هيرينا فوق القانون

هيرينا فوق القانون

ولادة في ظل دخان المصانع

الفصل الأول: ولادة في ظلّ دخان المصانع

مدينة نيون، ليست مجرد مدينة، بل هي كيانٌ مُعقّد، مُتشابكٌ بين ثراءٍ فاحشٍ وفقرٍ مدقع. أبراجها الشاهقة، التي تُزيّنها أضواءٌ نيونيةٌ زاهية، تُخفي وراءها أحياءً فقيرةً، مُكتظةً بالسكان، حيث يعيش الناس في ظروفٍ قاسية، بين جدرانٍ متصدعةٍ وأحلامٍ مُحطمة. هواء المدينة مُلوّثٌ بدخان المصانع، الذي يُغطّي كلّ شيء بطبقةٍ سميكةٍ من الرماد، كأنّه يُحاول إخفاء قبح الحقيقة. في هذا العالم القاسي، وُلدت هيرينا، ابنةٌ لعائلةٍ ملكيةٍ فاسدة، ولكنها ليست مجرد أميرةٍ مدللة، بل روحٌ مُتمردةٌ، عقلٌ مُفكر، وقلبٌ مُشتعلٌ بالغضب.

والدتها، الملكة إليزابيث، كانت امرأةً جميلةً، لكنها ضعيفة، ضحيةٌ لعائلةٍ ملكيةٍ تآكلت من الداخل. لم تستطع حماية ابنتها من قسوة والدها، الملك ألكسندر، الذي كان يُمثل الفساد في أبهى صوره. كان رجلاً قاسياً، لا يعرف الرحمة، يُسيطر على المدينة بقبضةٍ حديدية، ويُستمتع بتحطيم كلّ من يُعارضه. كان يُحبّ السلطة أكثر من أيّ شيءٍ آخر، وكان يُستخدم كلّ ما لديه من نفوذٍ وثروةٍ لتعزيز سلطته، دون أيّ اعتبارٍ لشعبه. رحلت الملكة إليزابيث مبكرًا، تاركةً هيرينا في عالمٍ قاسٍ، مُحاطةٍ بالظلام والخداع. لم تكن هيرينا تعرف والدتها جيداً، فذكرياتها عنها مُحدودة، لكنها كانت تحمل صورةً جميلةً لها في قلبها، صورةً تُمثّل الأمل والجمال في عالمٍ قاسٍ.

هيرينا، منذ صغرها، لم تكن كباقي الأطفال. كانت تُلاحظ التفاصيل الدقيقة، تُحلّل المواقف بذكاءٍ مُذهل، وتُفكّر بشكلٍ استراتيجيّ. لم تكن تُصدق الكلمات المُزيفة، ولم تُؤمن بالوعود الكاذبة. كانت تكره والدها، تكرهه ليس فقط لأنه كان قاسياً، بل لأنه كان يُمثل كلّ ما هو سيء في هذه المدينة. كانت تكره القوانين التي تُحكم المدينة، قوانينٌ صُمّمت لحماية مصالحه، وليس مصالح الشعب. كانت تُشاهد الفقر والظلم من حولها، وتُشعر بالغضب تجاه هذا النظام الفاسد الذي يُعاني منه شعبها.

في المدرسة الداخلية الراقية، حيث كانت تُرسل هيرينا للدراسة، لم تكن تُعامل كباقي الطالبات. كانت تُعتبر مُتمردة، غريبة، ولكنها كانت أيضًا الأذكى بينهن. كانت تُتقن فنّ التلاعب، تُستخدم ذكاءها وجمالها كأسلحةٍ في يدها. كانت تُقرأ الناس ككتابٍ مفتوح، تُفهم نقاط ضعفهم، وتُستخدمها لصالحها. ولكنها كانت تُخفي كلّ ذلك خلف قناعٍ من الهدوء، تُخفي مشاعرها الحقيقية عن الجميع. كانت تُدرك أنّها تعيش في عالمٍ مُليء بالخداع، وعليها أن تكون ذكيةً وحذرةً لتُحمي نفسها.

ماضيها المُظلم، كان بمثابة لعنةٍ تلاحقها. ذكرياتٌ مؤلمةٌ، وأحداثٌ مُروّعةٌ تُطاردها في أحلامها، وتُثير بداخلها غضبًا مُكبوتًا. كانت تلك الذكريات تُذكّرها دائمًا بالظلم الذي عانت منه، وبألمها الذي لا يُشفى. ولكنها لم تكن ضحية، بل كانت مُقاتلة، تُحارب من أجل البقاء، تُحارب من أجل العدالة. كانت تُحاول جاهدةً أن تُنسى ماضيها، لكنها كانت تُدرك أنّها لن تستطيع ذلك أبدًا.

في أحد الأيام، بينما كانت هيرينا تُقرأ في مكتبة المدرسة، سمعت خبرًا أصابها بالصدمة. هاجم قاتلٌ محترفٌ مدرستها، بدأ الرعب يتسلل إلى قلوب الطلاب والمعلمين. كانت الفوضى تعمّ المكان، وصرخات الخوف تُملأ الأجواء. في تلك اللحظة، أدركت هيرينا أن حياتها، وحيات كلّ من حولها، على شفا الهاوية. لم يكن هذا مجرد هجومٍ عشوائيّ، بل كان تحذيرًا، رسالةٌ مُخيفةٌ تُشير إلى أنّها مُستهدفة.

لم تكن هيرينا مجرد ابنةٍ لعائلةٍ ملكيةٍ فاسدة، بل كانت رمزًا للثورة المُحتملة. كانت تمتلك القدرة على تغيير مصير المدينة، لكنها كانت بحاجةٍ إلى اتخاذ قرارٍ مصيريّ. هل ستُصبح رمزًا للثورة، وتُحارب الظلم والفساد، أم ستُسقطها يدُ الظلام، وتُصبح ضحيةً أخرى في لعبة السلطة القذرة؟ كان هذا السؤال يُطارِدها، يُثير بداخلها خليطًا من الخوف والإثارة.

في تلك الليلة، بينما كانت المدينة تُغطّيها ظلالٌ مُخيفة، جلست هيرينا وحدها في غرفتها، تُفكّر في كلّ شيء. كانت تُدرك أنّها تقف عند مفترق طرق، وأنّ القرار الذي ستتخذه سيُحدد مصيرها ومصير المدينة. كانت تُدرك أنّها ليست مجرد فتاةٍ صغيرة، بل امرأةٌ قوية، قادرةٌ على مواجهة أيّ تحدٍّ، مهما كان صعبًا. كانت تُدرك أنّها هيرينا، فوق القانون، أو تحته. والاختيار، كما دائمًا، بيدها. لكن هذه المرة، الاختيار ليس فقط لها، بل للمدينة بأكملها، لمستقبلها، ولمُستقبل شعبها.

تنزيل على الفور

novel.download.tips
تنزيل على الفور

novel.bonus

novel.bonus.content

novel.bonus.receive
NovelToon
فتح الباب إلى عالم آخر
لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon