بدأت الليلة تنسحب نحو الظلام الثقيل، حين اختفت ليان فجأة وسط الصراخ والفوضى. ساد الذعر بين الجميع، وتجمّعوا مذعورين حول البحيرة التي بدت أكثر ظلمة ورهبة مما كانت عليه في وضح النهار.
"أين ذهبت؟ لقد كانت هنا قبل ثوانٍ!"، صرخت إحدى الفتيات، والدموع تنهمر من عينيها.
لكن ما كسر الصمت وأدخل الرعب الحقيقي في القلوب… كان صراخًا مرعبًا من فتاة ركضت نحوهم وهي تصرخ:
"ليان!! إنها هناك! جثتها تطفو فوق الماء!!"
هرع الجميع نحو ضفة البحيرة، وهناك رأوا المشهد الذي سيلتصق بذاكرتهم للأبد.
كانت جثة ليان تطفو فوق الماء، مقلوبة، وعلى ظهرها رسوم غريبة، طلاسم محفورة كأنها وُشمت بنار. وجهها كان مشوّهًا، كأن شيئًا ما نهش ملامحها.
ماريا ركضت إلى الأمام، كانت على وشك القفز لإنقاذها، لكن حين اقتربت…
اختفت الجثة.
ببساطة، كما لو أن شيئًا سحبها إلى الأعماق، لم يتبقَ أي أثر لها.
لا طيف، لا دم، لا طلاسم.
مجرد مياه راكدة وصمت ثقيل.
التفتت ماريا للخلف والذهول يملأ وجهها، قالت وهي تلهث:
"لقد كانت هنا… رأيناها! رأيناها جميعًا!!"
لكن المفاجأة الأكبر لم تكن هذه…
بل كانت حين عادوا إلى مكان سقوط أنيتا – التي قُتلت أمام أعينهم – ليجدوا المكان خاليًا.
لا جثة.
لا دماء.
ولا حتى أثر لشيء كان على الأرض منذ دقائق.
"ما الذي يجري بحق السماء؟!" صرخ شاب بصوتٍ متحشرج.
لكن العيون بدأت تتجه ببطء… نحو شخص واحد.
مارك.
كان يقف على بُعد خطوات، يراقب بصمت، ملامحه ساكنة وكأن شيئًا لم يحدث.
"أنت كنت آخر من رآها، صح؟" قال أحدهم بنبرة مليئة بالشك.
"وكان يتحدث معها وحده!" أضافت ماريا، الغضب بدأ يظهر في صوتها.
"وشومه… تشبه تلك التي على جسد ليان!" صرخت فتاة أخرى.
تجمّع الجميع حوله، وصار كأنه محاط بدائرة من الاتهام.
لكنه لم يتحرك. قال بهدوء غريب:
"أنتم خائفون… تبحثون عن كبش فداء."
صرخ شاب:
"أنت لست من بيننا حتى! من أين أتيت؟ لا أحد يعرفك!"
حاولت ماريا التأكد من وجود اسمه في قائمة الرحلة على هاتفها، لكن الهاتف لم يعمل. البطارية ماتت، رغم أنها كانت ممتلئة.
"غريب…" تمتم شون. "جهازي أيضاً توقف عن العمل."
كل شيء كان ينهار.
ثم فجأة، إحدى الفتيات – كانت تقف قرب الشاحنة – سقطت على ركبتيها وهي تمسك رأسها وتصرخ:
"لا… لا أستطيع… أشعر بشيء… شيء يناديني… داخلي!"
صرخوا يحاولون مساعدتها، لكن جسدها بدأ يرتجّ بعنف، ثم…
بشكلٍ مفاجئ، انشقت بطنها بطريقة مرعبة، وتدلت أحشاؤها من جسدها أمام أعين الجميع.
كان الدم يتدفق مثل نهر صغير، والفوضى تعم المكان.
بقيت الفتاة تحتضر أمامهم، وقبل أن تسقط تمامًا… همست بصوتٍ مبحوح، دامٍ:
"لا… تثقي… بــــشـ..."
ثم لفظت أنفاسها الأخيرة.
---
في تلك الليلة، لم ينم أحد.
كل العيون ظلّت مفتوحة، خائفة من أن تُغلق للحظة فتستيقظ على كابوس جديد.
ماريا لم تستطع التوقف عن التفكير. الكلمات الأخيرة للفتاة تتردد في رأسها:
"لا تثقي بـ ش…"
شون؟
مارك؟
من المقصود؟
وبينما كانت تحاول فهم ما يحدث، لمحت مارك يتحرّك بهدوء نحو الغابة.
نهضت دون تفكير، تتبعه بخطوات بطيئة، لكن قبل أن تخطو أكثر…
أمسك بها شون بقوة.
"إلى أين؟" سألها بنبرة لم تعهدها منه.
"مارك… دخل الغابة، يجب أن نعرف ما يفعل! هناك شيء غريب فيه!" ردّت عليه بقلق.
لكن شون نظر إليها نظرة باردة وقال:
"دعيه وشأنه. لا تتدخلي. هذا ليس من شأنك."
"لماذا تدافع عنه؟!" صاحت.
أجابها بصوتٍ منخفض:
"ليس كل شيء كما تعتقدين… وأحيانًا… الحقيقة مخيفة أكثر من الكذب."
تركها واقفة في مكانها، تتخبط بين الشكوك، والألم، والخوف…
فقد أصبح لديها الآن شعور مرعب بأن الشخص الذي كانت تثق به أكثر من أي أحد…
قد يكون هو من لا يجب أن تثق به أبداً.
Comments