...بعد عشر ساعات من السفر، وصلوا أخيرًا. ترجلوا من العربة وألقوا نظرة على تلك الفيلا الكبيرة، تحيط بها بساتين وأشجار، وتُطلّ بوابةٌ واسعة تبدو أجمل من الأبواب الخشبية البالية التي اعتاد أن يدخل منها البرد القارس إلى غرفهم، أو من تلك النوافذ التي بالكاد تُغلق، والتي يُعلَّق عليها الملابس القديمة أو تُغطى ببطانية مهترئة....

...كانت النوافذ هنا لامعة، تخفي خلفها ستائر ملوّنة ومزخرفة، بعيدة تمامًا عن تلك التي اعتاد رؤيتها في بيته. تمتم في نفسه، ثم قُطع تأمّله بصوت العجوز “ابتهام” تقول:...

...– هيا يا فتى، ادخل إلى المنزل بسرعة....

...“منزل؟” قال في نفسه. “أيدعون هذا منزلًا؟ إنه قصر بالفعل.” لم ترَ عيناه مثله من قبل....

...خطا أول خطوة إلى الداخل. كان النور ساطعًا، والدفء يملأ الأرجاء. فكر للحظة: ماذا لو كان إخوته معه في هذه اللحظة؟ ربما كانوا ليشعروا بالسعادة، وربما كانت العجوز ستستقبلهم كأحفاد لها....

...هزّ رأسه، ثم شعر بيدٍ وُضعت على كتفه، التفت فوجدها هي، وقالت:...

...– كان هذا البيت، منذ سنوات، لطفل صغير كان يمشي ويركض في جميع أرجائه. مع مرور الوقت، بدأ ينعزل عن الجميع. تكاثرت أمراضه، وصار علاجه مستحيلًا. تدهورت حالته الصحية بشكل ملحوظ، حتى تخلّت عنه عائلته. تركوه هنا، يقاوم المرض وحده. لا يثق بأحد، ويقوم بكل شيء بنفسه....

...سكتت لوهلة، ثم تابعت:...

...– سيكون عملك الجديد في هذا المكان. إن أخرجت ذلك “الميت” من عزلته، ستُصبح هذه الأملاك باسمك....

...شعر بوخزة طمع، لكنه سرعان ما أدرك أنها تتحدث عن شخص عزيز عليها، حفيدها الوحيد....

...مضت لحظات وهو يفكر في كلامها، بينما كانت لا تزال تنتظر إجابته. لم يقل شيئًا، بل توجه نحو السلم المؤدي إلى العلّية. كانت خطواته بطيئة ومترددة، يحاول أن يحافظ على تماسكه. بدأ بفتح أبواب الغرف واحدًا تلو الآخر أمام العجوز، إلا أنها كانت جميعها مغلقة، عدا واحدة في الجهة اليسرى. كان بابها مختلفًا، أبيض اللون، تحيط به أطراف سوداء، مزخرفٌ بزخارف ذهبية....

...ابتلع ريقه، ثم تابع سيره بخطوات متوترة. وضع يده على المزلاج، فلاحظ أنه بارد كالجليد، رغم دفء المنزل. فتح الباب بحذر، ثم دخل الغرفة....

...كانت أثاثها أبيض، أرضيتها خشبية، وفرش السرير ناصع البياض. النوافذ مفتوحة، يقف عندها شاب في مثل سنه تقريبًا، بشعرٍ أسود قصير، يلتفت إليه بعينين ممزوجتين بالأخضر والبني. مظهره أنيق، ملابسه ملونة، بعكس بسام تمامًا. بدا من سكن القصور، ممن يجدون كل ما يطلبونه، لم يذق طعم الجوع، ولم ينم متألمًا من كدمات، كما اعتاد هو....

...استدار الشاب بكامل جسده نحوه وقال بهدوء:...

...– من أنت؟...

...كانت ردّة فعله خالية من الانفعال، أقرب إلى اللامبالاة....

...دخلت الغرفة تاركًا الباب مفتوحًا خلفي. بقيت واقفًا في مكاني، خشية أن أوسّخ الأرضية اللامعة، حتى الأرض هنا صارت تُقيّم الداخلين إليها. ابتلعت ريقي، ثم أجبت بصوت واضح:...

...– بسام. وأنت؟...

...لم تمضِ ثانية حتى نطق اسمه:...

...– إيليو....

...حدّدت نظراتي نحوه، ولم أُجِب. طال الصمت، حتى قال:...

...– ولمَ دخلت غرفتي دون إذن، يا بسام؟...

...أدهشني هدوؤه، لم يكن غاضبًا، ولم يحاول مهاجمتي....

...قلت:...

...– أريد أن نصبح أصدقاء....

...لم أُكمل، إذ بدأ يضحك ضحكًا هستيريًّا، تبعه سعالٌ حاد. جلس على حافة النافذة المفتوحة وقال:...

...– ماذا قلت؟ هل أنت وغد يا هذا؟...

...كانت هذه المرة الثانية التي يُنعت فيها اسمي بذلك الوصف. شددت فكيّ، لكنني لم أُجب، وبقيت واقفًا أنظر إليه. قال مجددًا:...

...– لمَ لا تُجيب؟ هل أنت وغد؟ انظر إلى ملابسك، إلى حذائك القذر… اخرج من غرفتي حالًا!...

...ها قد جاء الشخص الألف ليُعيّرني بمظهري. تقدّمت نحوه وهجمت عليه، قبضت على عنقه بأصابعي. حاول المقاومة، لكنه كان لا يزال يضحك. مستفز. أمثال هؤلاء ممن يملكون المال، متكبّرون، غارقون في نرجسيّتهم....

...وجهت له لكمةً قويةً في وجهه، فدفعني بقدمه في بطني. تعثّرت في السجادة وسقطت أرضًا. جلس يضحك، ذلك المتعجرف، وقال:...

...– تبًّا، أنت قوي....

...مضت لحظات، ثم نهض ومدّ يده ليساعدني على القيام. أمسكت بها ونهضت. نظرت إليه بحقد، لكنه جلس مجددًا على حافة النافذة....

...قال:...

...– لم تُخبرني، ما الذي تفعله هنا؟...

...فكّرت في نفسي: هل هذا الشخص مختل؟ أم أنه يعاني من اضطراب نفسي؟ لا شك أنه مصاب بانفصام في الشخصية....

...أجبته:...

...– أتيت لأقضي عطلتي هنا....

...ضحك قليلًا، ثم صمت ونظر إليّ بحدة:...

...– ومن قال لك إن منزلي فندق تقضي فيه عطلتك؟...

...قلت له:...

...– لن يفهم غبيّ مثلك وضعي، فاصمت....

...قال:...

...– هممم، ربما. الآن نظّف الأرض التي وسّختها....

...قلت:...

...– هل تريدني أن أقتلك؟ لا تستهِن بي....

...قال مبتسمًا:...

...– حسنًا، أيها الوغد....

مختارات
مختارات

2تم تحديث

تنزيل على الفور

novel.download.tips
تنزيل على الفور

novel.bonus

novel.bonus.content

novel.bonus.receive
NovelToon
فتح الباب إلى عالم آخر
لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon