𝟔

...الأكاذيب هشَّةٌ بطبعها، مُقلقةٌ بطبيعتها. ومع ذلك، في تلك اللحظة العصيبة، بدا لي ذاك الكذب وكأنَّه طوقُ نجاةٍ يتشبَّث به الغريق....

...الرجل قوي البنية الجالس عند المائدة بثَّ السكينة في أوصالنا؛ في جدَّتي وفي نفسي معًا، مُبدِّدًا شيئًا من التوتُّر الثقيل الذي أثقل قلوبنا....

...كان يتصرَّف وكأنَّه فردٌ أصيلٌ من العائلة: ينزع عظام السمك بأنامل دقيقة، ويضع الأرز في صحن الجدَّة بعنايةٍ ملؤها المودَّة....

...ابتسامته الوادعة، وامتنانُه الصامت لكل لمسةِ لطفٍ تُقدَّم له، وأدبُه الجمُّ، كلُّها أضفت عليه هالةً من وقارٍ مهيب....

...أنامله الشاحبة كانت تُحسن التحكُّم بالعيدان والملاعق بخفةِ راقصٍ، وشفاهه كانت تتحرَّك في مضغٍ رقيقٍ هادئ، وإصغاؤه للآخرين كان عذبًا على نحوٍ غريب... مختلفًا عن كل ما عهدته....

...رِقَّة....

...لاحقًا، سمعت هذه الكلمة في برنامجٍ تلفزيوني عن حياة خطاطٍ عظيم، وأدركتُ أنَّها تصفه بدقَّةٍ مدهشة....

...كان حضوره أشبه بنسيمٍ عليلٍ ينساب بين أشجار غابةٍ ساكنة، لا عجلة فيه، ولا خشونة تعكِّر صفوه....

...ومع ذلك، ها هو، جالسٌ إلى مائدتنا المتواضعة، في بيتٍ بسيطٍ كبيتنا — مكانٌ بدا غريبًا عليه، لا ينتمي إليه، لا إلى جدرانه، ولا إلى مائدته، ولا إلى جدَّتي، ولا، ولا حتى... إليَّ....

...لماذا لم أرَ ذلك آنذاك؟...

...لماذا...؟...

...---...

..."إذًا..."...

...بعد أن فرغنا من ترتيب المائدة، سألني بهدوء:...

..."في أيِّ غرفةٍ ينبغي لي أن أنام؟"...

..."آه..."...

...بادرتُ بخطًى متردِّدة إلى الغرفة المقابلة لغرفة الجدَّة — تلك التي كان يقيم فيها "جاي-يول" ذات زمنٍ مضى....

...لكن الغرفة لم تكن كما ينبغي. فقد طال غياب أخي عنها، فتحوَّلت إلى مخزنٍ للأشياء المهملة: ...

...أسماكٌ مجففة، وأعشاب بحرية، وخضرواتٌ يابسة حُصِدت في ربيعٍ بعيد....

...ولم تزد الأمور إلا سوءًا بعد أن اقتحمت الشرطة المكان وبعثرته....

..."هذه... الغرفة التي ستقيم فيها..."...

...قلتُها في خجلٍ بالغ، مثقلٍ بالاعتذار، لا أدري بأيِّ وجهٍ أقدِّمها له....

..."سأنظفها على الفور."...

...قلتُ مسرعةً، مدفوعةً بشعورٍ بالذنب....

...لكنه قاطعني برفق:...

..."سأتكفَّل بالأمر."...

...راح يتفحَّص المكان بنظرةٍ عابرة، ثم هزَّ رأسه وكأنَّ الفوضى من حوله أمرٌ لا يستحق عناء القلق....

..."لا، هذا لا يجوز. إنَّه خطئي أنا—"...

..."سون-يونغ."...

...ناداني بنبرةٍ هادئةٍ حاسمة، تقطع خيط اعتذاراتي المرتبكة....

...تجمَّدت الكلمات على شفتي حين نطق باسمي بتلك الطريقة......

...صوته كان ناعماً، هادئاً، كأنه موجةٌ صغيرة تُداعب الشاطئ عند الفجر، حاملةً معها وعداً بالسكينة....

...قال مبتسمًا بهدوء:...

..."المطبخ في حالٍ مزرية، وهذه الغرفة ليست بأحسن حالٍ منه."...

...ثم أردف بثقةٍ لطيفة:...

..."سأتولّى أمرهما."...

...وبغير كثير كلام، شرع يرفع الصناديق القديمة جانباً بكل هدوء، كما لو أن عبءَ الأعوام المخبَّأ بين الغبار والأشياء لم يكن له أيُّ وطأةٍ عليه....

...رحتُ أراقبه في صمتٍ واجمٍ......

...كانت يداه تتحرَّكان بخفةٍ ناعمة، يزيلان الفوضى دون ضجر، وكأنَّه كان يُنظِّف حديقةً مهجورة ليزرع فيها وروداً من السلام....

...لا كلمة تبرُّم، لا نظرة ضيق، لا تنهيدة استياء....

...كانت تصرفاته... غريبة....

...غريبةٌ عن عالمنا المتهالك، عن بيتنا الضيق المكبل بالحزن والخسارات....

...بل غريبةٌ حتى عنّي، أنا التي عرفتُ الوحدة صديقاً لا يفارق....

...---...

...بـعـد سـاعــةٍ كـامـلـة ...

...حين مررتُ أمام غرفة جاي-يول وألقيت نظرةً عابرة، شهقتُ بدهشةٍ لا توصف....

...كانت الغرفة التي كانت تملؤها الفوضى قد تحوّلت إلى مكانٍ نظيفٍ منظمٍ كأنه لوحة فنية....

...الأثاث أُعيد ترتيبه بعناية، والأشياء المبعثرة جُمعت بعناية وخُزنت في أماكنها، حتى الأسماك المجففة صُفَّت بحسب أنواعها وأحجامها....

...اتسعت عيناي من شدة الدهشة، ولم أستطع أن أنبس ببنت شفة....

...أنا التي اعتدت أن أترك كل شيء مكدسًا، لم أتخيل يومًا أن تصبح الغرفة بهذا الترتيب....

..."آه... هذا..."...

...تلعثمت وأنا أنظر حولي في ذهول....

...ابتسم الرجل وهو يمسح العرق عن جبينه وقال ببساطة:...

..."لا أحب رؤية الأشياء مبعثرة."...

...لكنني كنت متأكدة أن الأمر ليس مجرد كره للفوضى؛...

...لقد كان حريصًا على أن يجعل كل شيء يبدو وكأنه جزءٌ من لوحةٍ جميلة....

...نظرتُ إلى الفراش المرتب بعنايةٍ في الزاوية، وشعرت بالحرج....

...كيف يمكن لرجلٍ بهذا الحرص والدقة أن ينام في غرفةٍ بسيطةٍ مثل هذه؟...

...ثم قال لنا بصوتٍ ودود:...

..."تصبحين على خير يا جدتي... وأنتِ أيضًا، سون-يونغ."...

...أجبته تلقائيًّا، دون تفكير:...

..."آه... نعم، أخي... تصبح على خير."...

...كانت جدتي تُحسن إليه كأنه حفيدها الحقيقي، تمسح عليه بعينيها وتمطره بالدعوات، مؤمنةً بأنه "جونغ هيون" العائد....

...---...

...عدتُ إلى سريري وأنا أُصارع مشاعر غريبةٍ في داخلي....

...رغم أننا استضفناه في بيتنا، لم أكن أعرف حتى اسمه الحقيقي....

...كل ما أعلمه عنه أنه صديق أخي الأكبر....

...منذ أن مرَّ قاربه فوق رأسي ذلك اليوم وأنا أشعر وكأنني أعيش داخل حلمٍ غريب....

...آه، لو كان كل هذا مجرد حلم!...

...لو أن حياتنا عادت إلى سابق عهدها:...

...لا غريب يسكن بيننا،...

...ولا مصيبة تحيط بجاي-يول،...

...ولا ظلٌّ ثقيلٌ من "آغوي" يهدد قريتنا....

...كم اشتقت إلى أيامنا البسيطة، حتى وإن كانت قاسية أحيانًا....

...---...

...من خلف الجدران الرقيقة، رأيتُ ظله يتحرك بهدوء، وهو يتفقد الباب قبل أن يدخل غرفته....

...استلقيتُ على فراشي، وأغمضتُ عينيّ وأنا أشعر بوجوده في الجوار....

...كان شعورًا غريبًا... مريحًا بطريقة لم أشعر بها من قبل، حتى عندما كان أخي جاي-يول هنا....

...حينها، كان أخي ما يزال أشبه بصبي، لكن هذا الرجل......

...كان يحمل بداخله وقار الرجال الحقيقيين....

...---...

...كنت أعلم أن حل صباح اليوم الثاني، سيرحل عن قريتنا، وسأبقى أنا، كما كنت دائمًا، أتحمّل أعباء الحياة وحدي....

...غلبني التعب، فسقطتُ في نومٍ عميقٍ، خالٍ من الأحلام....

...* * *...

..."يا إلهي! أقول لكنّ جميعًا: حفيدي الحبيب قد عاد! إنه جونغ هيون، ابن يون-سيو!"...

...ماذا؟...

...شعرت كأن صاعقة قد اجتاحت جسدي، فاهتزت أوصالي بألمٍ مباغت، وكأنني تلقيت ضربة لا أراها....

...أي ساعة هذه؟ ألم يكن من المفترض أن أنطلق إلى الغوص هذا الصباح؟...

...مهلًا... أخي جونغ هيون؟!...

..."آه!"....

...انتفضتُ من فراشي كمن أفزعه حلمٌ مرعب....

...شيء ما في الأجواء لم يكن على ما يرام؛ ضوضاء غير مألوفة كانت تملأ الخارج....

...ضحكاتٌ علت بصفاءٍ، أصوات "الهانييو" نساء البحر، عرفتهن على الفور....

..."لهذا السبب ذهبتِ إلى السوق منذ الصباح الباكر!"...

...ماذا يحدث بحق السماء؟...

...دوّي!~...

...ارتجفتُ من وقع الصوت، ثم سارعتُ إلى فتح الباب، وما إن فعلت، حتى فوجئت بمشهدٍ غير متوقع....

...باحة الدار غدت كخلية نحل؛ عمّاتي الهانييو التففن حول أكوامٍ من الأسماك والخضروات، يضحكن ويتبادلن الأحاديث....

...تقدمتُ، مذهولةً، وسألت:...

..."جدتي... ما الذي يحدث هنا؟"...

... رفعت رأسها، وعلى وجهها ابتسامة لا تعرف الغروب:...

..."سون-يونغ، استيقظتِ أخيرًا؟"...

...تلعثمتُ وأنا أنظر من حولي:...

..."ولكن... لماذا اجتمع الجميع منذ هذا الصباح الباكر؟"...

...ضحكت إحدى النساء وقالت بمزاحٍ عذب:...

..."جدتكِ ذهبت إلى السوق واشترت كل هذا! ولأن الحمل أثقل كاهلها، جئنا نعينها ونساعدها. إنها تستعد لمأدبة احتفاءً بعودة حفيدها العزيز!"...

..."ماذا؟!"...

...كانت كلماتها كصوت الرعد يصم أذنيّ....

...رفعت رأسي ببطء، لأرى الرجل الذي كان يقيم في الغرفة المقابلة يخرج إلى الفناء، يتأمل المشهد المزدحم بعينٍ هادئة....

...تلاقت أنظارنا، وكانت نظرته تحمل هدوءًا لا يخلو من الغرابة....

..."ج-جدتي... ألا ترين أن المأدبة أمر مبالغ فيه قليلًا؟"...

...هتفت جدتي، كأنها طفلة تهيم فرحًا بلعبتها المفضلة:...

..."ولم لا؟! منذ مدة طويلة ونحن ننتظر عودة جونغ هيون؟! حقٌّ علينا أن نحتفل به!"...

...ترددت على لساني اعتراضاتٌ خجولة:...

..."ولكن..."...

...إلا أن جدتي قاطعتني بمرح:...

..."كفى كلامًا."...

...ثم التفتت نحو نساء البحر ورفعت صوتها تقول:...

..."الليلة... أنتنّ مدعوات جميعًا إلى دارنا!"...

...كأن فرحتها قد أطبقت على الدار كلها، فلم تترك مكانًا لأي كلمةٍ أخرى....

...* * *...

..."أخيرًا سأتمكن من إظهار مهاراتي في الطهي بعد هذه المدة الطويلة!"...

..."إذن، نحن بانتظار ذلك بفارغ الصبر. إلى اللقاء، سون-يونغ."...

...وسط الضحكات المجلجلة والحديث المفعم بالحيوية، نظرت إلى الرجل. تلاقت أعيننا، فهزّ كتفيه بتعبير من استسلام، كأنه يعلن أن لا مهرب من هذا الموقف....

...كان لا يزال في حالة من الخمول بعد الاستيقاظ، يظهر عليه بعض التراخي. لم يكن يرتدي قميصه، بل كان يرتدي قميصًا داخليًا أبيض، الذي من الواضح أنه كان قد نام فيه. ...

...أما ياقة القميص فقد كانت مائلة قليلًا، مما كشف عن جزء من صدره الواسع العضلي....

...أسرعت بإبعاد نظري عنه، وكان خدي يحترق من الخجل....

...وهكذا بدأ هوس جدتي. في يومٍ من الأيام، كانت تصرّ على إعداد وليمة أخرى. ...

...وفي اليوم الذي يليه، كانت تقول إنها شعرت بالتعب وأنها بحاجة لرؤية الطبيب. ...

...وفي يوم آخر، كانت تقترح زيارة قبر الجد. ...

...كل يوم، كانت تختلق عذرًا جديدًا لإبقاء الرجل في المنزل....

...وفي كل مرة كان الرجل يلمّح برغبته في الرحيل، كانت جدتي تنطلق مسرعة حافية القدمين لتمنعه....

...بينما كنت أسترجع تلك الأيام في ذهني، تساءلت في نفسي: هل كانت جدتي تعرف الحقيقة منذ البداية؟ هل كانت تعلم أنه ليس جونغ هيون؟ ...

...ربما كانت قد أدركت ذلك، ولكنها تمسكت بالكذبة خوفًا من عودة "أغوي"، وقلقًا من أن يعمّ المنزل الفوضى مجددًا....

...أما بالنسبة لي، فقد تجمدت من خوفي الداخلي....

...منذ ذلك اليوم، بدأ رجالٌ غرباء يظهرون حول منزلنا. في ظل شجرة الكاميليا، أو قرب حافة الجدار الحجري غير المستوية، كنت أشعر بنظراتهم القاسية تراقبني. ...

...وعندما كنت اشعر بتلك النظرات، كنت أهرول بأقصى ما أستطيع، وقلبى ينبض بسرعة وأنا أحاول الهروب من تلك العيون المترصدة....

...---...

..."يا سون-يونغ! أخبريني، هل هذا الرجل هو حقًا ابن عمك؟"...

...لم تتوقف عمّاتي، اللاتي كنَّ في الماضي لا يبدين أي اهتمام، عن الحديث عنه في كل مرة يرونني....

..."إنه وسيم للغاية! يبدو أن رجال سيول حقًا يتمتعون بجاذبية خاصة. كيف يمكن لشخص مثله أن يكون ابن عمك، سون-يونغ؟"...

...كنَّ يعاودن السؤال، مجددًا وأبدًا، إن كان هو بالفعل ابن عمّي....

...انتشرت الكذبة كما تتسع دوائر الماء في البركة، تكبر وتتسع، حتى أصبح من المستحيل الهروب منها. ...

...كل ما استطعت فعله هو أن أومئ برأسي، متظاهرة بالموافقة، وكأنما القصة صحيحة تمامًا....

..."ابن عمك ليس لديه صديقة، أليس كذلك؟ أختي الصغيرة في السن المناسبة للزواج..."...

..."ماذا تقولين؟! كنتُ أقول منذ البارحة إنه يجب أن يلتقي بابنتي أولًا!"...

..."هو سيعود إلى سيول قريبًا."...

...بالطبع! إليك الترجمة بأسلوب أدبي عربي فخم:...

...قلتُ ذلك ببرود، قاطعةً حديثهنّ بينما خرجتُ من الماء. كان يجب عليّ أن أُعيده سريعًا. ...

...لقد قدم لنا الكثير بالفعل....

...فهمتُ قلق جدتي، لكننا لا يمكننا الاستمرار في الاعتماد على شخص مثله. لقد أنقذ هذا الرجل أخي جونغ هيون....

...ولكن الآن، فقط الآن، أدركتُ أنني لا أزال أجهل اسمه الحقيقي. وبينما كنتُ ألتقط العوامة وأضع الكائنات البحرية التي اصطدتها في السلة، توقفت يدي للحظة....

...لا، الأفضل أن أظل على جهلي. فالجهل نعمة....

...ما فائدة معرفة اسمه إن كانت هذه الصلة مقدّرٌ لها أن تتلاشى؟...

...رفعتُ السلة المملوءة بالكائنات البحرية الثقيلة، المشبعة بماء البحر، على ظهري....

..."سأعود أولًا."...

...ناديتُ، ثم تركتُ العمّات اللاتي ما زلن يتحدثن عن الرجل، ومضيتُ على طول جدار البحر....

...كانت الشمس الصيفية تضرب ظهري بلا رحمة، والماء المالح يغمق لون جلدي تحت حرارتها القاسية....

...فجأة، خُيل إليّ وجهه الأملس الشاحب، وتذكرتُ أصابعه الأنيقة وهي تمسك بعيدان الطعام....

...لم تكن هناك أي علامات على تعب أو مشقة في يديه—تلك الأيدي التي ربما لم تحمل شيئًا سوى الأقلام، وقلّبت صفحات الكتب....

...أشخاص مثلنا لا يمكنهم أبدًا المقارنة بمن مثله. جهلاء، فقراء، مثقلون بالبؤس—لا مكان لنا في عالمه....

...أنا…...

..."يا سون-يونغ."...

...قاطعني صوت بارد، فانتزعني من أفكاري....

..."أغوي."...

...كانت هناك سيارة سوداء متوقفة على جانب الطريق المحاذي لجدار البحر....

...ألقى أغوي سيجارته بعيدًا وبدأ يمشي نحوي بخطواتٍ ثابتة....

...خلف المقود كان يجلس شخصٌ مألوف، يحدق فيّ—نفس الرجل الذي كان يلاحقني طوال هذا الوقت....

...غمرني شعور عميق من الخوف، مما جعلني أضغط على أسناني....

...كم كنتُ ساذجة… كان يجب عليّ أن أبقى مع عمّات الهاينيو....

..."كيف حالكِ؟"...

...كان صوت أغوي مزعجًا بشكل غريب، كما لو أننا كنا صديقين قديمين. نظرت إليه صامتة، لا أقول شيئًا....

..."ها، أنتِ عنيدة فعلاً. تلك النظرة منك لا تُنسى."...

...سخيف....

...حاولتُ المرور من جانبه، لكنه سدَّ طريقي بلا مبالاة....

..."تحرك."...

..."احرك؟ ولماذا؟ أنا فقط أقول مرحبًا—"...

...مرحبًا، يا للعجب....

..."أنتِ تدركين تمامًا أنه إذا تم القبض على أخيك، فسينتهي أمرك أيضًا، أليس كذلك؟"...

...لم يكن هناك جدوى من الرد على تلك الكلمات....

...وقفتُ في مكاني، رافضة الانصياع....

...إذا لزم الأمر، يمكنني القفز إلى البحر من تحت الجدار للابتعاد عن هذا الرجل. المسافة بعيدة، وقد أتأذى، ولكنني أفضل أن أخاطر بكل شيء على أن أواجه هذا الكائن المرعب....

..."هل تسمعينني، أيتها الصغيرة؟"...

..."ما الذي تقصدة بالضبط؟"...

..."ماذا؟"...

..."إذا كنت هنا لتقبض على أحدهم، فاذهب وامسك به. توقف عن إضاعة وقتك معي."...

..."أنتِ—!"...

...رفع يده، مستعدًا لصفعي....

...فجأة، أصبح القفز إلى الماء خيارًا أفضل....

...لكن في اللحظة التي كنت فيها على وشك أن أتحرك، أمسك شخصٌ ما بمعصم أغوي، مفاجئًا إياي....

...نظرتُ للأعلى في دهشة—وكان هناك، الرجل. ابن عمي المزيف....

...ما الذي يفعله هنا؟...

..."ماذا تعتقد أنك تفعل؟"...

...كان صوته باردًا وحادًا كالسيف، يخترق حرارة الصيف اللاهبة....

...لا يمكن أن يتحول هذا إلى صراع. أغوي لا يزال شرطيًا، وإذا تعرض للأذى، فسيزداد الوضع سوءًا بالنسبة لنا....

..."اتركه، أخي جونغ هيون!"...

...صرختُ، محاوِلةً تهدئة الموقف....

...من داخل العربة، نزل الضابط الآخر، وأخذ يحدق في الرجل بنظرة حادة....

..."ها، ها، انظروا من لدينا هنا. أيها الوغد، أظهر لي هويتك."...

..."ماذا؟"...

..."هويتك، أخرج هويتك، أيها الحقير."...

...لا، هذا لا يمكن أن يحدث. إذا استمر الأمر على هذا النحو، سيكتشفون أنه ليس جونغ هيون الحقيقي....

...بدأت موجة من الذعر تجتاحني، وبدأ عقلي يبحث عن حل سريع. بلا تفكير، أمسكْت سلة المأكولات البحرية التي كنت أحملها، ورميتها مباشرة على أغوي....

..."أوه!"...

...صرختُ، فإذا بالأصداف البحرية والمحار تتساقط عليه، ثم وقع أخطبوط حي على وجهه، ليلتصق به بإحكام!...

..."ماذا...!"...

...عجزت عن تحديد من كان أكثر دهشة—نحن الثلاثة وقفنا جميعًا في حالة صمت غريب....

...كنتُ مشلولة من الصدمة، مدهوشة من تصرفي الذي لم أكن أصدق أنه قد حدث. ...

...كان أغوي، ومع الأخطبوط عالق على وجهه، يقف جامدًا، ملامح وجهه تظهر صدمة لم أكن أتخيلها....

...أما الرجل الذي ادعى أنه ابن عمي، فقد كان يحدق في، وعيناه تتسعان كما لو كان لا يستطيع تصديق ما رآه....

...تسلل الصمت المريب بيننا....

...وأخيرًا، بدأ أغوي بنزع الأخطبوط عن وجهه، وعيناه تشتعلان بالغضب، بينما كان يهمّ بكلمات جارحة، لكنه توقف فجأة قبل أن ينطق بكلمة واحدة—...

..."بفتت!"...

...فجأة انفجرتُ في ضحك هستيري، لم أتمالك نفسي. كان الموقف غريبًا للغاية، وضحكتُ دون أن أستطيع التوقف....

..."آ... آسفة."...

...تلعثمتُ بين نوبات الضحك، في محاولة يائسة لتهدئة نفسي....

...كنت أعلم أن هذا ليس مناسبًا، ولكن ببساطة كان الموقف مضحكًا جدًا....

...وفي تلك اللحظة، لم ألاحظ التغيير الطفيف الذي طرأ على وجه أغوي. ...

...فبدلاً من التعبير المعتاد الذي يعكس الكراهية، كان وجهه يتغير إلى شيء لم أستطع تفسيره....

...لكن الرجل رآه بوضوح. كانت عيناه مثبتتين على أغوي، يراقب التغيرات التي طرأت على تعبيره....

..."يا رقيب!"...

...صاح الضابط الذي كان يرافقه من السيارة، يسرع نحوه....

..."الرئيس يطلب منا العودة الآن…!"...

...دون أن ينبس بكلمة، رمى أغوي الأخطبوط الذي كان عالقًا على وجهه على الأرض. ...

...لم يطلب منه هويته مجددًا ولم ينطق بأي كلمة أخرى، بل استدار ببساطة وابتعد....

...شعرت براحة كبيرة، وأطلقت نفسًا عميقًا. يبدو أن الأمور قد انتهت بحسن الحظ دون أن تتصاعد أكثر....

...ولكن حين نظرت إلى الرجل الذي كان بجانبي، شعرت بقلق في نظراته، كانت عيناه مثقلتين بالكثير من الأسئلة وهو يراقبني....

..."بماذا كنتِ تفكرين؟"...

..."عذرًا؟"...

...لم أفهم سؤاله....

..."لماذا... لماذا ضحكتِ؟"...

...ماذا؟ الضحك؟ ما المشكلة في ذلك؟...

..."ل-لأنه كان مضحكًا! الأخطبوط وقع تمامًا على وجهه!"...

...كنت لا أزال أضحك، لكنه لم يبتسم. بل على العكس، بدا غاضبًا وكأنما اندلعت شرارة غامضة في قلبه....

...لماذا؟ ما الذي أغضبه؟...

..."كيف انتهى بكِ الأمر هنا، إذن?"...

...لم يرد....

...ما الذي يحدث؟ كان دائمًا هادئًا ومهذبًا، فما الذي جعل هذه المرة مختلفة؟...

...ومع ذلك، كانت أولويتي أن أجمع المأكولات البحرية التي تفرقت حولي بعد أن رميتها....

...سارعت للقبض على الأخطبوط الهارب أولاً، ثم حملت السلة، ونزلت على الجدار البحري....

...لكنه تابعني، يساعد في جمع المأكولات البحرية. غير أن حركاته كانت متصلبة، باردة بشكل غريب، مما جعلني أشعر بشيء من القلق....

...ما خطب هذا الرجل؟...

..."لا داعي لذلك، يمكنك تركها."...

...قلتُ محاولًة أن أبتعد عنه. لكنه تجاهلني تمامًا....

..."حقًا، لا داعي لذلك. فقط—"...

...مددت يدي لأخذ المحار الذي كان يمسكه، لكنه استدار عني، متعمدًا تجاهلي....

..."انتظر، لماذا...؟"...

...كنت في غاية الحيرة، مذهولة تمامًا....

...مياه تشونغمو مملوءة بالصخور، ما يجعل الأرض زلقة وحافلة بأصداف المحار الحادة. ورغم أنني اعتدت على ذلك، إلا أن الوضع كان خطيرًا بالنسبة له....

..."قلت لك أن تتركها! ملابسك ستبتل—لماذا تفعل ذلك؟"...

...ولكنه ظل صامتًا، بل واتجه نحو المياه الأعمق دون أن يلتفت....

..."أخي!"...

...دون تفكير، اندفعت نحو الأمام وأمسكت بذراعه، لكن الحركة المفاجئة جعلته يفقد توازنه....

..."واو، واو—آه!"...

...وبهذه الطريقة، وقعنا نحن الاثنان في الماء....

...عجيب! هل كان اليوم مقدرًا أن يكون سلسلة من المصائب؟ هذه المرة، وقعنا معًا في الماء....

...أصابني الفزع، فركضت لأتحقق إن كان قد أصيب....

..."آسفة! أعني، قلت لك أن تتركه! ماذا لو تعرضت للإصابة؟"...

...أمسكت يده، مرعوبة، أفحصها بعناية بحثًا عن أي جروح أو خدوش....

...إذا ظهرت أي إصابة، مهما كانت صغيرة، على يديه الناعمتين النقيتين، سأشعر بعبء من الذنب الثقيل. كنت أبحث بسرعة في يده وأقلبها بكل دقة....

...أما هو، فبقي جالسًا ساكنًا تمامًا، وجزءه السفلي غارق في المياه....

...وعندما نظرت إليه، شعرت فجأة أنني لم أكن أتعامل مع يده بالشكل الذي يجب....

..."آه! أنا آسفة جدًا..."...

...مرتبكة، أفلت يده بسرعة. كان يبدو أن كل شيء اليوم يسير في أسوأ صورة ممكنة....

...لحسن الحظ، لم يظهر عليه أنه قد أصيب....

..."هذه المنطقة مليئة بأصداف المحار—إنها شديدة الخطورة. آه... والآن بنطالك مبتل! ماذا ستفعل؟"...

...ومع ذلك، بقي صامتًا....

...ما الذي يجري معه اليوم؟ هل تناول شيئًا غريبًا؟...

...لماذا ينظر إليّ هكذا؟...

..."جونغ هيون؟"...

..."هان وو جين."...

...فوجئتُ عندما نطق بهذا الاسم....

..."هان وو جين. اسمي الحقيقي هو هان وو جين."...

...آه... صحيح. لم أكن أعرف اسمه الحقيقي حتى الآن....

...تعبير الدهشة أخذني عنوة، وما زلت أحدق فيه، غير قادرة على تصديق ما سمعته....

...---...

..."اسمي هان سي هو، جدتي."...

...قال الشاب، منحنياً بأدب في تعبير معروف....

...شخص يشبهه تمامًا....

...هان سي هو، من عائلة هان......

...تجمدت في مكاني، وأنا أحدق في الشاب الماثل أمامي، عاجزة عن تصديق ما أراه....

...نفس الوجه....

...نفس الابتسامة....

...هل يمكن أن يكون فعلاً من أقارب هان وو جين؟...

...لم أستطع تصديق عينيّ....

..."جدتي؟"...

...شهقت بصوت مرتفع، محاولةً استجماع شتات نفسي....

...وفي تلك اللحظة، أدركت أن وو جين كان يراقبني بنظرة مشوشة. ربما كان وجهي قد أظهر ما كنت أخفيه، فأنا على الأرجح بدوت شاحبة، وكأنني رأيت شبحًا....

..."لماذا تتصرفين هكذا؟"...

..."آه... لا، لا شيء."...

...حاولت أن أهدأ وأعود إلى رشدي....

...إنه ليس ذلك الشخص. لا يمكن أن يكون هو، أليس كذلك؟...

...لكن، من يراه، لا يسعه إلا أن يعترف بأنه يشبهه إلى حد مخيف. عيناه الجادّتان لكن مع لمحة من اللطف الخفي، وشفتاه المبتسمَتان، وملامحه الحادة، وقامته العالية، وبنيته المتناسقة....

...أهم من كل ذلك، صوته—كصوت شجرة الأرز العتيقة في الغابة، يبعث الطمأنينة في النفس وراحة لا مثيل لها....

...كيف يمكن أن يحدث هذا؟ هل من الممكن أن يكون هذا حقيقة؟...

...هل يمكن أن يكون هذا الرجل من أقارب هان وو جين؟ إن لم يكن كذلك، فما الذي يجعل التشابه بينهما بهذا الحد؟...

..."لماذا أنتِ هكذا، جدتي؟ هل أنتِ بخير؟"...

..."قلت لكِ، أنا بخير."...

..."لكن لا تبدين بخير، جدتي. تبدين نحيفة جدًا..."...

..."إنه مجرد الصيف، فقط الصيف. الآن، توقف عن القلق وتعالَ إلى الداخل. ألن تأكل؟"...

...نظرت بسرعة ودخلت المنزل، وكأن الأرض تميد بي، والمكان يضطرب من حولي....

...ومع ذلك، دخل الرجل الذي جلبته يو جين، هان سي هو، إلى المنزل وجلس أمامي. ...

...وبينما وضعت الطعام الذي أعددته صباح هذا اليوم أمامهم، كنت لا أستطيع التخلص من شعور غريب يراودني، كأنني مررت بهذه اللحظة من قبل....

...كان يرتدي بدلة أنيقة، وعطره الطيب يملأ الأجواء، وشعره المرتب، وابتسامته اللطيفة—كل شيء فيه كان يشبه هان وو جين إلى حد بعيد....

مختارات

تنزيل على الفور

novel.download.tips
تنزيل على الفور

novel.bonus

novel.bonus.content

novel.bonus.receive
NovelToon
فتح الباب إلى عالم آخر
لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon