بداية جديدة
ولدتُ باسم جيسيكا ريلاند، الطفلة الوحيدة للأرشدوق الأكبر، شقيق إمبراطور الإمبراطورية الغربية، وأمي كانت أميرة من الإمبراطورية الشرقية. كنتُ أميرة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، مدللة، محاطة بالخدم والحراس، لم يكن ينقصني شيء. نشأتُ في قصر فخم، حيث كانت الأقمشة الحريرية والأحجار الكريمة زينة غرفتي، والذهب يلمع في كل زاوية. كنتُ الوريثة المدللة التي لا تحمل همًّا في حياتها سوى اختيار فستان الحفلة القادمة أو المجوهرات التي ستزين شعري.
لكن مشكلتي الأكبر لم تكن في كوني مدللة، بل في كوني ساذجة. كنتُ أؤمن بالحب، بالوعود الجميلة، بالكلمات الساحرة التي تُقال لي. وهكذا، عندما التقيتُ بالأمير أليكس، الشاب الوسيم ذو العيون العسلية والابتسامة الجذابة، صدّقتُ كل كلماته. أخبرني أنه يحبني، أنه يريد الزواج بي، أنه يحلم بمستقبل مشترك لنا. لم أشك للحظة في نواياه، لم أفكر أبدًا في السبب الحقيقي وراء اهتمامه بي.
باسمه، ولأجله، أصبحتُ خائنة.
كنتُ في البداية مجرد فتاة ساذجة تصدقه، ولكن بمرور الوقت، بدأ يطلب مني معلومات صغيرة، تفاصيل عن حياة القصر، عن تحركات الجنود، عن الاجتماعات السرية لعمي الإمبراطور. أقنعني أن كل هذا من أجل حبنا، من أجل أن نصنع مستقبلًا آمنًا لنا معًا. لم أكن أدرك أنني كنتُ أسلم له مفاتيح دمار إمبراطوريتي بيدي.
وعندما سقطت الإمبراطورية الغربية والشرقية معًا، وعندما وجدتُ نفسي وسط الخراب، أدركتُ الحقيقة المروعة: لقد كنتُ أداة له، مجرد وسيلة لتحقيق طموحاته.
لكنه لم يكافئني بالحب أو الامتنان، بل جعلني أسيرة.
بعد أن استولى على العرش، أجبرني على الزواج منه، وأصبحتُ إمبراطورة، ولكن ليس كزوجة حقيقية، بل كأسيرة محطمة. كنتُ أعيش في القصر، لكنني لم أكن سوى ظلًا للمرأة التي كان يحبها حقًا، الإمبراطورة الجديدة التي اختارها لنفسه. كنتُ مجرد ألعوبة، يتجاهلني عندما يشاء، ويعذبني عندما يشعر بالملل.
لكنني لم أستسلم.
على الرغم من أنني كنتُ أسيرة، قررتُ أن أصبح قوية، ليس من أجله، ولكن من أجل نفسي. بدأتُ أتعلم كل شيء يمكنني تعلمه: السياسة، الاقتصاد، إدارة شؤون الدولة، الفنون العسكرية، والاستراتيجيات الحربية. لم يكن لديّ أي أمل في النجاة، لكنني كنتُ مصممة على أن أترك أثرًا، حتى لو كنتُ في قفصي الذهبي.
ولكن في النهاية، لم يكن ذلك كافيًا لإنقاذي.
عندما استقرت الإمبراطورية الجديدة، لم يعد لي أي قيمة، فتم حبسي في زنزانة تحت الأرض، حيث تعرضتُ للتعذيب المستمر حتى لفظتُ أنفاسي الأخيرة. وبينما كنتُ أموت، سألتُ نفسي:
"هل حقًا أستحق هذا؟ هل كانت هذه هي النهاية التي كتبتُها لنفسي؟"
لكن القدر لم يتركني أموت.
عندما فتحتُ عينيّ مرة أخرى، لم أكن في القصر، ولم أكن في زنزانة، بل كنتُ في مكان مختلف تمامًا. وجدتُ نفسي وسط عائلة جديدة، عائلة جيانغ، إحدى أقوى العائلات التي تُعرف بإتقانها للفنون القتالية والطبية، وقد وُلدتُ من جديد كابنة لهم.
لكن هذه لم تكن مجرد فرصة ثانية، بل كانت عالمًا جديدًا بالكامل.
العصر لم يكن ذاته، التكنولوجيا كانت متقدمة، وكان هناك شيء لم يكن موجودًا في حياتي السابقة: المانا.
بفضل تدريبات العائلة الجديدة، اكتشفتُ أن جسدي الجديد لديه قدرة استثنائية على التحكم بالمانا. لم أكن ضعيفة كما كنتُ في الماضي، بل أصبحتُ مقاتلة، طبيبة، استراتيجيات حربية، ومحاربة قادرة على استخدام القوة السحرية بطرق لم أكن أتخيلها من قبل.
تدربتُ بلا توقف، لم أسمح لنفسي بأن أكون ضعيفة مجددًا. كنتُ أتدرب حتى تنهار عضلاتي، وأدرس حتى تتعب عيناي، وأقاتل حتى يصبح القتال غريزة لدي. لم أعد تلك الفتاة المدللة التي تحتاج إلى حماية، بل أصبحتُ أقوى رئيسة لعائلة جيانغ على مر العصور.
ولكن فجأة، وبينما كنتُ على متن طائرة في إحدى مهماتي، وقع انفجار قوي. شعرتُ بالحرارة، بالألم، ثم... الظلام.
وهكذا، متُّ مرة أخرى.
---
عندما فتحتُ عينيّ هذه المرة، وجدتُ نفسي في جسدي الأول، في سريري الفخم، وصوت خادمتي يقول لي:
"سيدتي ريلاند، انهضي. اليوم هو يوم الحفلة، علينا التجهيز."
شعرتُ بصدمة قوية، ركضتُ نحو المرآة، رأيتُ انعكاسي، نفس الوجه، نفس العيون، ولكن هذه المرة، كنتُ شخصًا مختلفًا تمامًا في الداخل. شعرتُ بالمانا تتدفق في جسدي، شيء لم يكن لديّه في حياتي الأولى. أغلقتها بسرعة، لا أريد أن يشكّ بي أحد.
اليوم، كان يوم الحفلة التي بدأ منها كل شيء في حياتي السابقة. اليوم، يجب أن أقطع كل الروابط مع أليكس، وأمنع الكارثة من الحدوث.
---
ذهبتُ إلى عمي الإمبراطور، وأخبرته مباشرة أن أحد نسل الإمبراطورية المعادية لا يزال على قيد الحياة. لم يسألني عن التفاصيل، بل أمر بتجهيز الجنود سرًا.
ثم، قابلتُ الأمير أليكس، تظاهرتُ بأنني لا أزال الفتاة الغبية نفسها، وأخبرته أن كل شيء جاهز ليستولي على العرش. ابتسم بثقة، ولم يشكّ بي لحظة.
وعندما بدأت الحفلة، وانطفأت الأنوار كما خطط، لم يكن بانتظاره سوى الجنود الذين قيدوه على الفور. عندما نظر إليّ، كانت الصدمة تملأ وجهه، ثم صرخ بغضب:
"كنتِ في صفي! ألم تحبيني؟!"
ابتسمتُ ببرود وقلتُ:
"الحب؟ أنت لم تكن سوى خطئي الأكبر."
حُكم عليه بالسجن تحت الأرض، وعندما نظرتُ إليه للمرة الأخيرة، شعرتُ بالرضا. لم يكن هذا كافيًا لانتقامي، لكنه كان البداية الجديدة التي كنتُ أحتاجها.
في تلك الليلة، عدتُ إلى والديّ، وعانقتهما بحرارة. في عيونهما، رأيتُ الدهشة، وفي قلبي، عرفتُ أنني قد غيرتُ قدري.
والآن، أمامي طريق جديد تمامًا، هذه المرة، لن أسمح لأي شخص بخداعي مجددًا.
Comments