قلب لا ينسى و فتاة في الظلام

الفصل الثاني:قلب لا ينسى و فتاة في الظلام

حلّ المساء بثقله على القصر العتيق. هواء تموز جافّ، يصفّر بين الأشجار اليابسة، وكأنّ الأرض تحفظ حقد السنين فيه.

دقّ الباب الثقيل بصوتٍ كالصاعقة…

فتحت الخادمة فزِعة، ليظهر العم حسن، بخطاه الواثقة ووجهه المتيبّس كأنه لم يبتسم يومًا.

إلى جانبه، وقف فادي، ابنه المدلل، المتعجرف بنظراته، يختبئ خلفها جشع لم يُروَ.

"أين مراد؟" سأل حسن ببرود وهو يخلع معطفه ويشتم المكان بعينيه.

ردت الخادمة: "في الخارج مع الخيول يا سيدي."

وقبل أن يعلّق، دخلت الجدة وهي تمسك بيد فتاة فائقة الجمال، ترتدي الأبيض وتبتسم بأدبٍ مصطنع.

"هذي منى، ابنة أختي. ستقيم معنا قليلاً… أردت أن أُعرّفها على حفيدي مراد."

رمقها حسن بنظرة فاحصة ثم قال: "وجه بريء… ولكنني لا أؤمن بالوجوه، بل بالنوايا."

في تلك اللحظة، دخل مراد من الباب الخلفي.

ملابسه المغبرة، يده تحمل سترة جلدية، ووجهه يحمل صمتًا أقسى من أي كلمات.

نظر نحو منى للحظات… ثم تجاهل الجميع، وصعد إلى غرفته دون أن ينبس بكلمة.

الجدة تنحنحت وقالت: "دائمًا هكذا، لا يحب الكلام."

لكن حسن ابتسم بسخرية: "بل يعرف متى يصمت… مثل أبيه تمامًا."

وصعدت الكاميرا… نحو وجه مراد، نحو عينيه

:

فلاش باك – قبل 18 سنة

كانت الشمس تغازل الغيوم بلطف في سماء الصيف، والسيارة تنساب بهدوء على الطريق الريفي.

في الداخل، كانت العائلة تعيش لحظات من السعادة الخالصة.

ديانة، الأم، تلتفت نحو المقعد الخلفي وتضحك:

"مراد، لا تأكل الحلوى كلها! هذه من أجل عيد ميلاد أخوك."

ضحك مراد، وهو يمسك قطعة شوكولا ويخفيها خلف ظهره:

"بس واحدة… هو صغير ما بيفهم!"

ضحك الأب حكمت، وقال وهو يقود:

"أصلاً أنت كبير يا سيّد مراد؟ سبع سنين، وصرت شايل هم العالم؟"

هزّ مراد كتفيه، ثم اقترب من سالم، أخيه الصغير، وراح يُدلّيه بالألعاب، بينما السيارة تستمر في طريقها.

لكن فجأة…

اهتزّت السيارة وتوقفت.

دخان خفيف خرج من المحرك.

"شكلو في عطل…" قال حكمت وهو يركنها على جانب الطريق.

نزل هو وديانة ليتفقدا الوضع.

ومراد… بقي في الداخل، يحمل أخاه سالم، يُغني له بلحن طفولي:

"نام يا صغيري… نام…"

ثم سمع صوتًا.

طَخ!

طلقة نارية قطعت اللحن.

تبعها صوت أمه تصرخ:

"حكمت!!"

ركض مراد نحو النافذة، حاول أن يرى…

فرأى والده يسقط على الأرض، ودماؤه تلطخ الطريق.

ثوانٍ فقط، وثانية أخرى… والأم تركض، دموعها تسبقها.

"مراد!! خبّي أخوك! لا تفتح الباب! لا تتحرك! لا تصرخ!"

كان صوتها ممزوجًا بالخوف… والأمل.

ثم، طلقة أخرى.

الأم تسقط.

فستانها الأبيض يختلط بلون التراب والدم.

مراد بقي هناك، مجمّدًا، جسده الصغير لا يقوى على الصراخ.

كل ما فعله…

أنه لفّ ذراعيه حول أخيه بقوة، وغمره، كما لو أنه يريد أن يخفيه من العالم كله.

في تلك اللحظة…

تغير شيء في عيني مراد.

لم يعد مجرد طفل…

بل شاهد على جريمة... وابنُ دمٍ، لا ينسى.

في مكانٍ بعيد… لا أحد يعرف

غرفة باردة. مستودع مهجور.

تجلس مروى في الزاوية، على الأرض الخشنة، تائهة بين جدران الصمت.

قدماها مكبلتان، ويديها متورمتان من محاولات الهرب.

"مراد… لماذا؟" همست، لكن الصوت لا يجد مجيبًا.

الظلام يرعبها، لكن أكثر ما يؤلمها هو الوحدة.

حاولت فك الحبال، حاولت كسر الباب، حاولت الصراخ…

لكن لا شيء تغيّر.

أغمضت عينيها، وتخيلت عائلتها، صوت أمها يناديها من المطبخ، ضحكة أختها وهي تزين شعرها، وشجرة التين في حديقة البيت.

"ماما… بابا… ساعدوني."

لكن أحدًا لا يعلم أنها هنا…

لا أحد… إلا مراد.

وفي مكانٍ آخر، كان مراد يراقب الليل من نافذة غرفته، يضع يده على الستارة، ويهمس:

"أنتِ هنا… لأفكّ لغزًا… لا لينقذك أحد."

الجديد

Comments

مريم احمد

مريم احمد

👏 متشوقة لمعرفة ما سيحدث بعدها ..

2025-07-26

0

الكل
مختارات

تنزيل على الفور

novel.download.tips
تنزيل على الفور

novel.bonus

novel.bonus.content

novel.bonus.receive
NovelToon
فتح الباب إلى عالم آخر
لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon