2."لهيب سهول السم"

(الفصل الثاني) "لهيب في سهول السُم"

تراكمت الغيوم الرمادية فوق سهول السُم، عاكسةً المزاج القاتم الذي خيّم على لافيتيريا. لم تعد الزهور النادرة ذات الألوان الزاهية والسموم الفتاكة تتمايل برشاقة تحت أشعة الشمس، بل بدت وكأنها تنحني يأسًا تحت ثقل المصير القادم. على مد البصر، امتدت جيوش دراكونيا، بحرٌ من الفولاذ يتدفق نحو حدود فيونوريا. كانت الرايات الحمراء الموشاة بتنين ذهبي ترفرف بعنف في مهب الريح، كألسنة لهب تتوق لالتهام كل شيء في طريقها.

لم يكن الإمبراطور فيريديان ولا مستشاروه الرئيسيون حاضرين في الخطوط الأمامية. كانت تلك مهمة قادة الجيوش الذين أوكلت إليهم مهمة تنفيذ إرادة الإمبراطور. في قلب التشكيلات الأمامية، وقف الجنرال داريوس، قائد الجناح الشرقي لدراكونيا. كان رجلاً يبلغ من العمر خمسين عامًا، شعره أبيض كالثلج ووجهه محفور بتجارب عشرات المعارك. عيناه الرماديتان كانتا تتفحصان سهول السُم بدقة، لم يترك أي تفصيل يفلت من بصره. كان داريوس معروفًا بتكتيكاته الجريئة وحبه للتوسع، مؤمنًا إيمانًا راسخًا بأن قوة دراكونيا تكمن في فرض هيمنتها. بجانبه، كان يقف القائد إيثان، شاب في مقتبل العمر، لم تتجاوز معاركه أصابع اليد الواحدة، لكنه يتمتع بذكاء حاد وبصيرة استراتيجية مبهرة، اكتسبها من دراسة عميقة لتاريخ المعارك القديمة. كان إيثان، رغم شبابه، يحظى باحترام داريوس الذي رأى فيه وريثًا محتملاً لقيادة الجيوش.

"الأرض مفتوحة أمامنا يا إيثان، لكنها تخبئ في طياتها مكرًا." قال داريوس بصوت عميق، بينما كان يمسك بمنظاره النحاسي. "الفيونوريون ليسوا أغبياء. سيتوقعون هجومًا مباشرًا."

"بالتأكيد يا جنرال." رد إيثان، وهو يشير إلى نقطة على الخريطة أمامه. "لكن هذه السهول... إنها فخ طبيعي. الزهور السامة ليست الخطر الوحيد. التضاريس هنا يمكن أن تكون عدوًا أكثر فتكًا من أي جيش."

على الجانب الآخر من السهول، داخل تحصينات مؤقتة أقيمت على عجل، وقف الجنرال فاليريان، قائد جيوش فيونوريا. كان وجهه شاحبًا، لكن عينيه كانتا تشتعلان بتصميم عنيد. إلى جانبه، كانت تقف المرشدة العسكرية سيلينا، وهي تحاول قراءة حركة جيش دراكونيا من خلال ألسنة الغبار المتصاعدة في الأفق. كان الوقت قد حان.

"لقد وصلوا." قالت سيلينا، صوتها يرتجف بالكاد. "القوة الهائلة التي تحدثت عنها الشائعات... إنها حقيقة."

"لم يكن هناك مفر." أجاب فاليريان بمرارة، قابضًا على مقبض سيفه. "لكنهم لن يجدوا هذه الأرض سهلة المراس. لن نجعلهم يمرون دون ثمن باهظ."

كانت خطة فاليريان وسيلينا تعتمد على استغلال طبيعة سهول السُم. بدلاً من المواجهة المباشرة التي لا قبل لجيش فيونوريا بها أمام قوة دراكونيا الجبارة، قاموا بنشر وحدات من الرماة في مواقع مخفية بين التلال المنخفضة، وزرعوا المزيد من الشراك الخفية، وفتحوا قنوات مائية صغيرة لغمر مناطق معينة بالوحل إذا لزم الأمر، كل ذلك بهدف إبطاء تقدم العدو وإضعافه قبل أي اشتباك مباشر.

أعطى الجنرال داريوس الإشارة. انطلقت الأبواق معلنة بداية الهجوم. تدفقت الجيوش الدراكونية كالسيل الجارف، المشاة الثقيلة تتقدمها، تليها الفرسان السريعة، ثم وحدات الرماة والمقاليع الضخمة التي كانت تستعد لقصف تحصينات فيونوريا.

كان التقدم في البداية سهلاً. عبرت القوات الأمامية مسافة كبيرة دون مقاومة تذكر، مما أثار شكوك القائد إيثان.

"هذا صمت مريب يا جنرال." همس إيثان لداريوس. "لا يمكن لفيونوريا أن تكون بهذا الضعف."

"ربما يدركون أن المقاومة لا طائل من ورائها." أجاب داريوس بثقة، لكنه أشار إلى بعض وحداته الجانبية بالتحرك بحذر. "ابقوا يقظين."

فجأة، انطلقت سهام كثيفة من بين الزهور السامة، مترافقة مع دوي انفجارات صغيرة. كانت تلك الشراك السامة التي زرعتها فيونوريا. سقط بعض الجنود الدراكونيين يتلوون من الألم، لكن العدد كان ضئيلاً مقارنة بحجم الجيش. ثم بدأت الأرض تميل تحت أقدامهم، حيث انهار جزء من السهل ليكشف عن حفر عميقة مليئة بالأوتاد الحادة والوحل.

"فخاخ!" صرخ أحد القادة. "تراجعوا قليلاً!"

في تحصينات فيونوريا، ابتسمت سيلينا ابتسامة باهتة. "لقد بدأوا في الوقوع في شباكنا. الآن... لنطلق عليهم وابل سهامنا."

أمر فاليريان الرماة بالبدء في إطلاق سهامهم. لم تكن مجرد سهام عادية، بل كانت مغموسة في سموم الزهور القاتلة التي تشتهر بها السهول. كان الهدف ليس القتل الجماعي، بل إبطاء العدو وإرباكه، ونشر الخوف والاضطراب في صفوفه.

شاهد الجنرال داريوس المشهد من موقعه. أدرك أن فيونوريا تستخدم الأرض كحليف لها. "هؤلاء الثعالب!" زمجر داريوس. "إيثان، أمر وحدات الاستطلاع بالتحرك على الأجنحة. أريد معرفة أين تكمن قوتهم الرئيسية. ولتتقدم وحداتنا الثقيلة ببطء وحذر، لتطهير الطريق من الفخاخ."

على بعد مئات الأميال، في قلب سيلفانيا الخضراء، كانت الملكة أوريليا تجلس في عرشها المصنوع من أغصان البلوط المتشابكة. كانت تتلقى التقارير من كشافيها الذين أرسلتهم لمراقبة الوضع. كانت الأخبار مقلقة.

"المعركة بدأت يا مولاتي." قال أحد الكشافين، وهو ينحني. "جيوش دراكونيا تتقدم في سهول السُم. فيونوريا تقاوم ببسالة، لكن الفارق في القوة هائل."

تنهدت أوريليا. كانت تعلم أن التحالف مع دراكونيا لم يكن خيارًا، فإمبراطورية فيريديان كانت جارتهم الأقوى، والحياد كان مستحيلاً عندما يتعلق الأمر بمصالح دراكونيا. كان قرار التحالف مع دراكونيا قراراً صعباً، لكنه كان ضرورياً لضمان بقاء سيلفانيا في ظل الطموحات التوسعية للإمبراطور.

"وهل لديكم أي أنباء عن طبيعة القتال؟" سألت أوريليا.

"سهول السُم تعمل كحاجز طبيعي. الفخاخ والسموم ترهق جيش دراكونيا، لكنها لا توقفه." أجاب الكشاف. "لكن... هناك شيء غريب، مولاتي. الجنود الدراكونيون... لا يبدون غاضبين فقط. يبدو أنهم يحملون كراهية عميقة تجاه فيونوريا، وكأنهم اقتنعوا تمامًا بخيانة فيونوريا."

عبست أوريليا. "هذا ما كنت أخشاه. لقد نجح فيريديان في زرع بذور الكراهية. هذا يجعل الأمور أكثر تعقيدًا. عندما يقاتل الجنود بسبب الكراهية، فإنهم يقاتلون بشراسة لا حدود لها."

عادت المعركة في سهول السُم لتشتعل من جديد. بالرغم من الخسائر البطيئة، استمر جيش دراكونيا في التقدم بفضل قوته العددية وصرامة قادته. الجنرال داريوس، بعد أن فهم تكتيكات العدو، أمر بتشكيل وحدات صغيرة متخصصة في إزالة الفخاخ، بينما واصلت القوات الرئيسية الضغط.

كان القائد إيثان يراقب حركة الوحدات الفيونورية. "لقد اكتشفنا نقطة ضعفهم يا جنرال!" صرخ إيثان. "هناك ممر ضيق في الجانب الأيسر، محمي بشكل أقل. أعتقد أنه الطريق الذي يستخدمونه لإعادة تجميع قواتهم وربما للانسحاب."

نظر داريوس إلى النقطة التي أشار إليها إيثان. "ممتاز يا إيثان. أرسل فرقة من الفرسان الخفيفة، لتقطع عليهم هذا الممر. لتكن مهمتهم محاصرة أي قوات فيونورية تحاول الانسحاب، وليمنعوا وصول أي إمدادات أو تعزيزات."

انطلقت فرقة الفرسان الخفيفة عبر السهول بسرعة، متجنبة الفخاخ بقدر الإمكان، نحو الممر الضيق. في هذه الأثناء، كثف جيش دراكونيا هجومه على الخطوط الأمامية لفيونوريا.

داخل قلعة عين الصقر، كان الملك إيلاريون يتلقى التقارير باستمرار. كانت الأنباء سيئة.

"لقد تم اختراق خطوطنا الدفاعية الخارجية يا مولاي." قال أحد القادة العسكريين، وجهه ملطخ بالدماء. "الفرسان الدراكونيون يحاولون قطع طريق الانسحاب."

"لا!" صرخ إيلاريون، وهو يمسك برأسه. "لا يمكننا أن نخسر هذا الممر. إنه أملنا الوحيد لإجلاء المدنيين وإعادة تنظيم قواتنا."

نظر فاليريان إلى سيلينا. "الوضع حرج. ليس لدينا ما يكفي من القوات لصد هذا التقدم من جميع الجبهات. علينا اتخاذ قرار صعب."

تفكير سيلينا كان سريعًا. "مولاي، علينا أن نركز على حماية الممر. أرسلوا أفضل فرقة من رماة النخبة لحمايته. لا يمكننا تحمل خسارته. باقي القوات... عليها أن تتقهقر ببطء، وتلحق أكبر قدر من الخسائر بالعدو أثناء التراجع."

أومأ فاليريان برأسه. كان هذا يعني التضحية بالكثير من الجنود، لكنه كان الخيار الوحيد. أصدر الأوامر على الفور.

اندلعت اشتباكات عنيفة عند الممر الضيق. قاتل الفيونوريون ببسالة يائسة، مدركين أن مصيرهم يعتمد على صمودهم. كانت السهام تطير كالمطر، وسيوف الفرسان الدراكونيين تلمع في ضوء الشمس الخافت. بالرغم من المقاومة الشديدة، بدأت أعدادهم تتضاءل.

من بعيد، نظر الجنرال داريوس إلى ساحة المعركة. رأى أن الممر أصبح تحت سيطرتهم فعليًا. "لقد حانت النهاية." قال داريوس. "فلنطارد فلولهم. هذه الحرب لن تنتهي إلا باستسلام فيونوريا الكامل."

كانت الشمس تغرب، تلقي بظلال طويلة على سهول السُم. لم تعد سهولاً جميلة، بل أصبحت مقبرة لمعركة دموية. كانت الشرارة قد اشتعلت، واللهيب بدأ ينتشر، ولفيتيريا كانت على وشك أن تكتشف أن ثمن الانتقام البارد قد يكون باهظًا جدًا.

بينما كانت جيوش دراكونيا تتقدم، كانت هناك همسات خفية، أنفاس مدسوسة في الظلام، تشير إلى أن كل هذا لم يكن مجرد صراع على السلطة. كان هناك من يخطط، ومن يستفيد، ومن يدفع الثمن. والملك إيلاريون، الذي كان يعتقد أن اغتيال الأمير كان عملاً متهورًا، بدأ يشك في أن الحقيقة أعمق وأكثر خبثًا مما تخيله.

مختارات

تنزيل على الفور

novel.download.tips
تنزيل على الفور

novel.bonus

novel.bonus.content

novel.bonus.receive
NovelToon
فتح الباب إلى عالم آخر
لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon