NovelToon NovelToon

أناروز

ثرثره

...٢٥/٥/٢٠٢٣...

^^^الساعه السابعه حرباً^^^

^^^في قلب العتمة التي لفّت الشوارع، كانت ذكريات الماضي تعود لتنتشلني من واقع القسوة. وكأنما تشتعل في ذهني شرارات من زمنٍ مضى، كانت تلك الذكريات تجيب عن تساؤلاتي بأجوبة لا تنطبق على الحاضر، لكنها تجلب سلوى مؤقتة. تذكرتُ أيامًا كانت فيها الحياة تبدو أقل تعقيدًا، حيث كانت البساطة تملأ الأيام والليالي، وتَسْعَدُ أرواحنا بكل بسمةٍ ومصافحة.^^^

^^^لكن الواقع كان قاسيًا أكثر من أن يُدرك، وكلما زادت الحوادث التي أعيشها الآن، زادت معها مشاعر الذنب والخوف. كيف لم أستطع أن أستشعر عمق الكارثة التي كانت تلوح في الأفق؟ كأنما كنت أعيش في فقاعة زجاجية، لا ترى سوى ما تريده أن تراه. والآن، عندما كُشفت الحقيقة، كان كل شيء غير مهيأ للتعامل مع هذا الزلزال الداخلي.^^^

^^^كانت الذكريات تتسلل إلى أعماق نفسي كتيارات مياه هادئة، بينما العالم من حولي كان يعج بصخب لا يمكن وصفه. تذكرت وجوهًا أحببتها، أصواتًا كانت تعني لي الأمان، وأماكن كانت توفر لي الطمأنينة. لم تكن تلك اللحظات سوى أضواء خافتة في عتمة الليالي الحالكة. هل كان يمكنني العودة إلى تلك الأيام، أم أن الزمن قد أخفى تلك الأيام خلف ستار من الألم المستمر؟^^^

^^^أجلس هنا، في زوايا منزلي الذي تحول إلى ملاذٍ صغير من الخراب، وأتساءل عن كيفية التعامل مع هذا الصمت القاسي الذي يحيط بي. ربما كان الصمت أكثر قسوة من الأصوات المحيطة، كأنما يحاصرني ويعزلني عن العالم الخارجي، ويجعلني أعيش وحدتي بصمت قاتل. في هذه الأوقات، تأتي أفكاري كأمواجٍ تتلاطم فوق شاطئٍ صخري، تتلاشى وتعود لتتراكم من جديد.^^^

^^^كيف يمكنني تفسير ما أعيش؟ كيف يمكن للإنسان أن يواجه الهلاك ويستمر في البحث عن معنى؟ ربما يكون الانهيار جزءًا من تجربة الإنسان، وربما يكون هناك درس مخفي وراء كل قذيفة تنفجر، وكل دمعة تنهمر. بدأت الأيام تتوالى كظلال ممددة على صخور الزمن. كنت أسير على حافة الهاوية، حيث لا يزال الأمل يتشبث بي كبرعم صغير في قلب الشتاء القارس.^^^

^^^الأيام التي تمضي بأبطأ من الريح، أصبحت الآن تتسارع كجريان النهر في المنحدرات. وفي خضم هذا الاندفاع، أنظر إلى الأسفل، حيث تتلاشى الأحلام وتستحيل إلى بقايا. في ذلك اليوم، وقفت على شرفتي، أحاول أن ألتقط أنفاسي وسط الفوضى المحيطة. كان الدخان يتصاعد من المباني المدمرة، وكان الأفق مشوهًا بتلال الرماد. نظرت إلى الشوارع التي كانت في يومٍ ما مفعمة بالحياة، وها هي الآن مغطاة بالدمار. كان كل شيء محيطًا بي يصرخ بألم، وكان الصمت بين تلك الأصوات يهددني بأفكاره الساكنة.^^^

^^^بدأت أرى في كل زاوية من زوايا منزلي، وجوهًا لم تعد سوى ذكرياتٍ شاحبة. كنت أفتش في الذاكرة عن أوقاتٍ كانت مليئة بالسلام، وعندما كنت أعيش حياةً لم تعرف الحرب طريقها إليّ. كنت أحتاج إلى هذه الذكريات كملاذٍ من الحاضر الكئيب، وكوسيلة للفرار من قسوة الواقع.^^^

^^^ أغوص في أعماق تفكيري، شعرت وكأنني أُواجه عريًا لا يُطاق. الأمل الذي كان يشع في قلبي بدأ يتلاشى تدريجيًا، كمن يشاهد شعلةً تتلاشى في عاصفةٍ هوجاء. تلاشى الأمل أمام حدة الواقع، وصار من الصعب أن أفرق بين ما كان حقيقة وما كان خيالًا. لا شيء كان واضحًا في هذه اللحظة سوى مشاعر الخوف والوحدة، وكنت أحتاج إلى شيءٍ يقيني من الحقيقة.^^^

^^^تطلعت إلى السماء، حيث لم أعد أرى سوى غيوم كثيفة تمنع رؤية النجوم. كأنما كانت السماء تذكرني بأن كل شيء في هذه الحياة ليس سوى جزءٍ من فوضى كونية. بدأت أضع يدي على قلبي، أبحث عن نبض الأمل، ولكن النبضات كانت غير متساوية، وكأنها تعكس اضطراب الروح.^^^

^^^في تلك اللحظة من التأمل، أدركت أن هناك جانبًا من النفس لا يمكن تجاهله. جانب يطمح إلى المقاومة ويحتاج إلى مواجهة الحقيقة، مهما كانت مؤلمة. ربما لم يكن الصمت الذي يعتريني سوى انعكاس لعمق داخلي، حيث يمكن أن تجد المقاومة قوتها في أضعف اللحظات.^^^

^^^وفي هذه اللحظات من الكتابة، كنت أكتشف جوانب جديدة من نفسي، وأجد طرقًا لمواجهة الحقيقة والتعبير عن معاناتي. كل كلمة كنت أخطها كانت لي بمثابة خطوة على طريقٍ طويل، مليء بالانحناءات والتحديات، لكنني كنت مصممًا على مواصلة المسير، لأن الكتابة لم تكن مجرد وسيلة للتعبير، بل كانت عكازًا يعينني على الهروب من الواقع واجتياز أصعب اللحظات في حياتي.^^^

^^^كانت رحلتي إلى أعماق نفسي، حيث تتداخل الذكريات بالواقع، وحيث يمكن أن تشرق شمس الأمل من بين سُحب ^^^

^^^الظلام.^^^

...****************...

...٢٨/٥/٢٠٢٣...

^^^أعيشُ أيامًا لا تشبهني، وكأنني غريبٌ عن نفسي، في مكانٍ لم أختَر أن أكون فيه، لكنه اختارني. هذا المكان يبتلعني، لا أستطيع التقدّم فيه ولو بخطوة. أستيقظُ كل صباح بلا دافع، كأنني آلةٌ تتبع نفس الروتين، تنتهي حركتي لأغرق في نومٍ ليس هروبًا، بل استسلامًا للتعب الذي لا يفارقني.^^^

^^^لا أعرف كيف وصلت إلى هنا، ولا متى بدأت هذه الرحلة، لكنها تبدو وكأنها دائرة مغلقة، تعيدني دومًا إلى نفس البداية، نفس النقطة التي حاولت مرارًا الخروج منها. كأن العمر سبقني واستنفذني باكرًا، أخذ مني كل شيء قبل أن أعيشه حقًا.^^^

^^^أشعر أنني نفدت تمامًا. من كل شيء. من الآمال التي كانت يومًا ما وقودي، ومن الخيبات التي صارت جزءًا من واقعي. من البرود الذي يغلفني حينًا، ومن الدفء الذي يتسلل لي أحيانًا دون أن أستطيع الإمساك به. من الشغف الذي كان يحركني، واليأس الذي حل مكانه، حتى بتُّ لا أميز بينهما.^^^

^^^كل شيء بات متشابهًا، وكأن الحياة أصبحت لوحةً باهتة، بلا ألوان ولا تفاصيل، ولا أنا قادرٌ على إضافة أي لمسةٍ جديدة.^^^

^^^قد يبدو أن قدر الإنسان في هذه الأرض يظل محكومًا بعوامل متغيرات خارجة عن إرادته، وأن معاناته ليست سوى جزء من لوحةٍ واسعة، رسمها القدر برؤية إلهية. كلما نظرت إلى ما يحدث حولي، تذكرت كيف أن الحرب لم تكن مجرد مشاهد نراها فقط في الأفلام و كلماتٍ تتداول^^^

^^^بين الناس، بل كانت تهدم اُمماً وتصنع أحداثًا وتدمر حضارات. ومع كل قذيفة تنفجر، كنت أعيش صراعًا داخليًا بين رغبة في التعبير وسكوت مؤلم، بين واقعٍ مرير وحلمٍ ضائع.^^^

^^^وهكذا، بقيت غارقًا في التأمل، أحاول أن ألتقط خيوط الأمل من بين أنقاض الخراب، وأبحث عن صدى لرسالتي وسط صمت القبور. كيف أجد في وسط كل هذا الدمار قوى للكتابة، وكيف أستطيع أن أقدم للناس حكاياتٍ تعكس معاناتهم وأحلامهم؟ ربما في سكون الكلمات، نجد بعض الأمل الذي نحتاجه^^^

أحد الصباحات

^^^كانت الخرطوم، قبل أن تجتاحها الرياح العاتية للحرب، مدينة تسبح في هدوءٍ مشبعٍ برائحة التاريخ، تحمل في قلبها إيقاعات الحياة البسيطة التي تملأ النفوس طمأنينةً وتشبثًا بالمكان. مع أول خيوط الشمس التي تنساب على شوارعها الضيقة، كأنها تُعلن بداية يوم جديد بنسيمٍ دافئٍ يغمر الأرواح، كان الصباح في الخرطوم أشبه بمقطوعة موسيقية تعزفها الحياة في إيقاعٍ منسجم مع نبضات القلب. تستيقظ المدينة ببطء، كما لو كانت تتمدد من نوم عميق، لتبدأ يومها بكل تلك التفاصيل التي تجعل منها مكانًا لا يشبه إلا نفسه.^^^

^^^من بعيد، كان صوت عبد الكريم الكابلي يصدح من الراديوهات القديمة المعلقة على رفوف المقاهي الشعبية. أيدي الرجال العجائز تحتسي الشاي بالنعناع بينما تبحر أعينهم في سماء الخرطوم الصافية. في الخلفية، يغني بأغانٍ لا يمل منها أهل الحي، يعيدونها مرارًا وتكرارًا، كأنها تذكرة بهويتهم التي يحرصون على عدم فقدانها. كان الراديو نافذة صغيرة للعالم الخارجي، لكن الأغاني الوطنية والسودانية وحدها هي ما يمسُّ القلوب حقًا.^^^

^^^بين الأزقة الضيقة، كان صوت بائع الخضار يتردد في الأرجاء كل صباح. "الطماطم الجرجير البصل الطماطم …!" صوته العميق كان يستيقظ مع أهل الحي، يعلن بدء يوم جديد. النساء يخرجن من بيوتهن، بحركات سريعة ودقيقة، تجمعن الخضار والفواكه الطازجة وتعدن للبيوت وهنَّ يتبادلن الضحكات مع البائع، الذي يعرف الجميع، ويعرفونه.^^^

^^^في السوق الكبير، كانت الروائح تختلط مع الألوان. كان المشهد أشبه بلوحة، الفواكه مكدسة في سلال القصب، الخضار بترتيب عشوائي متقن، وأصوات النساء تتفاوضن مع الباعة بابتسامات ملونة. "ما رأيك، ألا يمكنني الحصول على المزيد مقابل هذه النقود؟" ترد البائعة ضاحكة، "لأنكِ من زبائني المفضلات، سأضيف لكِ حفنة من النعناع!"^^^

^^^على ضفاف النيل، حيث كان الناس يجتمعون في المساء، متكئين على ضفافه وكأنهم يحاولون احتضان هدوءه وسكينته. كان النيل مرآةً تعكس وجوههم وأحلامهم، وكأنهم يجدون في مياهه الطمأنينة التي يبحثون عنها وسط أيامهم المزدحمة. في كل موجة هادئة كانت تسري عبر الماء، ينعكس الضوء الذهبي لغروب الشمس، مضيفًا مشهداً ساحراً يجعل الجميع ينسى للحظة طويلة ضغوطات الحياة اليومية.^^^

^^^وفي تلك الأوقات الساكنة، كان صوت محمود عبد العزيز يرن حول مسامع الناس ، يبث عبر الراديوهات المتناثرة في الأحياء. كان صوتاً يملأ الفراغات بين ضحكات الأطفال الذين كانوا يركضون في الشوارع الضيقة، ملتحفين بالهواء المنعش وهم يطاردون أحلامهم البريئة على أرصفة المدينة. الراديو كان يتنقل بين أيدي الشباب والعجائز على حد سواء، يتحدثون عن السياسة، عن الطقس، وعن كل شيء، لكن تلك الأغاني العتيقة كانت دائماً تعيدهم إلى جذورهم، إلى ذاكرتهم المشتركة، إلى خرطوم كانت لهم قبل أن تضيع في غياهب الحرب.^^^

^^^على الشرفات، كانت النساء يجهزن الإفطار، رائحة الشاي المخلوط بالقرفة تنبعث لتلف المكان بحميمية دافئة. أصوات الملاعق وهي تصطدم بالأكواب الزجاجية كانت نغمة صباحية مألوفة، تترافق مع ضجيج الشوارع الذي كان يبدأ ببطء ليشتد مع مرور الساعات. الباصات الصغيرة التي تعبر الطرقات الضيقة، والأصوات العالية للباعة في الأسواق، كانت تضيف إلى المدينة حياة متجددة في كل يوم.^^^

^^^هكذا كانت الخرطوم؛ مدينة تتغنى بالحياة في كل زاوية، مدينة تحمل في تفاصيلها البسيطة جمالاً لا يُدركه إلا من عاش فيها^^^

...****************...

^^^١٥/٥٢٠٢٣^^^

^^^استيقظت الخرطوم على فجر بدا كأنه يحمل في طياته لعنةً لم تكن المدينة قد شهدت مثلها من قبل. كان الوقت ما بين الليل والنهار، حين بدأت أصوات الانفجارات تمزق سكون المدينة، وكأن الأرض نفسها تهتز تحت وطأة الدمار. كان صوت الرصاص ينطلق كعاصفة لا هوادة فيها، يختلط مع صرخات الفزع التي ملأت الأرجاء.^^^

^^^‎في تلك اللحظات، تلاشت الفواصل بين الواقع والخيال، وتحولت شوارع الخرطوم إلى مسرح للفوضى والرعب. الجثث كانت ملقاة هنا وهناك، وكأنها دمى فارغة، تخلت عنها أرواحها في غمضة عين. عيون مفتوحة بلا حراك، تحدق في الفراغ كأنها تبحث عن تفسير لما يحدث، بينما الدماء تسيل ببطء على الأرصفة، ترسم خطوطًا من الألم لا يمكن محوها.^^^

^^^‎الرصاص الطائش لم يكن يميز بين أحد، يخترق الجدران والأرواح بلا رحمة، يترك خلفه مشاهد من الخراب لا تُمحى. الأطفال، الشيوخ، النساء، كلهم كانوا ضحايا لهذه الفوضى التي ابتلعت كل شيء. كان الهواء مثقلًا برائحة البارود والموت، يخنق الأنفاس ويغمر المدينة في بحر من الرعب.^^^

^^^‎^^^

^^^في هذا اليوم المشؤوم، بدت الخرطوم وكأنها تغرق في جحيم ^^^

^^^من صنع الإنسان، حيث لم يعد للأمل مكان. السماء فوق المدينة كانت مغلفة بدخان القذائف، تحجب نور الشمس وتغمر المدينة في ظلام دائم. كان هذا اليوم هو بداية لكابوس طويل، سيبقى محفورًا في ذاكرة كل من عاشه، شاهداً على لحظة تحولت فيها الخرطوم إلى ساحة موتٍ لا نعلم نهايته^^^

Download MangaToon APP on App Store and Google Play

novel PDF download
NovelToon
Step Into A Different WORLD!
Download MangaToon APP on App Store and Google Play