...في مقبرة هادئة على أطراف المدينة، حيث تهتز أوراق الأشجار العتيقة مع كل هبة ريح، وقف جين أمام شاهدة قبر رمادية صامتة،...
...لم يُنقش على الشاهدة الرمادية سوى اسم واحد:...
..."المرحوم... إلبرت"...
...لم يتحرك. لم يرمش. عيناه مجمدتان على الاسم المنقوش، وكأن ذاكرته تحاول أن تستحضر صوته، ملامحه... وجوده الذي اختفى منذ زمن، ولم يبقَ منه سوى حجر صامت....
...إلى جانبه، انحنت والدته برفق، وضعت وردة بيضاء على القبر. أصابعها ارتجفت قليلاً، كأنها تحمل ثقل سنوات من الحزن المكبوت. همست بصوت بالكاد تسمعه الرياح:...
...– "ابنك كبر كثيرًا يا إلبرت... يجب أن تفخر به."...
...ظل جين صامتًا، ووجهه خالٍ من التعابير، لكن عيناه عكستا ما لا يُقال — ألمًا قديمًا، وحنينًا لا اسم له....
...ولو اقترب أحدهم منه في تلك اللحظة، لسمع قلبه يتمزق دون صوت....
...كان هذا الصمت... هو طريقته الوحيدة ليقول: "أنا أشتاق إليك."...
...هبّت نسمة باردة، تناثرت معها أوراق ذابلة من شجرة عجوز خلف القبر… وغمرت المقبرة غُبارة رمادية، خفيفة… كأن الزمن نفسه قرر أن يحني رأسه احترامًا للحزن....
...⋯✦⋯...
...في مكانٍ آخر… داخل غرفة الضيوف....
...اتسعت عينا يونجي وهو يتسمّر في مكانه. الشخص الجالس هناك… لم يكن من المفترض أن يكون هنا....
...– "كاسيان؟" تمتم بدهشة. ثم قال في داخله:...
..."صدفة لا تحدث إلا في المسلسلات."...
...رفع كاسيان رأسه، ناظرًا إليه بتلك النظرة اللامبالية المعتادة. إلى جواره جلس رجل بالغ الأناقة، كأنه نسخة مستقبلية من كاسيان: شعر أسود، لكن عيناه رماديتان باردتان، ونظرته حادة كالسكين....
...تقدّمت والدة يونجي بخطوات واثقة، وقالت ببرود:...
...– "هذا كريس بلايك، رئيس عائلة بلايك... وشريكي في العمل. وذاك هو ابنه، كاسيان."...
...نبرتها كانت جافة، تخلو من أي دفء، وكأنها تعلن عن صفقة عمل لا تحتمل النقاش....
...ثم تابعت، موجّهة حديثها ليونجي:...
...– "كاسيان سيكون ضيفنا لبعض الوقت، وأريدك أن تعامله كما يليق بضيوفنا… خذه معك، دعه يرى المكان."...
...أومأ يونجي بخجل، ثم ألقى نظرة سريعة على كاسيان، الذي وقف بثقة وتبعه دون كلمة واحدة....
...⋯✦⋯...
...قاد يونجي ضيفه بصمت عبر ممرات المنزل المزخرفة، مشيرًا إلى القطع الفنية والمعروضات القديمة، لكن دون حماس....
...وقبل أن يفتح فمه ليشرح شيئًا، سأله:...
...– "ذلك الرجل الذي كان معك… من يكون؟"...
...أجابه كاسيان وهو ينظر للأمام:...
...– "عمي."...
...في داخله، تمتم يونجي:...
...> "توقعي كان خاطئًا… ظننته والده."...
...لكن كاسيان قال فجأة، وكأنه قرأ أفكاره:...
...– "الجميع يقول ذلك."...
...ثم التفت إليه بابتسامة خفيفة، وقال وهو يتفحّص الجدران:...
...– "جميل، لكن… هل لي أن أرى غرفتك؟"...
...تردّد يونجي للحظة، لكن نظرة الفضول التي ارتسمت على وجه الآخر جعلته يوافق بهزة رأس خفيفة....
...اتجه نحو غرفته، كانت قريبة من الممر....
...فتح الباب ودخل، تبعه كاسيان… ثم تجمّد في مكانه....
...– "ما هذا؟! كتب؟ كلها كتب؟!"...
...ضحك بخفة واقترب من أحد الرفوف، يقلب العناوين بدهشة....
...– "أين جهاز الألعاب؟ ألا يوجد شيء نلهو به؟"...
...ردّ يونجي بهدوء، كأن الأمر طبيعي:...
...– "لا أملك ألعابًا… أنا أقرأ أغلب الوقت."...
...استدار كاسيان نحوه باستغراب:...
...– "حقًا؟ ألا تشعر بالملل؟ لم تجرّب ألعاب الفيديو قط؟"...
...قال يونجي: – "حين أشعر بالملل… أقرأ السيناريوهات. أُمثّلها أحيانًا بمفردي."...
...هنا نظر إليه كاسيان باهتمام:...
...– "تحب التمثيل؟ وجهك بدا سعيدًا وأنت تتحدث عن السيناريو."...
...– "أنا… أحلم أن أكون ممثلًا مشهورًا، مثل والدي."...
...وضع يونجي سيناريو على الطاولة برفق، بينما كان كاسيان يتأمل المكان… ثم لاحظ شيئًا....
...علامات حمراء على يد يونجي. أمسك بها فجأة، وسأله بحدة:...
...– "ما هذا؟"...
...تجمّد يونجي، ثم تمتم:...
...– "أمي… من فعلت هذا."...
...شهق كاسيان خافتًا، ثم سأل بانزعاج:...
...– "لماذا؟"...
...– "لأنني تغيبت عن بعض الحصص…"...
...تنهد كاسيان وقال:...
...– "ألم تخبرها بما حصل لك؟ كان لديك عذر."...
...همس يونجي بصوت خافت، أشبه بطفل يعترف سرًا:...
...– "أمي لا تستمع إلي… تقول دومًا إن الأعذار لا تهم."...
...ظلّ ينظر لكاسيان بعيون فضولية، ثم فكّر:...
..."غريب… لم أخبر أحدًا بكل هذا من قبل، حتى سون وو. لماذا أشعر أنني أرتاح له؟"...
...فجأة، لعب كاسيان بشعره وقال ببرود:...
...– "أمك فظيعة حقًا…" ثم شتمها....
...اتسعت عينا يونجي من الصدمة، لكنه… انفجر بالضحك....
...– "هههه… أحيانًا أشتُمها أنا أيضًا، لكن في داخلي فقط… لا أمتلك الشجاعة لقولها لها مباشرة."...
...نظر إليه كاسيان ساخرًا:...
...– "ظننتك الطالب المثالي… لم أتوقع هذا منك."...
..."ظننتك الطالب المثالي… لم أتوقع هذا منك."...
...ضحكا معًا. الجو صار دافئًا، خفيفًا، مختلفًا....
...استمر الحديث بينهما... عن أشياء كثيرة....
...ومع الوقت، خفَتَ الضوء خلف النافذة، وزحف الليل بهدوء على المكان....
...جلس كاسيان على كرسي بإحباط مصطنع:...
...– "منزلك ممل للغاية… لنخرج. الجو هنا خانق."...
...تبدلت ملامح يونجي، شحب وجهه:...
...– "لا أستطيع الخروج."...
...– "لماذا؟"...
...– "أمي… منعتني من ذلك."...
...صمت كاسيان، ثم سأل:...
...– "يعني لا تخرج من المنزل أبدًا؟"...
...– "فقط للمدرسة… لا غيرها."...
...توجه كاسيان نحو النافذة، فتحها، ودخلت نسمة عليلة. أمسك يد يونجي فجأة:...
...– "أمك حقًا… شخص مريع. كيف يمكن لامرأة أن تحرم ابنها من رؤية العالم."...
...ثم قال بابتسامة جريئة:...
...– "لنخرج من هنا."...
...تردد يونجي، عيونه على الأرض:...
...– "أنا… خائف."...
...جلس كاسيان أمامه، وقال بثقة:...
...– "ألا تريد أن تعرف كيف تبدو الحرية؟ ألا ترغب في رؤية ما في الخارج؟"...
...لم يُجِب يونجي، لكن بريقًا غريبًا لمع في عينيه....
...ابتسم كاسيان:...
...– "لا تقلق… لن يعلم أحد."...
...هز يونجي رأسه بالموافقة… ببطء....
...خرج الاثنان من النافذة. تعثّر يونجي قليلاً، سقط بخفة، فقهقه كاسيان:...
...– "أنت حقًا أسطورة في الهروب يا يونجي!"...
...ضحك يونجي بدوره، ضحكة صافية لم يعرفها من قبل....
...ولأول مرة في حياته… شعر أن الهواء الذي يستنشقه، يخصه وحده....
...[يتبع...]...
Comments