Academy Of Secrets
كانت السماء ملبّدة بالغيوم الرمادية في مدينة أرلين، كأنّ الصباح قرّر أن يشارك إياد ذلك الإحساس البارد المتجمد في صدره.
حقيبة صغيرة على كتفه، حذاء بسيط فقد لمعانه منذ أشهر، وسترة رمادية ضيّقة كانت قد خدمت سنينها.
وقف أمام بوابة "أكاديمية فيرينوس العليا"، المدرسة الخاصة الأشدّ شهرة في البلاد، والمخصصة لأبناء النخبة، أولئك الذين وُلدوا وفي أفواههم ملاعق من ذهب.
لم يكن ينتمي لهذا العالم، لكنه كان مضطرًا لأن يخوضه.
السيارات الفاخرة تتوقف واحدة تلو الأخرى، أبوابها تُفتح برفق لتخرج منها فتيات يلمعن كالمجوهرات، وفتيان يُطلقون العطور قبل الكلمات.
بعضهم يرتدي سترات معدّلة خصيصًا من أشهر المصممين، يحملون حقائب إلكترونية تتصل بالهاتف والساعة الذكية…
وإياد؟ جاء ماشيًا على قدميه.
دخل المدرسة بخطى ثابتة، رغم أن كل شيء فيه كان يصرخ بالغربة.
جدران الأكاديمية مطلية برخام أبيض، نوافذها زجاجية شاهقة، وكل شيء فيها يوحي بأنها ليست مجرد مدرسة… بل قلعة مصقولة للفئة التي تعتقد أنها خُلقت لتحكم العالم.
في أول لحظة داخل البهو، بدأ الهمس:
> "من هذا؟"
"أكيد عامل النظافة الجديد."
"يا إلهي، هل هذه حقيبة أم صندوق أدوات؟"
لكن إياد لم ينظر لأحد.
كان يحاول أن يمنع النار التي بداخله من أن تتحرك.
لقد وعد والده… ألا يُظهر شيئًا.
دخل الصف المخصص له، جلس في أقصى اليمين، قرب النافذة، وراح يحدّق إلى الخارج كأنه يحاول الهروب بعينيه.
في تلك اللحظة، دخلت المعلّمة، وبدأت الأسماء تتردد.
> "إياد؟"
رفع يده بصوت هادئ: "نعم."
> "أنت الجديد؟ اجلس فقط، لا تزعجنا."
مرّت الدقائق ثقيلة.
الأنفاس، الحركات، كل شيء في الصف كان موجّهًا ضده.
ضحكات مكتومة، نظرات احتقار، هواتف تُصور خلسة… لكنه ظل ساكنًا.
الهدوء كان سلاحه الأول.
لكن… بداخله كانت نار حمراء تتلوى.
مع دقّة الجرس، خرج الطلاب للاستراحة كأنهم سرب طيور هاربة من قفص.
بقي هو في مكانه، وحيدًا، حتى سمع صوتًا خلفه.
> "هل تكره الناس، أم فقط لا تريد رؤيتهم؟"
استدار ببطء…
كانت فتاة تقف هناك.
شعرها بلون العسل، مربوط بنصف رفعة أنيقة، عيناها واسعتان، ترتدي زي الأكاديمية المعدّل بلون أزرق داكن يليق بمكانتها الرفيعة.
> "أنا ليانا. وأنت إياد، صحيح؟"
– "نعم."
– "حسنًا، مرحبًا بك… في أسوأ مكان ممكن تبدأ فيه حياة جديدة."
لم يبتسم، لكن شيئًا فيه ارتاح.
نبرة صوتها لم تكن ساخرة، بل صادقة.
– "لا أبحث عن حياة جديدة. فقط… أريد أن أمرّ مرور الكرام."
ضحكت، لكنها كانت ضحكة قصيرة، تحمل طيفًا من الحزن.
> "لا أحد يمر مرور الكرام في فيرينوس… إما أن تكون في الأعلى، أو تداس بالأقدام."
…
خلال الاستراحة، جلس إياد في ساحة جانبية، بعيدًا عن الكافيتيريا.
فتح قطعة خبز أعدّها بنفسه، ومعها علبة صغيرة من الجبن.
لكن طيف ظلّ ظهر فجأة فوقه.
> "أهذا ما تأكله في مدينتك؟ فقراء نارالين يأكلون هذا كل يوم؟"
نظر للأعلى، شاب طويل بشعر مصبوغ بالأبيض، يبتسم بسخرية.
اسمه "ريان"، أحد أشهر أبناء الطبقة الغنية في الأكاديمية، ابن صاحب مصانع الأسلحة في "مدينة كورفال".
> "اسمح لي… لكن هذا مقزز."
لم يرد إياد، فقط استدار ليأكل.
ريان اقترب أكثر:
> "أتعلم؟ لو كنت مكانك، لاختفيت من الوجود."
لكن قبل أن يكمل، ظهرت ليانا.
> "ريان، ألا تملّ من إثبات أنك فارغ؟"
– "أنا لا أتحدث معك، ليانا."
– "بل أنت تتحدث أمامي. وهذا كافٍ لكي تصمت."
صمت ريان، ثم غادر متذمّرًا.
…
إياد بقي صامتًا، لكنه نظر إليها هذه المرة بتمعّن.
عيناه لا تعرفان التعلّق، لكن شيئًا فيهما تمسّك بهذه الفتاة.
> "هل أنتِ دائمًا هكذا؟"
– "كيف؟"
> "تتدخلين في معارك ليست لك؟"
– "لست أتدخل، أنا فقط أكره المتنمرين. و… ربما أردت أن أتناول الغداء معك."
صمت.
ثم همس:
> "ليس لدي سوى قطعة خبز…"
ابتسمت ليانا:
> "جيد. أنا أيضًا لا أحب طعام المدرسة."
وجلست قربه.
...
تلك اللحظة، كانت بداية التحوّل.
لم يعلم إياد أن اليوم الأول، في أكاديمية النخبة، في مدينة فيرينوس، سيبدأ فيه شيئًا لا يمكن التراجع عنه…
لا في النار التي تسكن صدره، ولا في نظرة الفتاة التي جلست بجانبه.
Comments