وكأنني أهتم
"وجدت في صمت ما لم أجده في صراخ"
......................
وسط بستان من الورود والحقول..تقف شابة جميلة كملاك..فوق رأسها إكليل من الورود..يتطاير شعرها الأشقر مع هبوب نسيم..تنضر بعيونها زرقاء صافية ناحية سماء مليئة بسحاب الأبيض تدفعه رياح..من خلف يقترب إليها طفل صغير له نفس عيونها ونفس ملامحها عدا شعره الأسود كليل..
”ماما“
قال طفل صغير ناضرا لأمه ببرآء تضهر على ملامحه..تستدير إليه بإبتسامة مشرقة..وتفرد ذراعيها أمامها..
”إقترب يا عزيزي تعال“
يتمشى طفل ببهجة على وجهه ناحية والدته..سرعان ما كاد أن يصل إليها تضهر مسافة طويلة بينهما..
"أمي...لما أنت بعيدة جداً ؟"
"إقترب يا عزيزي تعال"
يبتسم طفل فقد نادته أمه مرة أخرى..يتقدم نحوها ضاحكا يركض بسرعة وهي تنتضره بإبتسامة واسعة..يتجشع لكنه يقع..يتأوه من الآلم لكنه ينهض مرة أخرى حينما رأى أمه لاتزال تنتضره ومستعدة لأخذه بين أحضانها..
"أمي أنا قادم إنتضريني"
"أجل يا عزيزي تعال إقترب"
"نعم أمي أنا قادم "
يجري تجاهها ودموع في عينيه..يقترب أن يحضنها لكنه يدفع للخلف بقوة بعيدا عن أمه..
"مامااااااااا"
يفتح الفتى عينه ويجد نفسه أنه كان في حلم وفي الأصل أمه ميتة..وتلك ذكرى كانت قبل ثمانية سنوات من الآن..عيونه لاترى سوى ضلام دامس أمامه يحيطه من كل مكان..ويداه مكبلتان على أحد الأعمد..يتنفس بصعوبة من الألآم جروح والكادمات التي تسبب بها والده وزوجة أبيه..
إدوارد فتى في 11 من عمره كان يعيش مع والديه في قرية أوزلام جنوب بلاد ݣامة تابعة للإمبراطورية العضمى..يمكثون في تلك القرية حتى عام إدوارد الثالث الذي توفت والدته وأغلى ما إمتلك في هذه الحياة..ينتقل به والده بعد موت أمه مباشرة إلى شمال العاصمة إلى قرية صغيرة وتزوج هنالك..زوجة أبيه شريرة كانت تعامله بسوء وتعنفه وتحث على والده أن يبرح ضربا كذلك..وبعد قدوم مولودها الأول وأخ إدوارد..تغيرت معاملة والده أصبح يجوعه و يجعله ينام في خارج وفي إسطبل خيول..
مرت أربع سنوات ويرزق بفتاة صغيرة لذلك يقوم الأب بحبس إدوارد في قبو المنزل ويعنف من حين إلى أخر يعذبه دون رحمة وكذلك زوجة أبيه..قاسى كثيرا في فصل الشتاء البارد والمميت ولحسن حضه أنه كان في عمر يستحمل ذلك العذاب قليلا..
كانت إخوته يشفقون عليه لذلك يأتون له بالأكل وشراب وقتما أتيحت لهما الفرصة و حينما لا يراهم أحد يتسللون للقبو وكل مرة يحاولون أن يهرب تفشل خطتهم في فعل ذلك...هكذا توالت أيام إدوارد إلى ذلك اليوم...
يسمع إدوارد صرير قفل يفتح لباب القبو وتضهر أشعة ضوء تلامس جلده متسخ ويضهر جسمه نحيف وشعره طويل الأشعث وأضفاره طويلة وملابسه رثة ووجه متسخ..لا يصدق أن طفل يحبس في ذلك المكان المهترء وسط تلك ضلمات معمية للبصر فقط شر البشر أبشع من الوحوش المفترسة..هكذا ما كان سيقول أي أحد لو رأه في ذلك الحال المثير لشفقة..
يدخل رجل في أربعينيات من عمره حليق الحية ويحمل في يده عصى خشبية طويلة..وعلى ملامحه يضهر الإنزعاج والغضب على تجاعيد حاجبيه الكثيفة..ينضر إليه إدوارد بعيون خالية من حياة ثم يتنهد ويحني رأسه للأسفل..
يتقدم رجل إلى جهته ويقف أمامه ناضرا لحاله ثم يرفع عصاه للأعلى وينزل بها على ضهر إدورد بقوة..حتى سعال دماء من فمه..ثم يركله الرجل في بطنه وثم يعيد ضربه بالعصا في ضهره مجددا..رغم أن الفتى يتألم إلا أنه لايصرخ فقد إعتاد على مثل هذه الضربات الممية بل أصبح أقوى كلما يتلقى أي ضربة..
يبقى رجل على ذلك الحال لمدة عشر دقائق ثم توقف وهو يلهث..يرمي بالعصا منكسرة إلى العصي الأخرى والتي سبق وأن إنكسرت على ضهر إدورد والمكونات فيما بينها جبل من عصي متراكمة على مر أيام..
يخرج الرجل من القبو ويقفل خلفه جيدا بسلاسل..بقي إدوراد مفترشا في الأرض ثم تلاشى وعيه وهو مبتسم لأنه يعلم يقينا أنه سيعيد يرى حلما أخر مع والدته...
Comments