قاتل الشياطين:قلوب متحدة

قاتل الشياطين:قلوب متحدة

رياح القدر :من ظلام الحرب إلى أرض الشمس المشرقة

كان من الغريب حقاً أن تعيش حياة هادئة، تحيط بك عائلتك ومن تحب،

وأن تتوقع أن هذا السلام لن يتبدل أبداً.

الأيام تمر بروتينية بسيطة ولكنها سعيدة.

 ثم، في ليلة وضحاها، يتحول كل شيء.

الحياة التي كانت مليئة بالبساطة والفرح تنقلب رأساً على عقب لتصبح بركة من الدماء.

أولئك الذين كنت تسميهم يوماً ما بالعائلة،

 يختفون في لمح البصر.

.... ...

.... ...

.......

في أرض تقليدية هادئة،

حيث كانت الشمس تشرق كل يوم على حقول القمح المترامية والبيوت الطوبية القديمة،

 كانت الأجواء معتدلة ودافئة،

وأهلها معروفون بطيبتهم وكرمهم،

حتى تجاه الغرباء.

 لم يتوقع أحد أن يتحول كرمهم وضيافتهم لضيف أظهر حسن النية في البداية،

إلى طعنة غادرة في الظهر!.

فجأة،

 اندلعت الحرب،

دون سابق إنذار.

 المستعمرون هجموا بلا رحمة، وأصبحت القرية المسالمة مسرحاً للعنف والدمار.

 الأمهات اللواتي كن يغنين لأطفالهن في المساء،

صمتن إلى الأبد.

الرجال الذين كانوا يعملون في الحقول، تحولوا إلى ذكريات تُروى.

 اختفى الأمن،

ومعه الأمان.

 ما كان يوماً حياة مليئة بالحب والانسجام، تحول إلى كابوس لا ينتهي.

.....

في هدوء الليل، داخل القاعدة العسكرية التي تعبق برائحة الصمت والبرد القارس،

كانت تتردد خطوات خافتة لفتاة صغيرة، عمرها لا يتجاوز الحادية عشر عاماً.

 شعرها الأبيض القصير يلامس كتفيها، وعيناها الزرقاء خُفت من بريقهما بفعل الأحداث الدموية التي شهدتها.

بشرتها شاحبة، وجسدها الضعيف يحمل بندقية، وترتدي زياً عسكرياً أسوداً متماسكاً، بالإضافة إلى علم وطنها الذي يزين صدرها على السترة المتينة التي كادت تعجز عن حملها.

الرواق كان حيا بحركة الجنود المسؤولين عن الدوريات الليلية،

 بينما البقية ناموا في حجراتهم الصغيرة.

خرجت الفتاة من القاعدة بخطوات ثابتة ومرنة،

 تتجه نحو مكان معين بدقة فائقة وتركيز متناهي.

وقفت متأملة للحظة،

ثم ابتسمت بخفة عندما شاهدت صبياً يرتدي زياً عسكرياً مشابهاً،ذو شعر اسود قصير مبعثر وعيون زرقاء، يتحرك بحذر شديد في المنطقة.

تقترب منه برفق، وتقول بصوتٍ هادئ ولكن واثق،

"أخي."

الصبي يلتفت بسرعة، وعلى وجهه تعبير جاد واستياء واضح.

"روان... ماذا تفعلين هنا؟ كان يفترض أن تكوني نائمة في الحجرة!"

 قال بصوت حازم، وعيناه تلقى وهجا حادا نحوها.

"لم أتمكن من النوم... أردت مساعدتك في المناوبة الليلية، يا أخي."

ردت بابتسامة ناعمة على شفتيها، بينما تشدد قبضتها قليلاً على بندقيتها دليلا على توترها.

ابتسامتها لم تلقَ قبولًا من أخيها الذي بدا غاضبًا، وضع يده على جبهته معبرا عن الإحباط والغضب الذي ينتابه.

"يا إلهي~... ماذا سأفعل بك الآن؟ لماذا لا تستمعين أبدًا لما أقوله؟"

تنهد نواه بغضب متجاهلاً تماماً الابتسامة التي تعثرت بشفتي روان.

"الا تدركين صعوبة الأمر علي اللعنة!... أحاول جاهداً تأمين حياتنا هنا!... من المفترض أن يكون هذا دورك في المناوبة الليلية، ولكنني أجد نفسي أعمل مكانك!.. هل تعلمين ما السبب...انه لحمايتك! "

 صرخ نواه بصوت مليء بالغضب، وهو يحدق بشكل حاد في عيني أخته.

تراجعت روان خطوة للوراء بتوتر، وهي تحاول مكافحة الدموع التي بدأت تلتهب في عينيها، تسيل على خديها مبللاً وجهها بالحزن والإحباط.

"لكنني... أخي نواه... أريد فقط أن أساعدك."

 كان صوتها مرتعشاً وضعيفاً، وكلماتها تعكس اليأس والرغبة في فهمها.

"اترين الأمر.. دائماً تلجئين للبكاء، لأنك ضعيفة جداً! لا تستطيعين حتى حمل البندقية بشكل صحيح والتصويب، وتتوقعين مني أن أعتمد عليك!"

تقاطعها نواه بصوت يحمل فيه الغضب والاستفزاز، وهو يستمر في توبيخها.

فجأة، صوت دخيل يتسلل من بين الأشجار من الخلف، موبخاً.

"هاي توقف عن إحداث الضوضاء.. ستكشف موقعنا!"

صرخ الصوت من خلف الأشجار، مما جعل نواه ينهض ويستدير عائداً إلى موقعه.

"أعلم أن الأمر كان صعباً منذ وفاة والدينا.. ولكن الجميع يعاني هنا، والجميع يسعى للبقاء على قيد الحياة...

 إذا أردتي النجاة، عليكِ أن تتوقفي عن التصرف كالفتاة المدللة التي كنتِ عليها، وتنضجي، وتفعلي ما أقول،

وإلا سأتركك خلفي."

 كانت كلمات نواه تحمل نبرة موبخة، ولكنها أيضاً تحمل نغمة من الاهتمام والحزن.

روان ابتعدت بسرعة، تاركة نواه وحده بين الأشجار مركزا على عمله، حيث جلست تحت ظلالها الساكنة، والدموع لا تزال تتساقط بحرية من عينيها، ترتجف وجنتاها وهي تتأمل في اللحظات الصعبة التي تمر بها.

على رغم محاولاتها اليائسة للسيطرة على نفسها، إلا أن روان لم تستطع منع دموعها من الانهمار بغزارة.

"توقفي عن البكاء.... ضعيفة.. حمقاء... عديمة الفائدة..."

 همست بنفسها بصوت مكسور، وهي تمسح بقسوة الدموع التي تسيل بلا هوادة.

مع كل كلمة توبيخ جديدة تقولها لنفسها، تزداد غضبًا على نفسها، لكن الدموع لا تتوقف، تتكاثر حتى تملأ وجنتيها وتقطر على الأرض أمامها.

تلك الذكريات من ذلك اليوم المشؤوم ،

حينما استيقظوا في وسط الليل بفعل صوت إطلاق النار المدوي قبل سنتين ، لم تترك روان ونواه أي فرصة لنسيان المأساة التي جرت، قوات العدو تسللت بلا رحمة مستخدمة رشاشاتها بلا هوادة لقتل والدها الذي حاول دون استسلام حمايتهم، في حين حاولت والدتهما بجهد أن تخبئهما بعيدًا عن أعين الغزاة ، لكنها دفعت ثمن ذلك بتعرضها للقتل والتعذيب على يد القوات الاحتلالية ، فقط لأنها أرادت أن تمنحهما فرصة للبقاء على قيد الحياة .

 زادت هذه الذكريات من حزنها وإحباطها ، وتزايدت دموعها حتى أغرقتها في النوم ، بعيدًا عن العالم المأساوي الذي أصبحت حياتها .

.....

غارقة في نومها، تستيقظ روان على صوت مدوي لاطلاق النار والقنابل.

"هاه؟! "

تخرج من بين الشجيرات، تمسك بندقيتها بتوتر وتشعر بالهلع وهي تكتشف المنظر المروع...

 العدو قد توغل إلى داخل القاعدة.

 ماذا حدث؟ ومتى؟

"بسرعة!، قوموا بالهجوم مباشرة! لا وقت للتنظيم! لقد توغل العدو بالفعل هنا!"

صوت الصراخ ملأ المكان. شعرت روان بالهلع لدرجة أنها لم ترغب في الخروج من مخبئها، كانت ترتجف.

'علي الخروج... والقتال... لكنني خائفة'

صوت صارخ بخوف يخرجها من حبل أفكارها.

"روان!... روان!... أين أنتِ؟"

رأت روان أخاها يبحث عنها بيأس ويبدو خائفًا، لتظهر ابتسامة أمل على شفتيها وتركض نحوه دون تفكير.

"نواه!"

تركض نحوه لتعانقه.

"أخي... أنا خائفة" قالت وهي تنظر له بدموع في عينيها وجسدها يرتجف بشدة.

" اتبعيني فحسب.. اعرف مكانا للهروب من المنطقة."

يركض هو بينما يطلق النار مصوبًا على الأعداء. كان العديد من أصدقائه يسقطون أرضًا قتلى.

أمسكت روان بندقيتها بصعوبة بيديها المرتعشتين، وصوبت نحو أحد رجال العدو الذي اقترب منهم بشكل خطير.

 أطلقت النار لتصيبه في صدره.

اتسعت عيناها من الشعور المهيب عند قتله.

 لم تقتل هي سوى عدد قليل من جنود العدو خلال فترة تجنيدها، عدد قليل محصور بعدد الأصابع.

ولكن في كل مرة تقتل شخصًا، ينتابها هذا الشعور المقزز.

تنظر هي للدماء المتناثرة على ملابسها ووجهها بسبب الطلق الناري.

كان كل من روان ونواه يختبئان خلف جدار مهدوم، ولكنه كافٍ لتغطيتهم من هجمات العدو.

يطلق نواه النار بوجه العدو بتركيز، بينما تركز روان على حماية ظهره، لكنها لا تزال تحت تأثير الصدمة.

يتم إلقاء كرة ذات شكل دائري ، يدرك نواه أنها قنبلة على الفور.

يمسك بيد روان ويهرب من ذلك المكان تفاديًا للانفجار، ويتفادى وابل الرصاص بصعوبة بينما يسحبها معه.

يصرخ في داخله:'علي حمايتها'

يحاول الاختباء وراء الأشجار متوجهًا للغابة، لكن تصيبه رصاصة في بطنه مما يجعله يسقط أرضًا.

"أخي!"

تصرخ روان بقلق، تنظر لأخيها المصاب بهلع وتحاول سحب جسدّه بعيدًا عن الهجوم إلى مكان آمن بعيدًا عن الخطر.

"أخي... هل أنت بخير؟ أرجوك أن تصمد قليلاً."

تحاول هي إيقاف النزيف بالضغط على الجرح ولكن دون جدوى؛

يجب إزالة الرصاصة أولاً.

تتذكر هي أنه يجب عليها الدفاع عن نفسها، تنظر حولها ولا تجد بندقيتها؛ لقد سقطت عندما حملت جسد أخيها إلى بر الأمان.

 ينبض قلبها بخوف وتوتر، لكنها تحاول التحلي بالشجاعة لأجل الشخص الذي لطالما قام بحمايتها.

تتحلى هي بالشجاعة لتركض لتحصل على بندقيتها بينما يتم إطلاق رصاص طائش نحوها.

 تحمل هي البندقية، لكن تصيبها رصاصة في كتفها.

"غاه!"

تحاول مقاومة الألم بينما تعود إلى جانب أخيها.

بصعوبة، تتقدم منعثرة إلى أن تصبح بجانب أخيها، تقوم هي بإطلاق النار للدفاع عن نفسها وأخيها المصاب.

لقد أصبح تنفسه ثقيلاً وضربات قلبه تتناقص تدريجيًا.

تتجمع الدموع في عينيها، ولكنها تعلم أن الوقت ليس للبكاء.

 يجب أن تبقى قوية، من أجلها ومن أجل نواه. تتذكر كل ما علمها إياه عن البقاء والتصويب. تتنفس بعمق، تضع الألم جانبًا، وتستجمع كل قوتها لإطلاق النار بدقة.

"سأحميك، نواه... سأفعل."

تنظر حولها، تراقب تحركات العدو وتستمع بتركيز لصوت الخطوات القادمة من الظلام. تعرف أن عليهم التحرك سريعًا، فالأعداء يقتربون، والوقت ليس في صالحهم.

نواه يفتح عينيه بصعوبة، يحاول الكلام ولكن الألم يعيقه.

يغمض عينيه مرة أخرى، بينما روان تحاول جاهدة رفعه وسحبه بعيدًا.

روان تسحب بندقيتها بيد واحدة، وتستمر في إطلاق النار باليد الأخرى، مقاومة الألم في كتفها بصعوبة، مصيبة بعضاً من جنود العدو.

لكن فجأة، تنفذ الذخيرة.

 لا توجد ذخيرة أخرى، وتتفاجأ بأحد جنود الاحتلال يقف خلفها ويمسكها بقوة من الخلف.

"دعني!"

تصرخ وهي تحاول الهروب من قبضته، لكنه يثبتها وينزلها على ركبتيها. هو أقوى منها.

يتقدم جندي آخر من جنود العدو، وعلى وجهه ابتسامة باردة، ويقف بالقرب من أخيها المصاب.

"لا سبيل للمقاومة الآن... لقد انتهى كل شيء."

يقول الجندي الاحتلالي بلكنة غير متقنة تمامًا للغة.

يمسكها من شعرها ويوجه نظرها إلى المشهد المرعب حولها؛ الدماء المتناثرة، الأجساد البشرية الممزقة، الأرض المحترقة، ورائحة الغبار والدخان والدماء التي تملأ المكان.

 أخوها يتنفس بصعوبة أمامها، وبجانبه يقف جندي آخر من جنود الاحتلال.

تشعر روان بنبض قلبها يتسارع، ويملأها الحزن والإحباط والغضب المكبوت.

 تكافح حتى لا تبكي أمامهم، حتى لا تبدو ضعيفة.

"لقد خسرتم... كل شيء احترق تمامًا.

أنتِ ضعيفة، ولا يمكنك فعل شيء.

مهما كان عددكم ومهما حاولتم التكاثف، القوي هو من يملك الغلبة.

 ونحن الطرف القوي.

 أنتم لا شيء سوى حشرات تافهة، مجرد عقبات في طريقنا.

فخورون بدفاعكم العقيم وشجاعتكم المزيفة، ولكن انظري إلى ما تبقى منكم الآن.

هذا هو مصير كل من يحاول الوقوف في وجهنا!."

يضيف الجندي الاحتلالي بنبرة ساخرة، وعيناه تلمعان بالشماتة.

تضغط روان على أسنانها، تحاول أن تستجمع قواها.

ترفع رأسها وتنظر في عينيه، ترى الظلم والوحشية، وتشعر بالغضب يشتعل داخلها.

أطلق الجندي ضحكة مستهزئة، مستمتعاً بمشهد تحديها الذي رآه بلا جدوى.

"أوه، تلعبين دور البطلة الشجاعة، متمسكة بالأمل في هذا الجحيم؟ كم هو مثير للشفقة.

لا أطيق الانتظار لأحطم تلك النظرة الشرسة في عينيك، وأدمر هذا الأمل الزائف.

سأستمتع بنزع الأمل والسعادة من قلبك، وتحويلك إلى مجرد ظل بلا روح.

أنتم لستم سوى حشرات تافهة في طريقنا، والعاقبة ستكون عبرة لكل من يجرؤ على الوقوف في وجه قوتنا."

نظرت روان بقلق إلى أخيها الذي يتأوه من الألم، وكأنه يريد أن يقول شيئاً.

لاحظ الجندي تلك النظرة وأدرك أنه شخص مهم لها.

" أتدرين أمراً؟ نحن البشر كائنات ضعيفة وهشة، نتأثر بسهولة ونتمسك بأوهام لحماية مشاعرنا.

 مثلاً، العائلة. مجرد كلمة تجمع أفراداً يتشاركون في الدماء.

قد يظهرون أنهم يهتمون ببعضهم البعض، وأنهم لا يمكنهم التخلي عن بعضهم، لكن عندما تصبح الظروف صعبة، سيتخلون عنك.

 هذا يجعل الفرد يدرك حقيقته، ويعلم أنه عليه التخلص من هذه الأوهام والروابط الوهمية. فقط عندها يكتشف حقيقته ويرى العالم كما هو حقاً...."

قال بصوت ثابت بينما يضع البندقية على رأسها، يضربها بها بلطف كافٍ لتحريك رأسها، فقط لاستفزازها.

نظرت هي للأسفل بإحباط وانهزام،

دون أي حيلة.

نظر الجندي إلى زميله الواقف بجانب أخيها المحتضر، وأومأ له.

فهم زميله الإشارة ووجه البندقية نحو رأس نواه.

فتحت روان عينيها على مصراعيها، مرعوبة.

"م-ماذا تفعل؟ لا... توقف..."

ارتعش صوتها من التفكير في احتمالية فقدان أخيها.

"ششش... لا بأس."

قال الجندي وهو لا يزال يوجه البندقية نحو رأسها، يقف فوقها شامخاً وعلى وجهه ابتسامة باردة، وعيناه تحملان قسوة لا تعرف الرحمة.

"لاداعي للقلق.. انا فقط سؤحررك من هذه القيود...

احررك من وهم الروابط..

لتظهر

ذاتك الحقيقية"

 يقول ويرفع أصبعه ليطلق صديقه النار في راس أخيها مباشرة، ترديه ميتا

اتسعت عينا روان وهي ترى دماء أخيها تتناثر..

تحول جسده إلى جثة هامدة تلطخ الدماء الأرض من حولها. ارتعش جسد روان، ومررت رؤية أخيها على هذا النحو قشعريرة باردة عبر عمودها الفقري. لم تصدق ما حدث للتو. فقدت الشخص الوحيد المتبقي لها من عائلتها. قد ذهب الآن. شعرت بشيء ينفجر داخلها، خليط من الغضب، الحزن، والحقد. تساقطت الدموع بغزارة من عينيها، لترتطم بالأرض بينما علت ضحكات جندي الاحتلال. أفلت عنقها عندما شعر بجسدها يرتخي من صدمة فقدان أخيها.

كانت موجهة وجهها نحو الأرض بإحباط، وشعرها يتساقط على الجانبين. عيناها مفتوحتان على مصراعيهما، ولسانها عاجز عن الكلام.

اتسعت ابتسامة الجندي الاحتلالي وهو يضربها بطرف البندقية مجددا ولكن ليس بقوة كافية لاسقاطها أرضا، كان جسدها يتمايل مع كل ضربة.

تصر هي اسنانها معا نتيجة الغضب المكبوت.

أظلمت عيناها، وأدركت فجأة أنها باتت وحيدة، بعد أن خسرت آخر فرد تبقى من عائلتها. شعرت بشيء مفقود في أعماقها، وكأن روحها انتزعت منها، بينما كانت دموعها تتساقط بغزارة على الأرض الملطخة بالدماء تحتها.

فيما كان الجنديان منشغلين بالضحك والاستهزاء بها، تحركت يدها ببطء إلى خنجر صغير كان مخبأ بعناية داخل أنسجة سترتها المتينة. استغلت لحظة غفلة الجندي، الذي تهاوى دفاعه، وغرست الخنجر بحدة في ركبته، مما جعله يصرخ من الألم.

"آه!... أيتها الحقيرة!"

سقط على الأرض، وقبل ان يصر لبندقيته وايضا قبل أن يتمكن زميله من التحرك، او الوصول انقضت عليه روان بشراسة، وبدأت تطعنه بلا رحمة في صدره ووجهه. قبضت يديه على كتفيها لاعادها لكنه لم يستطع فلقد استمرت بطعنه بلا هوادة بيننا تنظر له بعيون مظلمة جعلته يتساأل 'كيف يمكن لشخص ان ينظر لي بهذه الطريقة'… لم تعد الفتاة الصغيرة تشعر بشيء سوى الغضب واليأس، وعيناها المظلمتان عكستا تحولًا مخيفًا في شخصيتها، وكأنها أصبحت كيانًا مظلمًا، يحمل في نظراته كراهية وغضبًا لا ينطفئان.

وقف الجندي الآخر مذهولًا، غير قادر على الحركة، بعينين واسعتين ويدين ترتجفان. تملكه الذهول من المشهد أمامه، وبينما حاول أن يستجمع شجاعته، كانت أفكاره متضاربة.

'ما هذا... يجب أن أتحرك... أن أوقفها، لكن... جسدي يرتجف. هذا الكره... هل هذا هو الشعور عندما يفقد الإنسان إنسانيته؟'

تحرك أخيرًا وضربها ببندقيته على رأسها من الخلف، مما جعلها تفقد الوعي على الفور.

.

.

.

.

روان تفتح عينيها ببطء، تشعر بألم حاد في جسدها.

كانت مربوطة بإحكام إلى كرسي، يديها مكبلتين خلف ظهرها وقدميها مقيدتين إلى أرجل الكرسي.

نظرت إلى الأسفل بعيون باردة، خالية من أي تعبير.

مرت ثلاثة أيام وهي تحت الاستجواب القاسي، دون أن تبوح بأي معلومة.

أدركوا أن محاولاتهم كانت بلا جدوى، فقرروا وضعها مع الأسرى الآخرين ليتم بيعها في سوق العبيد.

"ضعوها مع العبيد الآخرين "

يأمر الجندي الاحتلال وهو نفسه الذي كان يشاهد بينما كانت هي تقتل صديقه. نفسه الذي قتل اخاها.

كان لا يزال ينظر لها بنظرة محيرة وغامضة.

"ولكن سيدي الم تقل انها قتلت احد قادتنا.. القائد نيكولاس.. انها خطيرة، يجب قتلها سيدي "

يتحدث الجندي الآخر غير مقتنع بفكرة ترك شخص خطير وغير متوقع مثلها مع العبيد.

يقترب منها قاتل أخيها. من صوب الرصاصة في راس أخيها مباشرة؛ يضع يده على ذقنها ويرفع للنظر في عينيها الزرقاء الباردة.

"أفعل ما امرتك به.. فهي لن تفعل شيئا بعد الآن"

يضيف بينما يترك ذقنها مدركا انها فقدت نفسها ولم تعد تمثل تهديدا لهم.

...

لم يكن ذلك السوق مزدهرًا في تلك الفترة، حيث شهد العالم تحولات جذرية مع إلغاء النظام الإقطاعي والتوجه نحو التصنيع والتحديث.

على الرغم من إلغاء العبودية رسميًا في معظم الدول، إلا أن الممارسة لم تُمنع تمامًا.

بقي بعض النبلاء وذوي المكانة الرفيعة يستخدمون العبيد كوسيلة للتباهي بثرواتهم، وكسلعة تُباع وتُشترى لتحقيق أهدافهم الخاصة.

الرجال كانوا يُستخدمون عادةً في الأعمال الزراعية أو البناء، وأحيانًا يتم تجنيدهم في الجيوش.

أما النساء، فكانت تُسخر في الأعمال المنزلية، أو كمربيات وخادمات، وتعرضن للاستغلال الجنسي في القصور الملكية أو كجزء من تجارة الجنس.

أما الأطفال، فقد كانوا يُستغلون في الأعمال المنزلية أو في الحقول، وبعضهم يُدربون منذ الصغر لتحقيق رغبات شخصية لأسيادهم.

كانت روان واحدة من هؤلاء الضحايا، تواجه مصيرًا مجهولًا بعد أن فقدت كل ما تملك.

بعد أن تم علاج ذراعها من الطلق الناري، بقيت ندبة عميقة على كتفها، علامة دائمة تذكرها بما مرت به.

رغم أن تلك الندبة قد تجعلها أقل قيمة في سوق العبيد، إلا أن جمال وجهها وجسدها ظل يجذب أنظار التجار، مستعدين لدفع ثمن باهظ لمشاهدتها تكبر و تزهر.

تم إلباسها ثوبًا أبيضًا رقيقًا، وكبلت يداها وساقاها بقيود ثقيلة، متصلة بسلاسل مع بقية العبيد الآخرين.

نظرت روان حولها بتعبير بارد، خالٍ من الحياة. نساء، أطفال، ورجال كانوا يقفون بجانبها، جميعهم يساقون نحو مصير مجهول.

تم توجيههم للصعود إلى أحد القوارب المتجهة نحو الشرق، حيث تنتظرهم حياة جديدة مليئة بالاستعباد.

أما روان، فلم تشعر بأي شيء. لقد فقدت كل شيء بالفعل، ولم يعد هناك ما يثير اهتمامها أو يخيفها.

كان القارب يئن تحت وطأة المعاناة التي حملها على متنه. في إحدى الزوايا، جلست أم تحتضن طفلها بقوة، تحاول أن تخفف من بكائه المستمر بلمساتها المرتجفة وكلماتها الخافتة. كان الرعب يملأ عينيها وهي تحاول إخفاء خوفها من أجل صغيرها. بجانبها، رجل صامت، مشدوهة عيناه بالفراغ، لا يصدر منه أي صوت ولا يتفاعل مع العالم حوله، وكأن الصدمة قد انتزعت منه قدرته على الكلام.

على مسافة قريبة، كانت طفلة صغيرة تجلس وحيدة، تضغط وجهها بين ركبتيها، وجسدها يهتز من الخوف، تبحث عن أي دفء أو أمان في هذه الظلمة التي لا تنتهي.

من حولها، كان بعضهم يجهش بالبكاء، وكأن دموعهم هي اللغة الوحيدة المتبقية لهم للتعبير عن ألمهم.

آخرون، وقد استسلموا لليأس، جلسوا بصمت قاتم، عيونهم تائهة في المجهول، وقد فقدوا كل أمل في الخلاص.

وبين الحين والآخر، كان هناك من يحاول أن يكون السند، يحتضن قريبًا أو صديقًا، يتمتم بكلمات مطمئنة لا يؤمن بها هو نفسه، لكنه يكررها على أمل أن تمنحهم لحظة واحدة من الراحة، حتى وإن كانت كاذبة.

في هذا الجو الخانق، كان الجميع يشعر بأن الحياة أصبحت مجرد انتظار طويل ومؤلم للمجهول.

.

مرت ثلاثة أيام على هذا الحال، ولا يزال القارب يتحرك في عرض البحر؛ تم الاعتناء بالعبيد بعناية لضمان ظهورهم بأفضل شكل ممكن.

كانت النظافة والتجهيزات التي خضعوا لها تهدف إلى رفع قيمتهم في السوق، رغم أنهم كانوا يواجهون هذا الواقع القاسي بصمت مرير.

وفي الوقت ذاته، كان من يرفض الطعام أو الرعاية يُعاقب بشدة. أولئك الذين تجنبوا تناول الطعام أو أظهروا عدم تعاون مع المشرفين قوبلوا بالسوط، وصوت الصرخات والألم كان يملأ الأرجاء كتنبيه دائم لغير الراغبين في الانصياع. كانت هذه العقوبات المروعة تعكس بشكل صارخ طبيعة القسوة واللامبالاة التي تواجه بها حياة العبيد، حيث يُقابل رفضهم بالضرب والتهديد، ليُجبروا على قبول واقعهم المرير.

"لا!

... انا أرفض الانصياع! .. انا ولدت حرا ولن اسمح لكم بتقييدي! "

بينما كان القارب يواصل رحلته البطيئة عبر المياه الكئيبة، ارتفع فجأة صرخ مفاجئ من أحد الركاب.

رجل، يبدو أن اليأس قد استولى عليه تماماً، قرر أن يرفض الانصياع لهذا المصير المظلم.

في لحظة من الإصرار، قفز إلى الخارج محاولاً الهروب من براثن العبودية، عازماً على قضاء نيرانه بحريته حتى وإن كانت قصيرة.

لكن الأمل الذي كمن في هذه الخطوة تلاشى بسرعة.

من بعيد، صرخ الحراس، يطلقون الرصاص بشكل عشوائي على هذا الرجل الذي يحاول الهروب.

كان الصوت المفزع للطلقات يملأ الهواء، وأصوات الضحايا الأخرى التي بدأت تصرخ في فزع.

سقط الرجل مضرجاً بدمائه، يطفو على سطح المياه التي امتلأت بدمائه وألمه.

بينما كان القارب يتابع سيره، كان هذا المشهد يضاف إلى ركام الأمل المفقود الذي يثقل كاهل الجميع على متن القارب.

كانت هذه النهاية المؤلمة تذكيراً قاسياً بأن الهروب ليس خياراً، وأن كل محاولة للخلاص قد تتحول إلى معركة ضارية مع الموت، لتزيد من حدة اليأس والظلام الذي يكتنف كل من عُقدت عليهما الآمال والأحلام.

انها ليلة اليوم الرابع من المتوقع وصولهم لسواحل اليابان مع بزوغ فجر اليوم الخامس؛ رغم ان تجارة العبيد لا تنشط في هذه المنطقة الا ان الملوك اليابانيين ورجال السياسة لن يرفضو نسلا اجنبيا للتلاعب به واستخدامه.

في تلك الليلة، وفي ظل العاصفة المدويّة، كان القارب يواجه أمواج البحر العاتية، واهتزازاته العنيفة تتسبب في تحطم هياكله. اليابان، المعروفة بتعرضها لكوارث طبيعية ونشاطها في الحزام الناري، كان القارب الآن يشهد خطأً في الملاحة يقودهم إلى مأساة.

"اهدئ صغيري... لا داعي للبكاء.."

سعت الام يائسة لتهدأته طفلها رغم أنها هي نفسها قد أصابها الهلع

"سنموت... سنموت... سنموت"

تمتم الرجل بصوت مكتوم ويائس بينما تتشابك اصابعه مع شعره بقسوة وهو ينظر للارض بيأس

البكاء.. الصراخ.. رمى البعض نفسهم من القارب لتلتهمهم أمواج البحر العالية..

كانت روان، رغم القلق الذي يحيط بها، تتشبث بإحدى عارضات القارب بتصميم هادئ، خالية من أي خوف.

لكنها لم تكن مبالية بما يحدث، فقد وصل شعورها بالانفصال عن كل شيء إلى حد لا يثير اهتمامها.

وأخيراً، اجتاحت موجة هائلة القارب، ونتج عن قوة الاندفاع تحطمه بشكل كامل، رغم محاولات المشرفين من جنود الاحتلال الحفاظ على استقرار القارب.

يغرق الجميع في البحر.

في ظل الاضطراب والفوضى، تصارع البعض للسباحة والنجاة، بينما استسلم آخرون لمصيرهم المحتوم، حيث كانت أمواج البحر القوية أقوى من أن يواجهها أي إنسان.

أما روان، فقد وجدت نفسها تغرق في المياه الباردة، التي أحاطتها بسلام غريب.

'هذا دافئ'

بينما كان الموت يبدو كخيار مريح، استسلمت للأمواج، وابتسمت بهدوء لآخر مرة.

'أشعر بالهدوء.. اريد فقط اغماض عيني والنوم'

قبل أن تسحبها المياه إلى الأعماق، أغمضت عينيها في سكينة مفاجئة، وذكريات وجه عائلتها السعيد تتلألأ في ذهنها.

بينما كانت تتناثر حطام القارب حولها، ومع انتشاء أحاسيس مريرة، تسللت إلى أعماق المحيط، تاركة وراءها كل ما كانت تملكه من أمل ومشاعر.

.

.

.

دافئ.

.

.

.

رائحة طعام.

.

شعرت روان بدفء غامض،

لكنه لم يكن الموت الذي توقعته.

"نغه.. أه! .."

فتحت عينيها ببطء،

"كح! . كح!..."

لتجد نفسها تسعل بشدة، حيث كان حلقها جافاً كالصحراء وجسدها بارداً كالجليد.

'بارد... أشعر بالبرد.. ما هذا.. لم امت كيف يعقل هذا...'

وسط هذا الألم والضعف، شعرت بشيء دافئ شخص يدعم جسدها. وشيء دافء يلامس شفتيها، بينما كانت الرؤية ضبابية وغير واضحة.

'آه.. ماء!'

أدركت بسرعة أن ما شعرت به كان ماءً، فأخذت تشربه بشغف، وكأنها لم تذق الماء منذ زمن طويل.

مع كل رشفة، بدأ سعالها يهدأ، وأخذت تستند إلى الشخص الذي يحملها، مستسلمة لنعيم الدفء الذي تلمسه.

'كان شعورا دافئا منذ قليل والآن أشعر بالبرد الشديد، جسدي.... مؤلم.. '

كان الصوت الوحيد المسموع منها هو صوت لهثاتها وعيناها ترفرف مغمضتين بالكاد تفتحهم بينهم تتحول عيناها حولها وهي تستند على هذا الشخص الغريب...

حينما هدأت قليلاً، فتحت عينيها مرة أخرى، وبدأت الصورة تتضح تدريجياً.

كانت ممددة على فراش مغطى بملاءات، وقد ارتدت ملابس مختلفة تماماً عن تلك التي كانت عليها.

نظرت حولها بقلق، وكانت الجدران والأثاث غريبة تماماً، وكل شيء بدا غير مألوف.

انتبهت إلى الرجل الذي كان يجلس بجانبها،يحضنها بذراعه بينما ينظر نحوها. يرتدي ملابس غريبة تشبه الفستان النسائي. كان رجلاً ملتحياً في منتصف العمر، بعيون رمادية مشدودة وملامح غير مألوفة. نظر إليها بقلق، وقال بصوت هادئ بلغة غير مفهومة:

"大丈夫だよ...静かにしてください。。落ち着いて"

"لا بأس...يرجى الهدوء. اهدأ."

"آه؟"

تلك الكلمات كانت غير مفهومة بالنسبة لها، وتركتها في حالة من الحيرة والذهول.

تساءلت في داخلها: "ماذا يقول؟ هل هذا حقيقي؟ كنت على وشك الموت."

عقلها كان في سباق محموم بين الارتباك والذهول، ولم تكن قادرة على التصرف أو الحديث بينما كانت تحاول استيعاب ما يجري من حولها.

ماذا سيحدث لها وما الذي يخبؤه المستقبلية لها في هذا المكان الأجنبي وغير المألوف.

ما هي دوافع هذا الشخص و من يكون و ما هذا المكان.

أسئة كثيرة تنتظر ان تجد حلا.

*********************

هذا هو الفصل الأول من قصتي الثانية.

أعلم انها طويلة و لكنني استمتعت كتابتها في الحقيقة نظرا لأنني من عشاق انمي قاتل الشياطين فقررت كتابة قصة عنها.

اذا كان هناك أي انتقاد او شيئ يجب على تغييره فأنا اتقبل النقد فساعدوني للتحسن.

لا تنسو الدعاء لاخوتنا في فلسطين فعسى ان ياتيهم نصر الله قريبا ولا تستهينو بالدعاء ❤️.

لا تدعوا اي شيئ يلهيكم عن الصلاة والعبادة وشكرا لكم على قراءة قصتي.

مختارات

تنزيل على الفور

novel.download.tips
تنزيل على الفور

novel.bonus

novel.bonus.content

novel.bonus.receive
NovelToon
فتح الباب إلى عالم آخر
لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon