لعنة أورينا
في عالمٍ من الروايات، حكايات نُسجت بأجمل الأقلام لعشّاق الخيال...
ومن هنا، سأروي لكم قصة عجيبة، تفاصيلها غامضة، تنقلنا إلى عالمٍ سحريّ يُحاكي عقولنا ويروي لنا عن الجمال في زمن الظلام.
كان يا مكان، في قديم الزمان، في أحد البلدان، في عصرٍ ساد فيه الجهل والظلام، وُجدت قرية نائية تقع عند سفح جبل يُدعى "سينا".
كان أهلها فقراء، لا هم من الأغنياء ولا حتى من متوسطي الحال، بل أناس بسطاء يزرعون الأرض ويعيشون على ما تجود به الطبيعة.
في تلك القرية، عُرف فلاح حكيم بأخلاقه العالية وسمعته الطيبة. كان قد سافر في صغره إلى البحر والأنهار، ورأى القصور والديار، ثم عاد واستقر في قريته. هناك، التقى فتاة من المدينة، بسيطة فقيرة، ابنة خبازٍ كبير، كانت تحمل في عينيها بريقًا شدّه إليها، فتعلّق بها وخطبها بعد فترة قصيرة، وتزوجا.
ورُزقا بطفلة جميلة، ذات عينين واسعتين زرقاوين كالبحر، وشعرٍ أصفر كالذهب، وبشرة بيضاء كالقمر. أسموها جالا، وهو اسم يعني "المرتفعة" أو "السامية".
مرت الأعوام، وعاشت العائلة في سعادة، حتى جاء يومٌ تبدّلت فيه الأحوال...
اندلعت الحروب، واختفى الأمن، وسيطر سلطان جائر على البلاد، وفرض التجنيد الإجباري على كل الرجال.
خاف الحكيم على عائلته، وقرّر الرحيل. بكت جالا بحرقة، وهي تودّع الأحباب والأصدقاء، خصوصًا صديقتيها نجد ونرجس.
ساروا في الليل، لا يدرون إلى أين يتجهون، حتى حلّ الظلام، فلاحظوا ضوءًا أعلى جبل.
قال الأب:
– "أترون ذاك الضوء؟ لا بدّ أن هناك قرية. هيا، فلنسرع."
وصلوا أخيرًا، وإذا برجل غريب، وجهه عابس لا يوحي بالخير، يظهر أمامهم.
قال:
– "انتظروا هنا. سأنادي كبير القرية."
لاحظت جالا تغيّر ملامح أبيها بعد حديثه مع الرجل.
قالت لوالدتها:
– "أمي، وجه أبي لا يبعث على الطمأنينة."
ردّت الأم هامسة:
– "ربما لا يُريدون استقبالنا."
عاد الأب، ونادى عائلته للمغادرة.
– "يجب أن نرحل فورًا."
– "لكن إلى أين؟ الليل حالك، والذئاب تُعوي، ونحن هاربون من بطش الملك!"
صرخت الأم.
– "هل تعرفين ماذا قال ذلك الرجل؟ قال إننا لن ندخل القرية إلا إذا أعطيناه ابنتنا جالا عندما تكبر!"
صُدمت العائلة. لكنّهم ما لبثوا أن سمعوا صوت جنودٍ يقتربون.
– "لا وقت! يجب أن نعود للجبل!"
– "سامحيني يا بنيتي... لا خيار لنا."
قال الأب دامع العين.
عادوا للجبل. وهناك، وبتدخل من بعض العقلاء، حصلوا على مأوى، وعمل الأب في المزارع، وأصبح مع مرور الوقت حكيم القرية نظرًا لعلمه وخبرته.
مرت السنوات، وأصبحت جالا شابة فاتنة، شعرها الطويل يلمع كأشعة الشمس، وجمالها يسحر كل من رآها.
كوّنت صداقات، وازداد تعلقها بعائلة "زهير"، ذلك الرجل الذي قابلهم يوم وصولهم. كان قد تغيّر كثيرًا، صار ودودًا ويعاملهم باحترام، وأبناءه أصبحوا كإخوة لها.
وذات يوم، قالت لجالا أمها:
– "اليوم خطبة صديقتك جوري، لا تنسي الحضور."
– "بالطبع يا أمي. سأذهب الآن."
وصلت جالا إلى منزل خالتي ريم، أم العروس.
– "أين جوري؟"
– "تتزيّن في الداخل."
دخلت، وما إن رأت صديقتها حتى شهقت:
– "واو! أأنتِ حقًا جوري؟ أي جمال هذا؟ كنتِ تُخفينه كل هذه السنين؟"
ضحك الجميع، وبدأت الأحاديث والضحكات تملأ المكان، إلى أن سألتها إحدى الجارات:
– "وأنتِ يا جالا، متى نراكِ عروسًا؟"
ضحكت جالا بخجل، لكن الجو تغيّر فجأة... عمّ الصمت، وتبدلت الملامح، وغيّر الجميع الحديث.
شعرت جالا بشيء غريب، لكنها لم تُعلّق.
عادت إلى المنزل، وحدثت أمها بما جرى. وإذا بالحزن يكسو وجه والدتها.
قالت:
– "أمي، أنتِ أيضًا... لماذا؟ أخبريني ما الذي يحدث؟"
تنهدت الأم، وقالت:
– "تذكرين يوم لقائنا بالرجل العجوز زهير؟ هو من طلبك، ووالدك... وافق."
صُدمت جالا:
– "لكن لماذا؟ إنه رجل كبير وله أبناء! لماذا أنا؟ لماذا الآن؟"
لم تنتظر جوابًا، خرجت تركض إلى بيت زهير، طرقت الباب بقوة.
– "افتح يا عم زهير! أحتاج أن أتكلم معك!"
خرج الرجل متفاجئًا:
– "خير يا بنيتي؟"
نظرت إليه بعينين دامعتين:
– "أنا ابنتك؟ لماذا؟ أجبني... أريد الحقيقة كاملة!"
Comments