لـسـت الـحـب الــذي يـسـکـن قـلـبـك

...خفتت وتيرة الحديث بيني وبين يان تشي في اليومين الأخيرين....

...هو الآن في عامه الدراسي الأخير، بلا صفوف، بلا التزامات، كان يدعوني بين حينٍ وآخر لتناول العشاء....

...لكنني، أنا التي أقضي اليوم كله داخل السكن بلا زينة ولا طِيب، أشعر بأني حين أخرج، لا أبدو سوى باهتة، شاحبة، وربما قبيحة....

...هذا المساء، وصلتني رسالة منه:...

...—"ماذا تفعلين؟ أود التحدث معك."...

...الساعة لم تكن متأخرة، لكن الشتاء يُسرع في سحب النور من الطرقات....

...أجبته فورًا:...

...— "حديث؟ عن ماذا؟"...

...فكتب:...

...— "تعالي للخارج، نتحدث. هل أنتِ متفرغة؟"...

...أخبرته أنني بحاجة للاستحمام أولًا، فـ رد بهدوء:...

...—"حسنًا."...

...لكن نبرته... لم تكن مألوفة....

...خالية من الخفة، من العبارات الماكرة، من الوجوه الضاحكة التي كانت دومًا تخفّف وقع كلماته....

...كان جادًا على نحوٍ مُقلق، وصمته الصارم أيقظ داخلي شيئًا خامدًا....

...فقلت، بخفة اصطناعية:...

...— "عن ماذا؟ نبرتك أشبه بنبرة أبٍ يستعد للتوبيخ."...

...أجابني:...

...— "الأمر جاد... وأخشى أن تبكي."...

...لم أردّ....

...أنا لا أبكي كثيرًا....

...لا تدمع عيناي أمام الأفلام الحزينة، ولا أمام الألم، ولا حتى في لحظات الفرح....

...دموعي لا تنسكب إلا حين يغضبني يان تشي....

...وكان ذلك... في بدايات الحب....

...قال لي ذات مرة إنه اعتاد أن أشتعل غضبًا لمدة ساعة، ثم هو — بصبرٍ غريب — يهدهدني حتى يهدأ كل شيء....

...كان لا يردّ الغضب بغضب، بل كان دائمًا، بعد كل عثرة، يحاول ألّا تتكرر....

...لكنه لم يفهم يومًا لِمَ كنت أغضب، ولذلك، تعبت... وتوقفت عن الغضب....

...أنا أحببته لأكثر من ثلاث سنوات، ولم أبكِ منذ زمن طويل....

...ومع اقتراب لحظة التخرج، قد يكون بانتظارنا كثير من الحوارات الثقيلة، لكن نادرًا ما يكون من بينها ما يجعلني أبكي....

...جلست وحدي في الغرفة....

...لم أرغب في القيام بأي شيء....

...ربما طال انتظاره، فبعث برسالة أخرى:...

...— "ما الذي تفعلينه؟ هل ذهبتِ للاستحمام؟"...

...أجبته:...

...— "لا."...

...لم يسألني لِمَ لم أجب....

...لم يسأل لِمَ تأخرت....

...فقط كتب بهدوء:...

...— "حسنًا."...

...أدركنا نحن الاثنان شيئًا لم يُقال، لكن ما دام لم يُنطق... بقي بيننا أملٌ ضئيل في النجاة....

...قمت، أخذت ملابسي، ودخلت الحمّام....

...بعد عشرين دقيقة، كنت أخرج، وقررنا أن نلتقي في الحديقة الصغيرة داخل الحرم الجامعي....

...سألني إن كنا نذهب إلى مكان أكثر دفئًا، ثم أرسل وجه قطة تعبس كأنها في مساءٍ جليدي....

...أجبته، بنصف ابتسامة:...

...— "لا، لا أريد الدفء... لا يُناسب أن أصفعك هناك."...

...ردّ عليّ بوجه جرو يبكي، لكنني هذه المرة، لم أُبادله المزاح....

...أرسلت له ردًا بسيطًا، جادًا....

...لم أكن أعلم إن كانت المشاعر ستنهمر، لكنني أعلم أنني لا أريد جدرانًا تحاصرنا، ولا ضوءًا يكشف وجهي....

...ذهبت أولًا إلى الحديقة، جلست عند طرف مقعد حجري، جوار أحواض الزهور الباردة....

...لم يكن هناك أحد، ولا أضواء....

...خشيت ألّا يراني، فأشعلت ضوء الهاتف، وضعت إحدى يديّ في جيبي، وكتبت بالأخرى:...

...— "أنا هنا."...

...فهم رسالتي، وظهر من بين ظلال الممر المكسوّ بالخيزران....

...كان يسير نحوي....

...وقف أمامي، قريبًا جدًا....

...قال، وهو يفرك كفيه تحت أنفاس البرد:...

...— "إنه بردٌ قارس... هل تشعرين به؟"...

...كنت قد خرجت للتو من الحمام، والتفّ حولي دفء الملابس الثقيلة، لكن إحدى يديّ كانت مكشوفة بينما كنت أعبث بالهاتف، فمددت يدي له، ليشعر ببرودتها، ثم سحبتها سريعًا....

...شهق بخفة حين لمس برودتها، وأنا، للمرة الأولى، شعرت بحرارة يده....

...في الخريف، قبل أن نعترف لبعضنا، مدّ يده ذات مساء وسألني:...

...— "هل تشعرين بالبرد؟"...

...وضعت يدي الباردة في كفّه، ثم سحبتها خجلًا....

...في تلك الليلة، كتب لي:...

...— "لماذا لم تمسكي يدي؟"...

...أجبته:...

...— "كنت خجولة."...

...وفي اليوم التالي... أمسكت بها....

...ربما لاحظ اضطرابي الآن، اقترب مني أكثر، حتى شعرت وكأن ساقيه تكادان تحتضناني، تحبساني بينه وبين المقعد....

...جلست على الجهة اليسرى، سحبت قدمي من بين قدميه، وتهربت من ضغط وجوده،...

...قال ساخرًا، بنبرة خافتة:...

..."هل تحاولين منعي من الهرب؟"...

...رفعت رأسي، نظرت إليه، لكن الظلام كان ثقيلاً، فغابت ملامحه عن عيني....

...أشرت إلى جانبي:...

..."اجلس."...

...اقترب، لكنه لم يحاول إحتضاني هذه المرة،...

...قال ببساطة:...

..."لا أريد الجلوس."...

...نظرت إليه ثانية، دون أن أقول شيئًا....

...قال:...

..."أنتِ تعرفين ما سأقوله، أليس كذلك؟"...

...أشحت ببصري، نظرت إلى الأرض، قلت ببرود متألم:...

..."لا أعرف... كيف لي أن أعرف؟"...

...قال بصوت خافت، من يميني:...

..."أعني... لا أظن أننا سنكمل الطريق سويًا، أقصد..."...

...كلماته كانت بسيطة، وكأنني أستمع لتقرير جامعي، لا لنبأ ينهار معه القلب....

...سكت طويلًا، لم يكمل....

...فهمست، وأنا ما زلت أنظر بعيدًا:...

..."تابع."...

..."هاه؟"...

...استدرت إليه، نظرت إلى وجهه الغامض....

...قال، وصوته مكسور:...

..."لا أظن أنني أحبك بما يكفي..."...

...قالها يان تشي، وانكسر صوته في منتصف الجملة.. ...

..."فكّرت... إن كنا سنتزوّج لاحقًا، سنحتاج إلى... إلى أشياء كثيرة... ولهذا، فأنا..."...

...لم أجب....

...تحدثنا عن الزواج كثيرًا من قبل....

...وفي كل مرة، كنت أفرح بالحديث عنه....

...كنت أخبره عن رغبات والديّ، عن ذوقهما، عن الأشياء التي يحبونها في شريك ابنتهم....

...ذهبنا معًا إلى "إيكيا" وتحدثنا عن ديكور منزلنا المستقبلي....

...ناقشنا سلالة الجراء الذي سنقتنيه، والاسم الذي سنطلقه عليه....

...سألني مرارًا: "متى ستتزوجينني؟"...

...لكن اليوم…...

...قال لي إنه يريد أن يتزوج يومًا ما… من يحبها حقًا....

...كان بكاء يان تشي واضحًا....

...هو من ذلك النوع الذي يبكي بسهولة....

...قال بصوت مخنوق:...

..."أشعر أنه لو كنت أحبك حقًا… بحق، لكان عليّ أن أُحسن إليك، أن أُعاملك بلطف. لكنني بارد… بارد جدًا معك، أليس كذلك؟ أنت تشعرين بذلك، أليس كذلك؟"...

...لم أتكلم، ولم أنظر إليه....

...فانحنى برأسه، يحاول رؤيتي عن قرب....

...رفعت رأسي فجأة، وقلت بصوت حاد:...

..."أنا لم أبكِ."...

...عندما كنا معًا، أخبرني يان تشي أنه لا يحب رؤية الفتيات وهن يبكين....

...سألته يومًا: "هل ستبكي إذا افترقنا؟"...

...فقال بتردد: "ربما."...

...قلت له حينها: "أنا بالتأكيد لن أبكي."...

...البكاء، بالنسبة لي، سلوك ضعيف....

...وحين يتوقف من أحببته عن حبّي، فلا معنى لاستخدام دموعي كاستجداء للشفقة....

...لا تحبني؟ إذًا، لا تعانقني....

...لا أريد أن أنهار بين ذراعيك....

...رغم أن الجو ثقيل، رغم أن قلبي يضيق، إلا أنني… لا أرغب في أن أبكي أمامه....

...بل، في لحظةٍ ما، وجدتني أرغب في الضحك بسخرية....

...حبيبتك تنزف، أما كنت تستطيع أن تكون لطيفًا… لمرة أخيرة؟...

...لم أكن أرغب بأن يظل واقفًا بينما أجلس على المقعد الحجري المنخفض، لكن أطرافي كانت متجمدة… كأن جسدي رَفَض الحركة....

...ما أخشاه في الفراق… ليس فقط الفقد، بل أن أفقد القدرة على الحب من جديد....

...ذلك النوع من الانطفاء الذي لا أستطيع السيطرة عليه، ولا أستطيع حتى أن ألومه....

...لو كانت الخيانة هي السبب، أو الكذب، لكان بإمكاني أن أصرخ، أن ألعنه، أن أجد مخرجًا للحزن....

...لكن لا أحد مذنب حين يتآكل الحب بصمت....

...لقد أصبحت أرتعب من فكرة الفراق…...

...لأنني أعلم أن الشكوك ستلاحقني طويلًا....

...وحتى لو مرّت سنوات… سأظل غير سعيدة....

...الفراق، في النهاية، حتمي....

...لم أجد ما أقوله....

...أخرجت هاتفي…...

...وحذفته من قائمة أصدقائي....

...ثم طردته من المجموعة التي تجمعنا....

...كان ضوء شاشة الهاتف هو الضوء الوحيد بيننا....

...رآه بوضوح، ثم… اشتد بكاؤه....

...جثا بجانبي، ووضع كفيه على ركبتي، يداه كانت دافئتين، حتى من خلال طبقات ملابسي....

...لطالما أحببت يدي يان تشي…...

...كنت أحدّق بهما كثيرًا....

...نظرت إليهما للحظة....

...كنت أودّ أن أبعد يديه عني، لكنني لم أفعل....

...قال بصوتٍ باكٍ:...

..."أريدنا أن نظل أصدقاء… اليوم، إن وافقتِ، فلنبقَ أصدقاء."...

...كنت أسمع ارتعاش صوته، كان يرفض تمامًا أن نكون من أولئك الأحبة الذين يصبحون… مجرد غرباء....

...وبينما كانت شاشة هاتفي لا تزال مضاءة، وبعد أن قطعت كل الروابط، تنفست الصعداء…...

...ثم أرسلت له طلب صداقة جديد....

...سألني:...

..."هل هناك شيء آخر تريدين قوله؟"...

...والحق أن لدي الكثير…...

...أسئلة، جراح، كلمات ما زالت عالقة على طرف لساني....

...لكنني… لا أريد أن أقول شيئًا....

...هل السينما تحتاج دائمًا إلى مشهد ختامي؟...

...أنا لم أشعر بعد… أننا انفصلنا حقًا....

...منذ شهرين فقط احتفلنا بذكرى حبنا الثالثة....

...أهداني الشوكولاتة التي أحبها....

...وفي عيد ميلاده الشهر الماضي، حضّرت له كعكة، واشتريت له الهدايا، وتمنيت له أمنية....

...خرجنا للعشاء، ثم للنزهة في شتاء بارد....

...ضحكنا على مسرحية، وتشاركنا الشعر....

...وقبل أيام، نشر صورة لنا، ودعاني في المجموعة لنسافر معًا....

...قال مرارًا إنه يشتهي طبق التمبورا....

...وأنا أخبرته أنني أريد الكرز الذي أكلناه ذات مرة، والفراولة التي بدأت بالظهور في السوق....

...قلت له:...

..."أريد ديوان شعر حديث في عيد ميلادي القادم."...

...وها نحن… صامتان....

...أنا، طوال هذا المساء، لم أكن أفعل شيئًا سوى… الصمت....

...جلس إلى جواري، وقال إن الذكريات… طيّبة....

...نظرت أمامي، وسألته:...

..."وماذا أفعل بالذكريات؟"...

...أخرجت هاتفي من جديد، وبدأت أحذف المنشورات والصور، واحدةً تلو الأخرى. ...

...وكان هو… يشاهدني....

...وحين حذفت بعضها، مدّ يده وأمسك يدي،...

...قال وهو يبكي:...

..."لا… أرجوكِ، لا تحذفيها."...

...كانت يداه دافئتين كعادته، لطالما كان يرفض أن أمسّك يده، لكنه لا يمانع إن وضعتُ يدي في جيبه....

...لماذا لا أحذف؟...

...أنا نفسي لا أحتمل رؤيتها…...

...هل أحتفظ بها ليراها من سيأتي بعدك؟...

...حين كنتُ معه، كنتُ أرى منشورات حبيبته السابقة…...

...فلماذا يُفاجأ الآن؟...

...سحبتُ يدي....

...وربما شعر أنه لم يعد يملك الحق في الإمساك بها، فلم يقاوم....

...خرجت يدي بسهولة....

...قلت ببرود:...

..."لا… أنا لستُ أنت."...

...لكن البرد كان قاسيًا....

...وكانت ذكرياته أكثر....

...ثقل الهاتف… وثقل الحزن....

...فأطفأتُ الشاشة، وأعدتُ يدي إلى جيبي....

...سألته، بصوت خافت:...

..."متى قلت إنك بدأت تشعر بالبرود تجاهي؟"...

...قال بصوت خفيض:...

..."منذ أسبوع تقريبًا… بل، ربما قبل ذلك، لكن كانت هناك الكثير من المهام الدراسية…"...

...نحن منخرطان جدًا في حياة بعضنا....

...عملنا في اتحاد الطلبة، الأساتذة يعرفوننا، الزملاء يعرفوننا، والديّ يعرفان أنني أحب زميلًا لي منذ ثلاث سنوات....

...لكني لم أسأله عن كل هذا، قلت فقط:...

..."لو أردت الحديث عن البرود، فأنت هكذا منذ البداية."...

...قال، مترددًا: "ممم…"...

...عدت للصمت....

...لا أعلم إن كانت هذه الفكرة حقيقية أم لا، لكنني لم أعد أرغب بالسؤال....

...تنهدتُ، بعمق....

...قال بصوت مرتجف:...

..."ألن تكرهيني؟"...

...أجبت… من أنفاسي، لا من فمي:...

..."لا."...

...لطالما ظننتُ أننا سنظل هكذا للأبد، لكن فجأة…...

...سقط كل شيء....

...كنا متفاهمين، كنّا نضحك كثيرًا، لكننا لم نعانق، لم نتبادل القبل، ولم نكتب لبعضنا تلك العبارات الدافئة كما يفعل العشّاق....

...ربما… كنا فقط غير مناسبين....

...ليت الفراق أتى باكرًا....

...جلسنا بصمتٍ طويل، ثم همست:...

..."لنرحل."...

...قال يان تشي:...

..."اذهبي أنتِ أولًا."...

...لم أتحرك....

...وبعد لحظات، وقف وقال:...

..."لنذهب."...

...ما زلتُ ساكنة....

...همستُ:...

..."اذهب أنت."...

...وقف للحظة، جامدًا،...

...ثم… ذهب....

...راقبت ظهره يتوارى في ممرّ الخيزران، وفي اللحظة التي اختفى فيها، أخفضت رأسي… وبكيت....

...تمامًا كما كان. ...

...لم يقل "أحبك" حين كنا معًا... ...

...ولم يقل "انفصلنا" حين افترقنا......

...•••...

...𝑇ℎ𝑒 𝐸𝑛𝑑...

الجديد

Comments

Kazoha

Kazoha

احسنتِ

2025-07-18

0

الكل
مختارات

تنزيل على الفور

novel.download.tips
تنزيل على الفور

novel.bonus

novel.bonus.content

novel.bonus.receive
NovelToon
فتح الباب إلى عالم آخر
لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon