الفصل الثالث: ارتباط غير متوقع
عادت روز إلى قصرها بعد يوم طويل ومرهق، ألقت بنفسها على سريرها بأنفاس متثاقلة، وهي تفكر في كل الأحداث الغريبة التي مرت بها منذ الصباح. بالكاد أغمضت عينيها للحظات حتى سمعت صوت طرقات خفيفة على الباب.
“دق… دق…”
تنهدت بضيق قبل أن تقول بصوت مرتفع: “ادخل.”
فتح الباب ببطء، لتجد والديها – الدوق والدوقة – يقفان عند العتبة بوجوه جادة. نظرت إليهما روز باستغراب، شعور غريب بدأ يتسلل إلى قلبها، وكأن هناك شيئًا ما سيغير حياتها.
“ما بالكم تنظران إليّ هكذا؟” سألت وهي تعتدل في جلستها.
نظرت والدتها نحو والدها، وكأنها تترك له مهمة الحديث، فزفر الأخير بضيق قبل أن يقول: “روز، لدينا أمر مهم نريد إخبارك به.”
رفعت حاجبها بقلق، قبل أن ترد: “أمر مهم؟ ما هو؟”
تقدمت والدتها وجلست بجانبها، ممسكة بيدها برفق، بينما قال والدها بصوت هادئ لكنه يحمل نبرة حزم: “لقد رتبنا لكِ خطوبة.”
اتسعت عينا روز بصدمة، شعرت للحظة وكأن العالم من حولها تجمد. “مـ… ماذا؟!”
تابع والدها، متجاهلًا تعبير الصدمة على وجهها: “الأمر تقرر منذ فترة طويلة، لكن حان الوقت لتنفيذه. خطيبك هو ولي العهد، الأمير وليام.”
ازدادت صدمتها، ولم تستطع أن تمنع نفسها من الصراخ: “ولي العهد؟! هل تمزح معي؟!”
حاولت والدتها تهدئتها: “روز، أعلم أن هذا مفاجئ، لكنه لمصلحتك. هذا الزواج سيعزز مكانتك في المملكة، كما أنه—”
نهضت روز من السرير بغضب، مقاطعة كلام والدتها: “لا يهمني أي شيء من هذا! أنا لن أتزوج شخصًا لا أعرفه حتى!”
لكن رغم احتجاجاتها، لم يكن هناك مجال للرفض.
⸻
في القصر الملكي…
في تلك اللحظة، كان وليام قد عاد إلى قصره بعد يوم طويل، لكنه بالكاد دخل غرفته حتى جاءه كبير الخدم كيرال، وانحنى باحترام قائلاً: “سيدي، جلالة الملك يطلب رؤيتك على الفور.”
تأفف وليام وهو يفك أزرار معطفه، قبل أن يرميه على المقعد القريب. “جدي؟ ماذا يريد الآن؟”
“لا أعلم، لكنه قال إن الأمر لا يحتمل التأجيل.”
أطلق وليام زفرة طويلة قبل أن يرد ببرود: “حسنًا، سأذهب.”
⸻
في قاعة الاجتماعات الملكية، كان الملك يجلس على كرسيه الفخم، ينظر إلى حفيده بنظرة جادة. بمجرد أن دخل وليام، رفع الملك حاجبه وقال بلا مقدمات: “تم تحديد موعد خطوبتك.”
تجمد وليام في مكانه للحظة، ثم انفجر ساخرًا: “خطوبتي؟ لا بد أنك تمزح.”
“لست أمزح، وليام. حان الوقت لتتحمل مسؤولياتك كولي عهد.”
شد وليام قبضته محاولًا ضبط أعصابه. “ومن هي هذه الفتاة التعيسة التي قررت ربطها بي؟”
ابتسم الملك ابتسامة خفيفة وقال: “إنها روز، ابنة الدوق.”
ارتفع حاجباه ببطء، الاسم بدا مألوفًا له لكنه لم يعبأ كثيرًا. زواج سياسي آخر، شأن لا يثير اهتمامه. لكنه رغم ذلك، لم يستطع منع نفسه من الشعور بالضيق.
“ومتى يُفترض أن أقابلها؟” سأله ببرود.
أجابه الملك بهدوء، بينما يحتسي كوب الشاي أمامه: “غدًا صباحًا، في الحديقة الملكية.”
⸻
في الحديقة الملكية…
في صباح اليوم التالي،الفصل الثالث: اللقاء غير المتوقع
كانت روز تمشي في الحديقة الملكية، غارقة في أفكارها، تحاول استيعاب ما أخبرها به والداها قبل قليل. خطوبة؟ زواج؟ كيف يمكن لهما اتخاذ مثل هذا القرار المصيري دون حتى أن يسألاها عن رأيها؟!
زفرت بضيق، تراقب الأزهار المتفتحة حولها في محاولة لتهدئة نفسها، لكن الغضب لم يهدأ بداخلها. رفعت رأسها قليلًا دون أن تنتبه للطريق—
اصطدمت بشخص ما.
شعرت بجسد صلب يصدمها بقوة، مما جعلها تتراجع خطوة للخلف. رفعت نظرها بسرعة، مستعدة لتوبيخ هذا الشخص، لكن ما إن التقت عيناها بالعينين الرماديتين المألوفتين حتى تجمدت ملامحها، قبل أن تصرخ بغضب:
“أنت!!”
أما الشاب الذي وقف أمامها، فقد رفع يده إلى صدغه وكأنه يعاني من صداع مفاجئ، وزفر بضيق قبل أن يتمتم بسخط:
“تبا… عادت من جديد.”
ثم نظر إليها بحدة وقال بصوت جاف:
“هل أتبعتني إلى هنا أيضًا؟”
قطبت روز جبينها، وعقدت ذراعيها أمام صدرها قبل أن ترد بحدة:
“وكأن أمرك يهمني! أنا هنا لألتقي بشخص ما، لا علاقة لك به!”
تبادلا نظرات مليئة بالتحدي، الغضب واضح في ملامح كل منهما. أدار وليام رأسه بعيدًا، وكأنه يحاول التظاهر بعدم اهتمامه، بينما زفرت روز وجلست على أحد المقاعد القريبة، تتمتم بانزعاج:
“لماذا يجبرونني على شيء لا أريده؟”
سمع وليام كلماتها، فالتفت إليها ببطء، ثم جلس بجوارها رغمًا عنه، متمتمًا:
“يبدو أنك مثلي تمامًا…”
نظرت إليه بتوجس قبل أن تسأله: “لكن قُل لي، ماذا تفعل هنا؟ لا تقل لي أنك جئت إلى هنا فقط لأتوسل إليك بالاعتذار!”
أطلق وليام ضحكة ساخرة وقال: “مغرورة كما هي العادة. لا، لست هنا من أجلك.”
قبل أن يستمر شجارهما المعتاد، تقدم نحوهما كبير خدم القصر الملكي، كيرال، بانحناءة رسمية، وقال بصوت هادئ لكنه يحمل قوة وهيبة واضحة:
“آنسة روز… سمو الأمير وليام… لقد تم إبلاغي بتوجيهات من الملك شخصيًا، ويسعدني أن أعلن لكما رسميًا…”
توقف للحظة، وكأنما يترك لهما فرصة لاستيعاب كلماته القادمة، ثم أكمل بلهجة رسمية واضحة:
“أنكما مخطوبان رسميًا لبعضكما البعض.”
سقط الصمت للحظات. نظرت روز إلى كيرال، ثم إلى وليام، ثم عادت لتنظر إلى كيرال مرة أخرى، وكأنها لم تفهم ما قيل للتو. أما وليام، فقد ارتفع حاجباه ببطء، وكأن عقلَه يرفض استيعاب الجملة.
وفجأة، استدار كلاهما ليحدقا ببعضهما البعض بصدمة، قبل أن يصرخا في آنٍ واحد:
“ماذا؟!!!”
Comments