الشرارة الأولى

الفصل الثاني: الشرارة الأولى

كانت ليان تحاول إقناع نفسها أن وجود ذلك الشاب في حياتها مجرد صدفة، وأن لقاءاته المتكررة بها في المقهى لا تعني شيئًا أكثر من زبون اعتاد الجلوس في المكان. لكنها في أعماقها لم تستطع تجاهل ذلك الإحساس الغريب، إحساس يوقظ قلبها كلما دخل بابتسامته الهادئة ونظرته التي تخترق الصمت.

اسمه ظهر لأول مرة في حياتها حين قدّم نفسه ببساطة: "آدم".

اسم عادي، لكنه في نبرته كان يحمل ثقلًا أكبر من مجرد كلمة.

منذ تلك اللحظة، صار اسمه يتردد في ذهنها أكثر مما أرادت أن تعترف به لنفسها.

في أحد الأمسيات، بينما كانت تنهي عملها وتجمع الطاولات، حدث ما لم تتوقعه. دخل رجلان غريبان إلى المقهى. لم يبدُ عليهما أنهما يبحثان عن قهوة أو جلسة هادئة. كانا يتفحصان المكان بعينين جافتين، يتحدثان بصوت منخفض، وتتحرك أيديهما بعصبية. ليان شعرت بالقلق، لكن قبل أن تتدخل أو تسأل، وقف آدم من مقعده وتوجه إليهما.

صوته كان باردًا وهو يقول:

"أخبرتكم أن هذا ليس وقتكم ولا مكانكم."

لم تفهم ليان ما يحدث، لكنها رأت الشرر يتطاير من أعين الرجلين. أحدهما أمسك بسكين صغير، والآخر اقترب بخطوات تهديدية. قبل أن تدرك كيف، كان آدم قد سيطر على الموقف بضربة سريعة جعلت السكين يسقط، ثم دفع الآخر إلى الخارج كأنه يتعامل مع أطفال.

الهدوء عاد إلى المقهى بسرعة، لكن قلب ليان لم يهدأ. للمرة الأولى رأت وجهًا آخر لآدم: وجه يعرف كيف يواجه الخطر بلا خوف. أرادت أن تسأله، لكن عينيه كانتا واضحتين: "لا تتدخلي".

حين انتهى الموقف، عاد إلى طاولته وكأن شيئًا لم يكن. جلس بهدوء، أخذ رشفة من قهوته الباردة، وقال بابتسامة خفيفة:

"أحيانًا، يا ليان، الحياة تجبرنا على إظهار وجوه لم نخترها."

لم تستطع الرد. كل ما شعرت به هو خليط من الرهبة والإعجاب. من هو هذا الرجل حقًا؟ ولماذا يبدو كأنه يعرف أكثر مما يجب عن ذلك العالم المظلم؟

تلك الليلة، لم تستطع النوم. صورة المواجهة ظلت عالقة في ذهنها، وعيناه وهو يواجه الخطر بلا خوف جعلتها تفكر: هل هذا الرجل عادي فعلًا كما يبدو؟ أم أنه يحمل أسرارًا أخطر مما تستطيع احتماله؟

في اليوم التالي، لم يأتِ إلى المقهى. غيابه أثقل قلبها أكثر مما توقعت. لكن في مساء اليوم الذي يليه، عاد، بنفس ابتسامته الغامضة، وكأنه لم يتركها لتسهر ليلتين تفكر فيه. جلس أمامها وقال:

"أحيانًا الغياب اختبار… أردت أن أعرف إن كنتِ ستتذكرينني."

ابتسمت ليان رغمًا عنها، لكنها لم تستطع إخفاء قلقها:

"آدم، من كان هؤلاء الرجال؟ ولماذا… لماذا بدا الأمر وكأنك تعرفهم؟"

نظر إليها طويلًا، ثم قال بجدية:

"ليان، العالم ليس كما ترينه من مقهاك الصغير. هناك وجوه كثيرة تختبئ خلف الأقنعة. هؤلاء جزء من وجه قبيح… حاولت أن أبعده عنك."

صمتت. قلبها أراد أن يصدق، لكن عقلها بدأ يدق ناقوس الخطر.

ومع ذلك، هناك شيء في داخله جذبها بقوة أكبر من الخوف.

في تلك اللحظة، لم تكن تعرف أن ما حدث في المقهى لم يكن سوى الشرارة الأولى.

آدم لم يكن مجرد زبون عابر، ولا رجل غامض عادي. لقد كان يقف على عتبة عالم لا يرحم، عالم العصابات والمافيا، وقدرها كان يجرها ببطء إلى قلب العاصفة.

ليلة بعد ليلة، بدأت ملامح هذا العالم تتكشف أمامها، صغيرة في البداية، لكنها تزداد وضوحًا. مكالمات هاتفية غامضة، وجوه غريبة تراقب من بعيد، وأحاديث مبهمة تتوقف كلما اقتربت. كانت تشعر أن هناك شيئًا كبيرًا يتحرك في الظل، و"آدم" هو مركزه.

لكن السؤال الذي لم تجد له جوابًا:

هل كان قدرها أن تهرب منه… أم أن تُحبّه حتى لو صار "مجرمًا" يحكم العالم؟

نهاية الفصل الثاني

مختارات

تنزيل على الفور

novel.download.tips
تنزيل على الفور

novel.bonus

novel.bonus.content

novel.bonus.receive
NovelToon
فتح الباب إلى عالم آخر
لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon