن هذا القرار قد اتُّخذ بالفعل… وليس لها أي خيار آخر
كانت روز تسير بسرعة، غاضبة ومشتعلة من الداخل، غير قادرة على تصديق ما سمعته قبل لحظات. كيف يمكن أن يُجبرها والداها على الخطوبة بذلك المغرور؟ كانت قبضتاها مشدودتين بقوة، وعقلها يضج بأفكار لا تهدأ.
في غمرة غضبها، لم تنتبه للطريق أمامها، وفجأة—
“احذري!”
قبل أن تدرك ما يحدث، شعرت بقوة تجذبها إلى الخلف، وذراعين تحيطان بها بإحكام لتمنعها من السقوط. فتحت عينيها المذهولتين، والتقت بنظرة عينين زرقاوين مألوفتين. استغرقت لحظة قبل أن تدرك…
“أنت!”
كان هو… فيلكس. ذلك الشاب الذي جلس بجانبها في الأكاديمية، والذي أمسك يدها دون تردد في أول لقاء بينهما، وكأنه يعرفها منذ زمن طويل.
رفع حاجبه بخفة، ثم ابتسم ابتسامة جانبية وهو يقول بمزاح:
“يبدو أننا نلتقي دائمًا بهذه الطريقة، آنستي روز.”
تراجعت روز بسرعة، محررة نفسها من قبضته، ثم نظرت إليه بريبة وهي تقول:
“ما الذي تفعله هنا؟”
ضحك فيلكس بخفة، ثم شبك ذراعيه خلف رأسه قائلاً:
“أوه، مجرد نزهة ممتعة. لكن يبدو أنك كنتِ مندفعة جدًا… ماذا، هل كنتِ تهربين من شيء ما؟”
قطّبت روز حاجبيها وأشاحت بنظرها بعيدًا، لم تكن لديها طاقة لتشرح له الموقف، لكنها أيضًا لم تستطع كتم ضيقها، فتمتمت بصوت منخفض:
“لقد أُجبرتُ على شيء لا أريده.”
أمال فيلكس رأسه قليلًا، ثم قال بنبرة ماكرة:
“أوه، هذا مثير للاهتمام… شيء لا تريدينه؟ أخبريني، هل هو شيء يتعلق بزميلنا العزيز وليام؟”
اتسعت عينا روز بدهشة، ثم نظرت إليه بحذر:
“كيف عرفت؟”
ضحك فيلكس مجددًا وقال بنبرة هادئة:
“لدي حدس جيد عندما يتعلق الأمر بالأشياء التي تثير الفوضى.”
أطلقت روز زفرة طويلة، ثم مررت يدها في شعرها الأشقر وهي تتمتم بانزعاج:
“حسنًا، هذا اليوم يزداد سوءًا.”
ابتسم فيلكس بنصف ابتسامة، ثم تقدم نحوها خطوة وقال بصوت منخفض لكنه يحمل لمحة من المرح:
“إن كان خطيبك الجديد يزعجك لهذه الدرجة… فما رأيك إن صنعتِ بعض الفوضى لتجعلي الأمر ممتعًا على الأقل؟”
نظرت روز إليه بصمت للحظات، قبل أن تبتسم بدورها… ابتسامة تنذر بالكثير.
Comments