على وعد اللقاء

على وعد اللقاء

ظلّه الذي لم يرحل

كانت الغرفة مملوءة بضوء خافت يدخل من النافذة، وعين أرين لا تفارق الورقة التي بين يديها.

رسالة جونو... تلك التي تركها قبل أن ينكسر صوته إلى الأبد.

لكنها لم تقرأها بعد. لا تملك الشجاعة.

وضعت الرسالة جانبًا، ورفعت رأسها، كأنها تستنشق بقايا عطره من الهواء.

“أنت وعدتني... قلتَ لي إنك ستعود. لماذا لم أصرخ في وجهك حينها؟ لماذا لم أطلب منك أن تبقى؟”

نهضت من مكانها وسارت نحو المطبخ الصغير. هناك، نفس الطاولة الخشبية التي جلسا عليها يومًا، حيث أكل من طعام والدتها، وضحك معها حتى بكت عيناها من الفرح.

مدّت يدها ولمست المقعد، كأنها تلمسه هو.

قبل ثلاث سنوات — أول لقاء:

ـــ

الفصل الأول: صدفة لا تُنسى كانت فتاه تدعى اسمها تشا ارين فتاة هادئة تعيش في مدينة صغيرة، ترتاد مدرسة خاصة للبنات ذات قوانين صارمة. كانت تمضي أيامها بين الدراسة والأحلام الصغيرة، تحب الرسم والقراءة ، وتحلم بالحب كما في القصص. في الجهة المقابلة من المدينة، كان هناك فتى يُدعى ها جونو، يدرس في مدرسة خاصة للبنين. فتى ذو ملامح جادة، وقلب مكسور منذ الطفولة، لا يتحدث كثيرًا، لكن في عينيه قصصًا كثيرة.

التقيا أول مرة حين خرجت ارين من درسها في وقت متأخر كان الهواء بارداً، والشمس تغيب خلف البنايات العالية.

أرين كانت في طريق العودة من دروسها، عندما اقترب منها مجموعه من فتية طائشين، وكانت تمرّ عبر زقاق ضيق لتقصر طريق العودة. هناك، يحاولون مضايقتها بضحكات وقحة وكلمات جارحة. واحد منهم أمسك بحقيبتها، والآخر راح يرمقها بنظرات مقززة.

– "هيي، لا تكوني جادة، خليكِ قريبة معنا..."

ارتجف جسدها، وتراجعت خطوة… ثم شعرت بظل يقف خلفها.

صوت هادئ، لكن يحمل شيئًا يشبه التهديد:

– "اتركها."

استدار الفتيان ليجدا شابًا طويل القامة، بعيون باردة وكتفين عريضين، يقف بثقة.

كان اسمه ها جونو يرتدي زي مدرسته الرياضية، وحقيبته تتدلّى بكسل على كتفه.

حاول أحدهما الرد، لكنه تراجع حين تقدّم جونو خطوة واحدة، عضلاته واضحة، نظراته لا ترمش.

– "قلت… اتركوها."

وهربوا، وبقيت ارين مذهولة. نظرت إليه بعينين ممتلئتين بالخوف والدهشة، بينما قال بهدوء: – "هل أنتِ بخير؟"

أرادت أرين أن تشكره… لكنه لم ينتظر. استدار بهدوء وأكمل طريقه.

– "اوه... انتظر!" صاحت خلفه.

لم يلتفت.

في الأيام التي تلت، لم تستطع التوقف عن التفكير به.

سألت صديقتها عنه، حتى علمت أن اسمه جونو، من مدرسة الرياضيين الخاصة، لاعب جودو وملاكمة… غريب الأطوار، لا يقترب من أحد.

ومنذ تلك اللحظة، بدأت تراقبه من بعيد.

كانت تنتظره عند بوابة مدرسته، تتظاهر بأنها تمر صدفة، ثم تقف من بعيد تراقبه وهو يمشي…

لم يكلّف نفسه يومًا أن ينظر باتجاهها.

لكنها لم تيأس.

كل يوم، تقطع نفس الطريق. تقف أمام مدرسته. ثم بعد أيام، أمام منزله.

وفي أحد الأيام، خرج من باب منزله ليجدها هناك.

– "أنتِ... تلاحقينني؟"

صمتت، قلبها كاد ينفجر من الخوف.

– "أنا... فقط كنت أمشي."

تنهّد وأشاح وجهه، لكنه لم يغادر. سألها دون أن ينظر لها:

– "لماذا؟"

– "لا أفهم."

– "لماذا تلاحقيني؟"

ترددت، ثم همست:

– "لا أعرف... يمكن لأني شعرتُ بالأمان عندما كنت هناك."

لأول مرة، رأى في عينيها صدقًا لم يعتد عليه.

لم يجبها، فقط تابع سيره. لكنها شعرت بأنه لم يعد يرفض وجودها.

ومن هنا، بدأت قصتهما.

لقد مرّت شهور من بداية الصداقة بين أرين وجونو. في البداية، كانا يتقابلان ببرود، تقتصر علاقتهما على تبادل المساعدة في دروس المدرسة. كان جونو يشرح لها الرياضيات أحيانًا، وأرين تساعده في مواد أخرى. هذه اللحظات البسيطة كانت تشعر أرين بأنها أكثر من مجرد مساعدة دراسية، كانت لحظات تجلب لها نوعًا من الهدوء الذي لم تشعر به من قبل.

ومع مرور الوقت، أصبح جونو جزءًا من حياتها اليومية. كانت تراه كل يوم بعد المدرسة، تنتظر خروجه من بوابة المدرسة، وحين يراها، يكون دائمًا بصوته الهادئ وأسلوبه المعتاد.

"أنتِ هنا مرة ثانية؟" يسألها أحيانًا، مبتسمًا بتلك الابتسامة المميزة التي لا تظهر إلا حين تكون معه.

في البداية، لم يكن يلاحظها بعمق. كان يراها مجرد صديقة، لكن مع مرور الأيام، بدأ يراها بشكل مختلف. كانت تتذكر كل كلمة قالها، وتظل تفكر في حركاته الغريبة، في ابتسامته التي لا يظهرها إلا لها.

وفي يوم من الأيام، بينما كانوا جالسين معًا في مكتبة المدرسة، لاحظت أرين أن جونو كان يراقبها عن كثب. عندما نظرت إليه، تجنب عينيها بسرعة، وكأنما شعر بالخجل للمرة الأولى. ولم تكن أرين متأكدة مما إذا كان ذلك يعني شيئًا أو أن عقلها يتوهم.

ولكن بعد أيام، بدأت تلاحظ تغييرات أخرى. جونو بدأ يقترب منها أكثر، يطلب رأيها في أشياء أخرى غير الدروس، ويتحدث معها عن أمور حياته الشخصية قليلاً، شيئًا فشيئًا بدأ يبدي اهتمامًا في تفاصيل صغيرة كانت تلاحظها في حياتها.

في أحد الأيام بعد المدرسة، قالت أرين له:

– "كنت أعتقد أنك مشغول دائمًا بالرياضة والدراسة، لماذا لا تشارك رياضة بعد الحصة في المقصف؟"

ابتسم جونو، ثم قال:

– "أريدك أن تعتادي على وجودي دائمًا."

كانت جملته تلك، رغم بساطتها، تعني لها الكثير. شعرت بشيء غريب في قلبها، وكان ذلك أول مؤشر على أنها بدأت ترى جونو بشكل مختلف.

 

مرّ الوقت من سنة، ومع اقتراب التخرج، كان هناك شيء يغير كل شيء.

كان الجميع في المدرسة مشغولين بحفلات التخرج، وكل واحد منهم يبدأ في التفكير في مستقبله. لكن بالنسبة لأرين، كان المستقبل يعني فراقًا مع جونو. كان قلبها يرفض هذه الفكرة، لكن عقلها كان يدرك أنها النهاية الحتمية لهذا الفصل.

وفي أحد الأيام، بعد الانتهاء من حفلة وداعية، نظرت أرين إلى جونو وقالت له:

– "أنا لست مستعدة... لست قادرة أن أتخيل حياتي من دونك."

نظر إليها جونو بهدوء، ثم أجاب:

– "وأنا بعد... لكن الحياة سوف تكمل، أرين. مهما تباعدنا."

لكنه لم يكن يتكلم فقط عن الفراق، بل كان يشير إلى شيء آخر، شيئًا عميقًا في نفسه.

 

في الليلة الأخيرة قبل التخرج، كانا يجلسان على سطح المدرسة، يتطلعان إلى السماء المظلمة.

– "تتذكر أول مرة التقينا؟ كنت تبتعد عني وأنتِ تتجنب كلامي."

ضحك جونو وقال:

– "نعم، كنت متوتر ربما لتحدث مع فتاه ما اول مره ، كنت أظنك شخص غريب فقط لم اكن اعتقد انكِ سوف تلاحقينني وتكونين كصديقه لي من قبل."

ابتسمت رين وقالت:

– "وأنت، كنت أكثر حد يشد انتباهي من كل الناس."

لكنه توقّفت ارين فجأة وقالت بنبرة جدية:

– "ها جونو، أنا... أضن أنني معجبة بك. من يوم التي قمت بانقاذي، كنت أظن إنك مجرد صديق، لكن... أنا أحبك."

**

همس جونو، بصوت خافت:

– "ربما انا ايضا معجب بك بهذه سرعة بيننا."

 

في صباح اليوم التالي، وفي آخر يوم لهما في المدرسة، قال جونو لأرين وهو يضع يده على قلبه:

– "اليوم سوف أكون معك، لكن من بعده... مهما أصبح وضع، سوف أكون معك في كل خطوة."

 

فصل ثاني سيأخذنا إلى حيث تبدأ الحياة الجديدة، ومرحلة الفراق التي سيحاولان تجاوزها......

يتبع..

مختارات

تنزيل على الفور

novel.download.tips
تنزيل على الفور

novel.bonus

novel.bonus.content

novel.bonus.receive
NovelToon
فتح الباب إلى عالم آخر
لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon