**الفصل الثاني: "سَرَابٌ.. وَدَمْعَةٌ لَمْ تَخْتَلِطْ بِالْمَطَرِ"**
---
**رِسَالَةٌ مِنَ الْوَالِدِ**
وَقَفَ نُورٌ أَمَامَ بَابِ غُرْفَتِهِ الصَّغِيرَةِ، يَنْظُرُ إِلَى **الرِّسَالَةِ** الَّتِي وَصَلَتْهُ قَبْلَ سَاعَاتٍ. كَانَتِ الْغُرْفَةُ مُظْلِمَةً إِلَّا مِنْ ضَوْءِ هَاتِفِهِ الْمُتَهَالِكِ، وَرَائِحَةُ الْقَهْوَةِ الْبَارِدَةِ تَمْلَأُ الْجَوَّ.
**الرِّسَالَة
"فَقَدْتُ عَمَلِي.. اِعْتَمِدْ عَلَى نَفْسِكَ".
أَغْلَقَ عَيْنَيْهِ، وَضَغَطَ الْوَرَقَةَ عَلَى صَدْرِهِ. سَمِعَ صَوْتَ رِيحٍ تَصْفُرُ خَارِجَ النَّافِذَةِ.. كَأَنَّهَا تَضْحَكُ مِنْ عَجْزِهِ.
- خَرَجَ مِنْ غُرْفَتِهِ إِلَى شُرْفَةِ الْمَبْنَى، حَيْثُ كَانَ الْمَطَرُ يَنْزِلُ بِغَضَبٍ.
- تَذَكَّرَ وَالِدَهُ وَهُوَ يَقُولُ: "الرِّجَالُ لَا يَبْكُونَ"، فَشَعَرَ بِالْغَضَبِ يَنْهَشُ صَدْرَهُ.
- أَلْقَى بِالرِّسَالَةِ فِي سَلَّةِ الْمَهْمَلَاتِ، وَعَادَ إِلَى دَاخِلِ الْغُرْفَةِ، كَأَنَّهُ يُلَقِّنُ نَفْسَهُ: "لَنْ أَكُونَ ضَعِيفًا!".
---
** ضَحْكَةٌ تَكْسِرُ الْقَلْبَ**
كَانَ نُورٌ يَمْشِي بِخُطَوَاتٍ ثَقِيلَةٍ فِي شَارِعِ الْجَامِعَةِ، حَامِلًا كُتُبًا أَشْبَهَ بِصُخُورٍ تُثْقِلُ كَتِفَيْهِ. فَجْأَةً، سَمِعَ مِنْ خَلْفِهِ **ضَحْكَةً** نَاعِمَةً كَهَدِيرِ جَدْوَلٍ صَغِيرٍ، ضَحْكَةٌ تَعْرِفُهَا أُذْنَاهُ قَبْلَ قَلْبِهِ. الْتَفَتَ بِسُرْعَةٍ كَمَنْ يَخْشَى أَنْ تَفُوتَهُ ذَرَّةٌ مِنْ وُجُودِهَا، فَشَهِدَ **لِيَانَ** وَاقِفَةً مَعَ زَمِيلِهَا "يَاسَرَ"، تَنْظُرُ إِلَيْهِ بِعَيْنَيْنِ مُشْرِقَتَيْنِ وَهُوَ يُلَوِّحُ بِيَدَيْهِ فِي الْهَوَاءِ كَأَنَّهُ يُضْحِكُ طِفْلًا.
**الْفَرَحُ الْعَابِرُ:**
لَحْظَتَهَا، تَجَمَّدَ الزَّمَنُ. رُفِعَتْ كُتُبُهُ مِنْ يَدَيْهِ دُونَ أَنْ يَشْعُرَ، وَابْتِسَامَةٌ بَلْهَاءُ ارْتَسَمَتْ عَلَى شَفَتَيْهِ. كَانَتْ **ضَحْكَتُهَا** كَقِطْعَةِ مُوسِيقَى نَادِرَةٍ، تَلْمِسُ أَوْتَارَهُ الْمَيْتَةَ فَتُعِيدُهَا حَيَّةً. رَاحَ يَتَنَصَّتُ بِكُلِّ جَوَارِحِهِ، وَكَأَنَّهُ عَطْشَانٌ فِي صَحْرَاءَ قَاحِلَةٍ، وَرِجْلَاهُ تَسْحَبُهُمَا رَائِحَةُ الْمَاءِ. اقْتَرَبَ خُطْوَتَيْنِ.. ثَلَاثَ.. حَتَّى صَارَ عَلَى بُعْدِ مِتْرَيْنِ مِنْهَا.
**السَّرَابُ:**
لَكِنَّ فَجْأَةً، سَمِعَ كَلِمَاتِهَا تُنْهِي الْجُمْلَةَ: **"أَنْتَ مُضْحِكٌ جِدًّا يَا يَاسَرُ!"**. أَصَابَتْهُ الْعِبَارَةُ كَسَهْمٍ فِي صَدْرٍ مَكْشُوفٍ. تَوَقَّفَتْ قَدَمَاهُ. تَحَوَّلَتِ ابْتِسَامَتُهُ إِلَى تَشَنُّجٍ غَرِيبٍ. شَعَرَ بِالرِّمَالِ تَنْزَلِقُ تَحْتَ قَدَمَيْهِ.. نَعَمْ، إِنَّهَا **الْوَاحَةُ** الَّتِي رَكَضَ إِلَيْهَا كَانَتْ **سَرَابًا**.
**الْحِوَارُ الدَّاخِلِيُّ:**
"هَكَذَا يَضْحَكُ الْمَوْتُ فِي وَجْهِ الْعَاشِقِينَ؟
أَنَا الَّذِي ظَنَنْتُ أَنَّ صَمْتِي سَيُحَوِّلُنِي إِلَى بَطَلٍ فِي عَيْنِهَا،
لَكِنَّنِي كُنْتُ مَجَرَّدَ **ظِلٍّ** يُرَاقِبُ مِنْ بَعِيدٍ..
حَتَّى الظِّلُّ يَخْتَفِي إِذَا ابْتَعَدَتِ الشَّمْسُ!".
---
: الْحَرِيقُ الَّذِي أَكَلَ الكَلِماتَ
عِنْدَمَا عَادَ إِلَى غُرْفَتِهِ، كَانَ الْهَوَاءُ يَحْمِلُ رَائِحَةَ الْيَأْسِ. فَتَحَ دُولَابَهُ الْخَشَبِيَّ الْعَتِيقَ، وَأَخْرَجَ **الدَّفْتَرَ الْأَسْوَدَ** الَّذِي كَتَبَ فِيهِ مِئَاتِ الرِّسَالَاتِ إِلَيْهَا.
- **الْإِشْعَالُ:** أَخَذَ عُودَ ثِقَابٍ وَاحِدًا، اِحْتَرَقَتْ أَصَابِعُهُ قَبْلَ أَنْ تَلْتَهِمَ النَّارُ الْوَرَقَ.
لَمْ يَكُنْ يَحْرِقُ الْوَرَقَ فَقَطْ.. بَلْ كُلَّ ذِكْرَى لَهَا فِي قَلْبِهِ.
سَمِعَ خِلَالَ الْحَرِيقِ صَوْتَ ضَحْكَتِهَا فِي ذِهْنِهِ، فَأَغْلَقَ عَيْنَيْهِ وَصَرَخَ: "اُخْرُجِي مِنْ رَأْسِي!".
رَأَى فِي اللَّهَبِ صُورَةَ وَالِدِهِ وَهُوَ يَقُولُ: "الرِّجَالُ لَا يَفْرُطُون!".
---
: لِقَاءُ الشَّيْخِ خَالِدٍ**
فِي الْمَسْجِدِ الْقَدِيمِ، حَيْثُ تَعْكِسُ الْأَعْمِدَةُ الْحَجَرِيَّةُ قِصَصَ الْقُرُونِ، جَلَسَ نُورٌ بِجَانِبِ الشَّيْخِ خَالِدٍ، رَجُلِ السَّبْعِينَ الَّذِي يَحْمِلُ حِكْمَةَ الْأَنْبِيَاءِ فِي عَيْنَيْهِ.
- **نُورٌ:** "لِمَاذَا يَجْعَلُنِي اللهُ أُحِبُّ مَنْ لَا أَسْتَحِقُّهَا؟".
- **الشَّيْخُ خَالِدٌ:** "لِكَيْ تَعْرِفَ أَنَّ الْحُبَّ الْحَقِيقِيَّ لَيْسَ شَهْوَةً.. بَلْ تَضْحِيَةً".
- رَائِحَةُ الْعُودِ تَمْتَزِجُ بِرَائِحَةِ الْكُتُبِ الْقَدِيمَةِ فِي الْمَسْجِدِ.
- صَوْتُ أَذَانِ الْمَغْرِبِ يَدْخُلُ مِنَ النَّافِذَةِ، فَيَشْعُرُ نُورٌ بِرِقَّةٍ غَرِيبَةٍ.
- يَلْمَحُ نُورٌ صُورَةً لِكَعْبَةٍ فِي كِتَابٍ قَدِيمٍ، فَيَتَذَكَّرُ أُمَّهُ وَهِيَ تُوصِيهِ: "اللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ".
---
: الْخَاتِمَةُ.. نُورٌ وَالْمَطَرُ**
يَصِلُ نُورٌ إِلَى غُرْفَتِهِ، يَفْتَحُ دَفْتَرَهُ الْأَسْوَدَ، وَيَكْتُبُ:
"الْيَوْمَ تَعَلَّمْتُ أَنَّ **الضَّحَكَاتِ الْجَمِيلَةَ** كَالنُّجُومِ..
تُضِيءُ سَمَاءَ الْآخَرِينَ،
بَيْنَمَا أَنَا..
مَجَرَّدُ **ثُقْبٍ أَسْوَدَ** يَبْتَلِعُ كُلَّ الضَّوْءِ وَلَا يُعِيدُهُ!".
ثُمَّ يُغْلِقُ الدَّفْتَرَ، بَيْنَمَا تُطْرَقُ **أُولَى قَطَرَاتِ الْمَطَرِ** نَافِذَتَهُ، كَأَنَّ السَّمَاءَ تَبْكِي مَكَانَهُ.
---
**لَمْحَةٌ أَخِيرَةٌ**
فِي زَاوِيَةِ الْغُرْفَةِ، وَرَقَةُ **"اِصْبِرْ"** تَتَلَأْلَأُ تَحْتَ ضَوْءِ الْقَمَرِ..
كَأَنَّهَا تَهْمِسُ: "الْحُبُّ لَيْسَ سَرَابًا..
إِنَّمَا نَحْنُ مَنْ نَجْعَلُهُ كَالرِّمَالِ!".
يَرَى نُورٌ خِلَالَ الْأُمُطَارِ ظِلَّ لِيَانَ تَمُرُّ بِالْخَارِجِ، فَيُغْلِقُ عَيْنَيْهِ.. "لَنْ أَنْظُرَ إِلَيْهَا مَرَّةً أُخْرَى!".
يَفْتَحُ مُصْحَفَهُ، وَتَقَعُ عَيْنَاهُ عَلَى آيَةٍ: ﴿وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى﴾، فَيَضْحَكُ بِمُرَارَةٍ: "مَتَى يَأْتِي ذَلِكَ الْيَوْمُ يَا رَبِّ؟".
---
✍️ **#صراع_الذات** | **#بين_الوهم_والواقع** | **#عِش_بوعي**
Comments
kamilia🌹
ليش الجزء الثاني قليل/Panic/؟!.
هل في تكمله للكصه لو لا؟../Rose/
2025-05-21
3
روايا ولا ارررروووعععع كمل الحزء الثالث
2025-05-19
1
مختلفة❣️...❣️Different
راااائع جداا
ما اعرف كيف اصوفها جد /Cry/
2025-05-19
1