*بين ظلال الحب والغموض*
الفصل الأول: بداية الغموض
في قرية صغيرة تقع بين التلال الخضراء والأنهار المتلألئة، حيث يختبئ الضباب في الصباح الباكر بين الأشجار، عاشت ليان، فتاة في السادسة عشرة من عمرها، تحمل في عينيها لمعة غريبة لا يشبهها أحد. كانت القرية هادئة، سكانها يعرفون بعضهم البعض منذ الأزل، لكن ليان لم تشعر أبدًا بأن قلبها ينتمي إلى هذا المكان. كان هناك شعور دائم داخلها، كأن شيئًا أكبر ينتظرها خارج حدود التلال والأنهار، شيء لم تجرؤ على تسميته بعد.
ليان كانت تحب السير على ضفاف النهر بعد غروب الشمس، حين يتحول الماء إلى مرآة تحاكي السماء المشتعلة بألوان الغروب. كان كل خطاها على الأرض الرطبة يترك أثرًا خفيفًا، وكأن الأرض تعرف أنها مختلفة عن بقية أهل القرية. كانت تحلم دومًا بمغامرة، بشيء يجعل قلبها يخفق بقوة، كما لو أن الحياة بدأت للتو.
في أحد تلك الأيام، بينما كانت تمشي وحدها بين الأشجار الكثيفة، لاحظت ظلًا غريبًا يتحرك بين الأغصان. قلبها بدأ يخفق بسرعة، لم يكن خوفًا كاملًا، بل مزيجًا من الخوف والفضول. تقدمت بحذر، وعندما اقتربت، رأت كتابًا قديمًا موضوعًا على صخرة مغطاة بالطحالب. غلافه جلدي ومغلق بقفل صغير، لكنه كان ينبض بطاقة غريبة، شعور دفء غامض يسري عبر يديها حين لمسته.
ليان شعرت أن هذا الكتاب ليس مجرد كتاب عادي. كان هناك شيء فيه يدعوها لفتحه، رغم التحذير الغريزي داخلها. عادت إلى منزلها، وعينيها لا تفارق الكتاب، وكل فكرة في رأسها تتشابك حوله: من وضعه هنا؟ ماذا يحتوي؟ ولماذا شعرت بأن قلبها يعرفه من قبل؟
في تلك الليلة، بعد أن أطفأت المصباح الخشبي القديم في غرفتها، جلست ليان على سريرها، وأخرجت الكتاب من حقيبتها الصغيرة. فتحت القفل بصعوبة، ودخلت يدها داخل الغلاف. وما إن فتحت الصفحة الأولى، حتى شعرت بتيار كهربائي خفيف يمر في جسدها، وكأن الكتاب يهمس لها:
"أنتِ المختارة."
ليان جففت عرقها البارد، وعيناها اتسعتان، بينما قلبها يخفق كأنه يريد الخروج من صدرها. لم تفهم الكلمات بعد، لكنها شعرت بأنها بداية شيء أكبر، مغامرة ستغير حياتها إلى الأبد.
مرت الأيام التالية، وبدأت ليان تلاحظ تغييرات غريبة في نفسها. أحيانًا كانت ترى أشياء تتحرك من زاوية عينها، لكنها تختفي عند النظر مباشرة إليها. وفي الليل، كانت تسمع همسات خفيفة قادمة من الكتاب، همسات تدعوها للبحث، للاستكشاف، لمتابعة ما بدأته.
ذات صباح، بينما كانت تتجول عند ضفاف النهر، لاحظت تغيرًا في طبيعة الماء. الأمواج الصغيرة كانت تتحرك ببطء وكأنها ترحب بها، والانعكاس في الماء بدا أكثر وضوحًا من أي وقت مضى. جلست ليان على صخرة كبيرة، وأخرجت الكتاب، محاولة أن تجد تفسيرًا لما يحدث حولها.
بين الصفحات، وجدت رسومًا غريبة لم تشاهد مثلها من قبل. كانت هناك علامات تشبه النجوم، وأشكال هندسية دقيقة، وخطوط تتشابك كأنها خريطة. شعرت ليان بأن هذه الرسوم توجهها نحو شيء محدد، شيء بعيد عن القرية، شيء ينتظرها في مكان مجهول.
في اليوم التالي، وأثناء تجوالها في الغابة، وجدت شجرة ضخمة مختلفة عن بقية الأشجار. جذعها كان متعرجًا بشكل غير طبيعي، وأوراقها تتلألأ تحت أشعة الشمس وكأنها تحمل ضوءًا داخليًا. عند قاعدة الشجرة، كان هناك صندوق حجري صغير، مغطى بالغبار والعشب. اقتربت ليان بحذر، وفتحت الصندوق، لتجد داخله خريطة قديمة ممزقة، تظهر خطوطًا تؤدي إلى أماكن مجهولة، مع رموز لا تفهمها بالكامل، لكنها شعرت بأنها تعرف معنى بعضها.
بينما كانت تدرس الخريطة، ظهر فجأة رجل غريب يرتدي عباءة داكنة، يغطي وجهه جزئيًا. عينيه كانت تتلألأ بشيء غامض، ونظر إليها بعناية:
"لقد اختارتك الأيام لتكتشفي ما لا يعرفه أحد، الكتاب الذي معك ليس للعب، بل لحياة بأكملها تتغير من أجله."
تسمرت ليان في مكانها، قلبها يخفق بسرعة، وعيناها تتسعان، لكنها شعرت في نفس الوقت بشيء من الاطمئنان، كأن هذه الكلمات التي سمعتها من الرجل الغامض كانت بداية لفهم ما تحلم به طوال حياتها.
"من أنت؟ ولماذا تتابعني؟" سألت ليان بصوت مرتجف.
ابتسم الرجل ابتسامة خفيفة، ثم أخرج من جيبه خريطة إضافية وقال:
"هذه الخريطة تقودك إلى مكان الكتاب الأصلي، وهناك ستعرفين الحقيقة كاملة. لكن احذري، الطريق محفوف بالمخاطر، والأعداء يراقبون كل خطوة."
ليان شعرت بمزيج من الرهبة والإثارة. قلبها كان يخفق بسرعة، لكنها قررت أن تخوض المغامرة، فهذه هي الفرصة التي حلمت بها طوال حياتها.
في الأيام التالية، بدأت ليان تلاحظ أحلامًا غريبة تأتيها كل ليلة. في الحلم، كانت تسير في أماكن لم تعرفها من قبل، جبال شاهقة، أنهار لامعة، وغابات مظلمة، كلها تحمل رموزًا مشابهة لتلك الموجودة في الكتاب. وكلما اقتربت في الحلم من هدف معين، استيقظت على صوت خافت يهمس باسمها:
"ليان… اتبعي الطريق…"
كما بدأت تظهر قدرات غير مفهومة لها. أحيانًا كانت تستطيع أن ترى خيوط الطاقة حول الأشياء، أو أن تشعر بمكان الأشخاص من مسافة بعيدة. هذه القدرات الجديدة كانت تجعلها مترددة أحيانًا، لكنها شعرت أن هذه القوة جزء منها، جزء من مصيرها الذي لا مفر منه.
وفي أحد الأيام، بينما كانت تجلس عند ضفاف النهر، لاحظت زهرة نادرة تتفتح بشكل غريب. عندما لمستها، شعرت بتيار من الطاقة يمر في جسدها، وكأنها جزء من الطبيعة نفسها، وكأنها تتواصل مع شيء أكبر، شيء يربطها بالكتاب والخرائط والأحلام التي تراودها.
بدأت ليان تدرك شيئًا مهمًا: أن هذا الكتاب لم يأتِ بالصدفة، وأن كل ما يحدث حولها مرتبط بها، بمصيرها، وبأسرار قديمة لم يجرؤ أحد على كشفها من قبل. كانت تعرف الآن أن مغامرتها لن تكون مجرد رحلة عابرة، بل بداية قصة ستغير حياتها وحياة القرية بأكملها.
مع مرور الوقت، بدأ الناس في القرية يلاحظون تغييراتها. بعضهم شعر بالغرابة تجاه تصرفاتها، بينما البعض الآخر شعر بالفضول تجاهها. لكن ليان لم تعد تهتم بما يقوله الناس، كانت تعلم أن الطريق الذي اختارته مختلف عن أي شيء آخر، وأنها يجب أن تتبعه مهما كانت الصعوبات.
الفصل الأول ينتهي عند لحظة قرارها المصيري: أن تأخذ الكتاب والخريطة، وتبدأ رحلتها نحو المجهول، دون أن تعرف ما الذي ينتظرها، لكنها تشعر بقوة داخلها، بقوة تجعل قلبها يخفق، تجعل عينيها تتلألأ، تجعلها مستعدة لمواجهة كل ما هو قادم.
Comments