THE DRAWING

THE DRAWING

الـلـــــــوحــة ناقــــصـــــــة

كانت اللوحة أمامه… ناقصة.

شعرٌ يتدلّى على عنقٍ وهميّ، فمٌ مرتجف، أنفٌ دقيق – وكل شيء صامت، إلا العيون.

أو بالأحرى، غيابها.

جلس أليساندرو على كرسيّه الخشبي المهترئ، يحدّق إلى وجوهٍ لا تكتمل. كانت تلك العيون تلاحقه في أحلامه، وفي مرآته، وفي العيون التي يراها كل يوم… لكنها لم تكن هي.

رفع الفرشاة، ثم أنزلها… مرارًا. لم يكن الأمر أنه لا يعرف كيف يرسمها، بل كأنّ شيئًا داخله يرفض. كأن اللوحة ترفض.

طرقٌ مفاجئ على الباب.

لم يتحرك. مرت ثوانٍ… ثم طرقٌ جديد، أقوى.

زفر بضيق، ووقف ليجرّ قدميه نحو الباب.

فتحه ببطء، دون أن يقول شيئًا.

— "مايثو…"

أمامه وقف شاب في منتصف العشرينات، يحمل صندوق بيتزا بيد، وابتسامة غير مناسبة لساعة متأخرة كهذه.

مايثو (مبتهجًا): "قلت لنفسي: لا يمكن أن تظلّ محبوسًا مع الأشباح طوال الأسبوع. هيا، الليلة هناك حفلة، منتصف الليل. جيسي ستكون هناك. هل تتذكر جيسي؟"

لم يردّ أليساندرو. فقط انحرف بنظره نحو اللوحة، وكأنّه يخشى أن تغيب عنه إذا نظر طويلاً بعيدًا.

أليساندرو (ببرود): "لا وقت لدي للهراء."

مايثو (يتنهد): "يا رجل، أنت تحتاج إلى ضوء. إلى نساء. إلى موسيقى. هذه اللوحات ستقتلك يومًا."

أليساندرو أغلق الباب بلطف في وجهه. لم يغضب، لم يردّ، فقط… عاد إلى مكانه.

 

الساعة: 11:59 مساءً.

داخل الأستوديو، الضوء باهت. الموسيقى الوحيدة هي خشخشة الريشة على القماش.

في الطابق العلوي من ملهى قديم، امتزجت الموسيقى العالية برائحة العرق والدخان والعطور الرخيصة.

الأضواء الملونة ترقص على وجوه تضحك، شفاه تهمس، وعيون تلتهم كل ما هو حي.

في منتصف القاعة، ترقص جيسي.

خطواتها أنثوية وواثقة، جسدها يلتف كشرارة مشتعلة، وكل عيون الرجال تلاحقها كأنها تعزف على أوتارهم بنظرة واحدة.

…كل العيون، إلا عينيه.

جلس أليساندرو في الزاوية، نصفه مغمور بالظل، يحمل كوبًا لم يشرب منه.

لم يكن يرى جسدها، بل كان يرى العيون. يبحث عنها في وجوه الحاضرات.

وفي قلبه، لم تكن الموسيقى سوى ضوضاء بعيدة، تحجب همس اللوحة في ذهنه.

جيسي، وهي تدور، لمحته.

نظرة باردة.

تَحدٍّ.

ثم ابتسامة مزيفة على شفتيها.

 

بعد انتهاء الحفلة، تقدّمت نحوه بثقة مصطنعة، ووقف الناس يراقبون من بعيد، وكأنهم ينتظرون أن يُهزم أحد.

جيسي (بصوت ناعم لكنه ساخر):

"هاي، إليسا… أو، ما اسمك؟"

نظرت إليه بعينين مثقلتين بالكحل والغرور، ثم أمالت رأسها قليلًا، كمن تنتظر ردًا عبثيًا.

أليساندرو لم يبتسم، لم يحدّق في جسدها، فقط رفع عينيه إليها للحظة… ثم قال:

أليساندرو:

"اسمي لا يهم.

عيونك أيضًا ليست ما أبحث عنه."

للحظة، ارتبكت. لم تكن معتادة على هذا النوع من الردود.

ثم ضحكت ضحكة قصيرة خالية من الروح.

جيسي:

"حسنًا، الرسام الغامض… يبدو أن لوحتك أهم مني."

استدار عنها، كأنها لم تكن.

وقفت هناك، تنظر إليه… وفي عينيها نظرة مختلفة هذه المرة. ليست احتقارًا… بل فضولًا قاتلًا.

> بعد ساعات من الضوضاء، قرر أليساندرو أخيرًا مغادرة الملهى.

لم يكن بسبب الحفلة، ولا بسبب جيسي التي لم تكف عن التحديق فيه طوال الليل، بل لأن قلبه كان فارغًا. لم يملأه شيء… لا الموسيقى، ولا العيون التي لم تكن "هي".

ظلّ يسير في الأزقة الخلفية، حتى صار كل شيء يشبه كل شيء.

ضوء النيون من مقهى مغلق، رائحة سكر محترق من عربة نائمة، ظلال مارة لا تنظر خلفها.

مرّ بجانب جدار مغطّى بالغرافيتي.

توقف.

وسط الألوان الفوضوية، كانت هناك عيون.

مرسومة بفوضى، لكنها مألوفة.

عينان كبيرتان…

واحدة زرقاء، والأخرى خضراء.

تقريبًا.

تقدّم خطوة، كأنّ الجدار يناديه.

— "تخيلات..." تمتم، ولم يقترب أكثر.

لكن شيئًا داخله اهتز.

أخرج دفتره من جيب سترته.

صفحاته خالية منذ شهور.

للمرة الأولى، رسم.

ليس الوجه.

ولا الجسد.

ولا الشعر.

فقط العيون.

بدأ بالزرقاء… ثم الخضراء.

حين انتهى، نظر إليها طويلًا…

ثم مزّق الصفحة ببطء.

رمى الورقة في سلة مهملة وابتعد.

كأنّ رسمها… جريمة.

 

مشَى طويلًا حتى أشرقت الشمس من خلف المباني الباردة.

لم يعد لمنزله تلك الليلة.

ولم يكن يعرف لماذا.

لكنّه شعر… أن اللقاء اقترب.

عاد إلى شقته في السادسة صباحًا، الشمس تسلّلت خجولة من بين الأبنية المتعبة.

فتح الباب بصمت، خلع سترته، مرّ بجانب اللوحة دون أن ينظر إليها.

ذهب مباشرة إلى الحمام.

غسل وجهه… ثم نظر في المرآة.

كان يشاهد عينيه، لكن لا يرى نفسه.

 

خرج، جلس على الأريكة البالية في الزاوية، وأشعل سيجارة.

لم يكن يريد النوم.

بل لم يكن يعرف إن كان "ينام" فعلاً…

هو فقط ينطفئ أحيانًا.

أسند رأسه للحائط، ثم أغمض عينيه…

وهنا، جاءت الذاكرة.

لم تكن واضحة. لم تكن حادّة.

بل كانت صامتة… مثل كل شيء فيه.

 

بيت صغير…

رجل ضخم يصرخ…

امرأة تبكي بصوت مكتوم، وتحاول حماية شيء صغير خلفها.

الشيء الصغير هو هو.

كان عمره خمس سنوات.

لم يبكِ. لم يفهم.

لكنه تذكّر تمامًا كيف سقط جسد أمّه.

ضربة واحدة.

رأسها اصطدم بالحائط.

ثم كل شيء توقّف.

صوت الصراخ… تحول إلى طنين.

رائحة الدم… تغلغلت في ذاكرته إلى الأبد.

ثم اختفى الأب.

هرب أو اختبأ أو مات، لا يتذكّر.

كل ما يتذكره…

هو كيف جلس إلى جانب جسد أمّه، وسحب جفنها بأصبعه الصغير، يحاول أن يرى عينيها للمرة الأخيرة.

كانت عيناها نصف مفتوحتين… تنظران إلى اللاشيء.

 

فتح أليساندرو عينيه.

لم يكن يتعرق.

لم يكن حزينًا.

فقط… عاد إلى الصمت.

نفث دخان سيجارته نحو السقف، وهمس:

— "لم أكن مريضًا… لقد وُلدت هكذا."

 

نهض وذهب نحو اللوحة.

نظر إليها طويلًا…

ثم أمسك الريشة.

رفعها… اقترب من مكان العيون…

ثم توقّف.

لم يلمسها.

عاد ووضع الريشة في كوب الماء، وغادر الغرفة.

النهار رمادي.

شوارع المدينة ممتدة كأنها لا تنتهي، والمارّة يمشون كأنهم يؤدّون طقوسًا لا يفهمونها.

في تمام الساعة العاشرة صباحًا، رنّ جرس الباب.

أليساندرو لم يتحرّك.

رنّ مجددًا. ثم ارتفعت أصوات:

— "يا ابن الليل، افتح الباب! أحضرت لك شيئًا يجعلك تبتسم… أو تقتلني."

فتح الباب، نصف عيناه فقط.

أمامه: مايثو، كعادته، يحمل شيئًا في يده، ويبالغ في ابتسامته.

— "مفاجأة! جيسي هنا."

من خلفه، ظهرت جيسي. ترتدي معطفًا طويلًا، شعرها مربوط، لكنها ما تزال تحمل شيئًا من تلك الحيوية التي تلمع في كل حفلة.

نظرت إلى أليساندرو وابتسمت ببطء:

— "هاي… هل تتذكرني؟ من الحفلة؟"

أليساندرو لم يرد. فقط استدار وعاد إلى الداخل.

مايثو (يضحك): "إنه يرحّب بك على طريقته."

 

دخلوا إلى شقته، رغم بروده الواضح.

جيسي جلست على الكرسي الخشبي المخصّص للرسم دون استئذان.

نظرت إلى اللوحة الناقصة، ورفعت حاجبًا:

— "واو… هذه… مرعبة."

أليساندرو (ببرود، دون أن ينظر إليها):

— "هي ليست لكِ."

ضحكت جيسي، لكنها شعرت بصفعة باردة في صدرها.

مايثو، يحاول أن يلطّف الجو، أمسك كوبًا فارغًا:

— "أنا سأصنع قهوة. أو مشروبًا. أو أي شيء يُنقذ هذه الجلسة من التجمد."

 

مرّ الوقت ببطء.

أليساندرو كان يحدّق من النافذة، كأن الخارج أكثر أهمية من الزائرين.

جيسي (بنبرة خفيفة):

— "أتعرف؟ أنت غريب… وهذا مثير. معظم الرجال يحاولون لمسي في أول خمس دقائق، أما أنت فلا تكلّف نفسك حتى بالكلام."

لم يرد.

جيسي أكملت وهي تنظر إليه:

— "مايثو قال إنك فنان… لكنك أكثر من ذلك، أليس كذلك؟"

أليساندرو (دون أن يلتفت):

— "لا تبحثي عن شيء لن تجديه."

 

مرت نصف ساعة.

مايثو فقد الأمل في "ذوبان الجليد"، فأنهى الجلسة بمزحة فاشلة، وخرجا معًا، هو وجيسي.

وقبل أن تغلق الباب، نظرت جيسي مرة أخيرة إلى اللوحة…

ابتسمت، وهمست:

— "لو احتجت وجهًا جديدًا لتكمله… اتصل بي."

ثم أغلقت الباب.

 

صمت طويل.

أليساندرو أشعل سيجارة جديدة.

كان وحده مجددًا.

لكنه شعر بشيء جديد…

كأن اللوحة… تكرهه.

 

في الخارج، تمر فتاة في العشرينات ترتدي ملابس عمل بسيطة، وتحمل كوبين من القهوة وهي تضحك بهدوء.

وجهها غير واضح، لكنها تمتلك شيئًا نادرًا:

عين زرقاء، وأخرى خضراء.

لم يراها.

ليس بعد.

مختارات

تنزيل على الفور

novel.download.tips
تنزيل على الفور

novel.bonus

novel.bonus.content

novel.bonus.receive
NovelToon
فتح الباب إلى عالم آخر
لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon