لقاء الوحش

فتحتُ الباب بعصبية، ووقفت أمامه، أتنفس بصعوبة.

خرج "زهير" وهو يرمقني باستغراب وقلق:

– "ما بكِ يا جالا؟"

قلت بحزمٍ مكسور:

– "أجبني يا عم زهير... لماذا؟ لماذا أنا؟ ما الذي يجري؟!"

نظر إليّ طويلاً، ثم تنهد تنهيدةً عميقة، ونظر نحو الأفق كأنه يُطارد ذكرى مؤلمة.

قال بصوت خافت حزين:

– "اجلسي يا ابنتي... سأخبرك بالحقيقة كاملة، حتى وإن جرحت قلبك."

جلست وأنا أحبس دموعي، وقلبي يطرق بقوة.

قال:

– "في قريتنا هذه، كل عشرين عامًا... يخرج من أعماق الغابة وحشٌ مخيف، لا أحد يعرف شكله تمامًا، لأنه لا يَخرج إلا ليأخذ فتاة واحدة... فتاة لا تعود بعدها أبدًا."

صمت قليلاً، ثم تابع:

– "هذا الوحش لا يستطيع أن يأخذ أي فتاة من بنات القرية، فقد أُبرم معه عهدٌ قديم: أن لا يمسّ بناتنا، على أن نقدّم له فتاة غريبة، من خارج حدودنا، كل عشرين سنة."

نظرت إليه بصدمة لا أستطيع وصفها.

– "ولهذا، حين رأيتك يومها عند حدود القرية... وأدركت أنكِ غريبة، وجميلة، وأنكِ لا تنتمين لنا... أحسست بالذنب والضعف، لكني... سررت.

لأننا كنّا على بعد شهور فقط من موعد النداء."

قاطعته بدمعة سالت على خدي:

– "فهل كنتَ تنتظر أن أكبر فقط... لتسلّمني؟"

أطرق رأسه وقال:

– "كنت أتمنى أن لا يحين الوقت، أو أن يحدث شيء يمنع الطقس، أن يتغيّر القدر... لكن الوحش بدأ يظهر إشاراته. رأيناه يتجول ليلاً، سمعنا عواءه، الأرض تهتزّ، والناس مذعورون..."

وقفت وأنا أرتجف، قلت:

– "أنا لست قربانًا لأحد... لن أُسلَّم لوحش... لن أموت!"

صرخ:

– "جالا!! اسمعيني... لو لم نُعطه فتاة هذا العام... سيهجم، سيقتل الجميع، أطفالنا، نساءنا، نحن!"

بكيت، بكيت بقلب محطم، كأن الأرض ضاقت عليّ بما رحبت.

قلت:

– "لماذا لا يحارب أحد هذا الوحش؟ لماذا الاستسلام؟"

قال بصوت متهدّج:

– "كل من حاول قتاله لم يعد. نحن نعيش بخوفٍ صامت منذ مئات السنين."

فجأة، أمسكت قلبي:

– "أبي... أمي... هل يعرفان؟"

– "أبوك فقط... وطلب مني أن نؤجّل الحديث إلى أن يقترب الوقت."

همستُ:

– "بل اقترب الموت يا عم زهير... اقترب..."

نهضت وركضت في الظلام، لا أعرف إلى أين.

في داخلي بركان، في رأسي ألف سؤال:

هل أهرب؟ هل أُضحّي؟ أم هل أكسر العهد؟

لكن شيئًا ما كان يهمس في قلبي:

"جالا... لستِ فتاة عادية. وراء هذا الوحش سر... وسركِ هو الحل."

ذهبت "جالا" وهي لا تدري ما الذي تفعله، مشت بلا وِجهة، تمشي بجسدٍ تائه وروحٍ محطمة.

مسحت دموعها وهي تحاول التماسك، وعادت إلى البيت. لم تأكل شيئًا، لم تتحدث، اختفت ضحكتها، وهدأ مرحها المعتاد.

صارت تمضي أغلب وقتها في الصمت، تنظر للفراغ بعينين مطفأتين. كانت أمها تنظر إليها بحسرة، لكن لا تملك شيئًا تفعله… سوى الدعاء.

وذات ليلة، حين كان القمر بدراً مكتملاً، خرجت "جالا" تتجول وحدها، عساها تجد في ضوء القمر ما يُضيء بداخلها ظلمة الخوف.

وقفت على تلّة صغيرة، تنظر للسماء.

– "كم أنت جميل يا قمر… هل ترى ما يحدث على هذه الأرض؟"

همست.

وفجأة…

سمعت صوتًا عميقًا، كهديرٍ بعيد… أشبه بزئيرٍ ضخم يملأ الغابة سكونًا وهيبة.

تجمّدت في مكانها أول لحظة، ثم بدأت أطرافها ترتعش… لكنها ما لبثت أن شعرت بشيء غريب…

كل الخوف اختفى من قلبها.

وكأن قلبها أصبح أكثر ثباتًا من الأرض التي تقف عليها.

رأت شيئًا ضخماً بين الأشجار، يمشي بهدوء، يضيء ضوء القمر ظهره المكسو بشيء داكن، لكنه ليس حيوانًا… كان… مخلوقًا لا يُشبه أي شيء رأته من قبل.

تبعته "جالا" بخطى ثقيلة، مترددة، لكن فضولها كان أقوى من ترددها.

كل خطوة كانت تُقربها من لغزٍ لا تعرفه، ومن مصيرٍ قد يُغير كل شيء.

توقف الوحش عند بحيرة صغيرة، وانحنى ليشرب… حينها، رأته بوضوح أكثر.

كان ضخمًا، عريض المنكبين، له قرون متفرعة، وجسدٌ مُغطى بالشعر، لكن… عيناه؟

ليست كعيون الوحوش… بل كانتا تحملان حزنًا غريبًا، وكأن داخله روح إنسان.

تعثرت جالا بصوت خافت، فالتفت الوحش فجأة، والتقت أعينهما…

لكن… لم يهاجمها.

بل نظر إليها طويلاً، ثم أطلق صوتًا أشبه بالتنهيدة… كأنه يتألم.

اقترب منها خطوة… ثم قال بصوت هادئ غليظ:

– "أأنتِ... هي؟"

توسعت عينا جالا:

– "تتحدث؟ من أنت؟ ماذا تريد؟!"

أجاب بصوت خافت:

– "أنا... من ينتظر الموت منذ قرون."

تراجعت خطوة:

– "ماذا تقصد؟"

قال:

– "لقد كنتِ دائمًا جزءًا من اللغز... لا تقفي ضدي، لأنكِ لستِ ضحيتي... بل أنتِ نجاتي."

مختارات

تنزيل على الفور

novel.download.tips
تنزيل على الفور

novel.bonus

novel.bonus.content

novel.bonus.receive
NovelToon
فتح الباب إلى عالم آخر
لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon