بعد بضعة أيام من اخبار جلالته، قمتُ بزيارة لعائلة الكونت سارانجي، كان ذلك بناءً على الاتفاق الذي تم خلال الزيارة الأولى لترتيب التفاصيل المتعلقة بالزواج.
ومع ذلك، اليوم هناك أمرٌ أكثر إلحاحًا يجب التأكد منه قبل التحدث عن تفاصيل الزواج، إذا كانت صحة ليرا بالفعل ضعيفة كما يُقال، فسيكون من المؤسف جدًا، لكن سيتوجب عليّ إلغاء هذا الاتفاق.
عائلة الدوق كلوديل لا تملك حاليًا أي احتمالات لأخذ طفل بالتبني من بين أقاربه، إذا ظللتُ غير متزوجٍ حتى الكِبر، فقد أجد أحدًا حينها، ولكن في الوقت الحالي لا يوجد أي ولد يصلح للتبني.
على الرغم من أن قوانين هذا البلد تسمح بأن تكون امرأة على رأس العائلة، إلا أن الأولوية دائمًا تكون للذكور، يمكن تبني فتاة من الأقارب، لكن إيجاد زوجٍ لها سيكون أصعب من إيجاد زوجةٍ لي، ولا أرغب في تحميل الابنة بالتبني أعباءً إضافية.
لهذا السبب، أفضّل أن يكون وريثي هو طفلي الحقيقي، لكن أولاً، عليّ التحقق من صحة الشائعات...
ليرا، كما هو الحال دائمًا، كانت تنظر إليّ بابتسامة سعيدة وعينين متألقتين، مما جعل طرح السؤال أمرًا صعبًا للغاية.
"أمم..."
"نعم! ما الأمر؟"
"أمم... آه. سمعتُ أنكِ تُلقبين بزهرة المجتمع الوهمية."
"حقًا؟"
كانت تنظر إليّ بحيرة مائلة رأسها قليلاً، مما جعلها تبدو لطيفة للغاية، شعرتُ بأن ملامحي كادت أن تلين لا إراديًا، حسنًا، حتى لو ارتخت ملامحي، فلن يبدو وجهي الشرس أكثر لطفًا على أية حال.
"على أي حال، نادني ليرا فقط، فنحن الآن مخطوبان."
"آه، حسنًا."
"وإذا أردت، يمكنك التحدث معي دون استخدام اللغة الرسمية. فأنا ابنة لعائلة أقل مكانة."
"آه، حسنًا. إذًا، بخصوص..."
"اللغة الرسمية..."
حتى عندما خفضت حاجبيها ودفعت شفتيها قليلًا باستياء، بدت لطيفة، في الواقع، كان ذلك الجمال مصدر إزعاجٍ أكثر مما هو راحة.
"أمم، حسنًا... هناك شيء أود التأكد منه اليوم، هل يمكنني ذلك؟"
"بالطبع! اسألني أي شيء تريده!"
"إذًا، هل ستستمرين باستخدام اللغة الرسمية؟"
"هل يمكنني التحدث بغيرها؟"
"بما أننا مخطوبان، فمن الطبيعي أن نتحدث على قدم المساواة، لا حاجة لاستخدام اللغة الرسمية بيننا، ويمكنك مناداتي باسمي فقط."
"حسنًا، سأفعل ذلك."
رؤية ليرا تبتسم لي بسعادة كانت كافية لتملأني بالرضا، شعرتُ للحظة أن كل شيء يمكن أن يكون على ما يرام دون تفكير إضافي، لكن لا، لا يمكنني نسيان واجبي كربّ لعائلة الدوق.
"إذًا... سمعتُ أنكِ مريضة منذ زمن طويل، هل هذا صحيح؟ يُقال إنكِ لا تحضرين سوى الحفل الملكي السنوي، ولذلك أُطلق عليكِ لقب زهرة المجتمع الوهمية."
"أمم... حسنًا.... صحيح أنني لا أحضر سوى الحفل الملكي السنوي، لكنني لستُ مريضة، في الحقيقة... كنتُ أتصنّع المرض."
"تتصنّعين؟، لماذا تتظاهرين بأنكِ مريضة؟"
"عندما كنت صغيرة، كنتُ أمرض أحيانًا وأتبع والديّ إلى مناسبات تُتعبني جسديًا، هذا جعلني أرفض دعوات اجتماعات الأطفال وحفلات الشاي، ومن هنا انتشرت الشائعات عن مرضي، بسبب ذلك، لم أكن أخرج كثيرًا، وأصبحتُ خجولة اجتماعيًا، ربما يكون هذا محرجًا في سني الآن، لكنني ما زلتُ أجد صعوبة في التعامل مع الناس، لذا، أنا بخير تمامًا، وحتى أنني لم أُصب بنزلة برد منذ أن كبرت."
هل يمكن أن تكون ليرا استغلت الشائعات كذريعة لتجنب المناسبات الاجتماعية؟، حتى الآن، ما زالت تدّعي المرض، يبدو أنها جريئة بطريقة فريدة.
نظرت إليّ ليرا بملامح متوترة ومُنكسرة، مما جعلني أشعر وكأنني ارتكبت خطأً فادحًا، رغم أنني لم أقصد لومها.
"هل ما زلتِ خجولة الآن؟، حتى معي؟"
"ليس كثيرًا."
"ليس كثيرًا، إذًا."
"نعم، الآن، أكثر من كوني خجولة، أريد فقط أن أُظهر نفسي بأفضل صورة لأعجبك."
كانت تخفض نظرها بخجل، مما جعلها تبدو أكثر جمالًا، رغبتُ في معانقتها فورًا.
لكن لا، يجب أن أتماسك. أنا دوق، ورب عائلة نبيلة.
مع ذلك، بينما كنت دائمًا أقول إن الشكل لا يهم، يبدو أنني أقترب من الوقوع في حبها، لكن ليس الأمر مجرد جمال، ليرا لديها سحر خاص في تصرفاتها وتعبيراتها التي تتغير باستمرار.
"إذًا، لا يوجد أي مشاكل صحية، صحيح؟"
"لا، لا مشاكل، وإذا كنتَ قلقًا، يمكنك أن تُحضر طبيبك الخاص لفحصي قبل الزواج، حتى لو جاء فجأة، سأكون بخير تمامًا."
"لا، ليس هناك حاجة لذلك، يبدو أن كل شيء بخير."
من الواضح أنها واثقة من صحتها، مما يجعلني مطمئنًا، طالما لا توجد مشاكل صحية، فالزواج يبدو خيارًا آمنًا، وإذا ظهرت مشاكل في الإنجاب لاحقًا، يمكننا التفكير في الأمر حينها.
حتى إذا كانت هناك أسرار لم تكشفها، فلا أعتقد أن هناك مشاكل لا يمكن التغلب عليها.
في الواقع، والداي كانا قد تزوجا زواجًا سياسيًا، لكنهما انفصلا عندما كنت صغيرًا، ووالدتي غادرت المنزل.
عائلة الدوق كلوديل هي عائلة عريقة ومعروفة بحياة البساطة والتقشف، والدتي، التي جاءت من عائلة ماركيز ميسورة، توقعت حياة مترفة لكنها وجدت العكس، لم تكن راضية عن غياب والدي المتكرر بسبب عمله كفارس، مما دفعها للبحث عن حياة جديدة مع رجل آخر.
لكن ذلك لم ينتهِ كما توقعت، وسمعتُ أنها أصبحت زوجة ثانية لأحد النبلاء في دولة مجاورة.
ومع ذلك، لقد أدّت دورها كزوجة دوق وأنجبت الوريث، رغم أنها تركتني، إلا أنني نشأتُ جيدًا، أنا هنا الآن لأضمن استمرار العائلة، وأعتقد أنني أستطيع التغاضي عن بعض الأمور إذا لزم الأمر.
"أيضًا، عائلتنا لا تؤيد حياة الترف والبذخ، هل سيكون ذلك مشكلة بالنسبة لكِ؟"
سألتُ ذلك لأتأكد، بسبب تجربتي مع والدتي.
"أرجوكِ لا تفهميني خطأ، ولكن حتى لو كنا عائلة دوقية، فلسفتنا تعتمد على البساطة والتقشف، إذا كنتِ تتوقعين حياة مترفة، فقد تشعرين بخيبة أمل، أعتذر إن كان الحديث عن هذا محرجًا، لكن والدتي كانت هكذا..."
"أريد الزواج منك لأنك فاليريو، ليس لأنك دوق أو قائد الفرسان، لا يهمني أي من هذه الأمور، أياً كان موقعك، المهم أنك فاليريو، أعتقد أنني سأكون سعيدة معك بغض النظر عن نوع الحياة التي سنعيشها."
قالت ليرا هذا بينما تعقد شفتيها وكأنها منزعجة قليلاً.
فهمت كلماتها فجأة، وشعرت بفرحة غامرة، ربما كنت أبحث عن هذه الكلمات طوال الوقت، لم أكن أتخيل أن هناك شخصاً يريدني بصدق، بغض النظر عن الظروف، لدرجة أنه مستعد لتقبل أي حياة معي.
بما أن المشكلة الأكبر قد حُلّت، بدأنا محادثات رسمية بشأن الزواج مع والدي ليرا، وتم تحديد موعد الزفاف بعد ثلاثة أشهر فقط، وهو أقرب وقت ممكن.
ليرا لم تكن ترى سبباً لتأجيل الزفاف، وأرادت الزواج في أقرب وقت، مما جعلني أشعر بسعادة غامرة.
بعد العودة إلى القصر، أخبرت فيليو أن الزفاف سيكون بعد ثلاثة أشهر، كنت أعلم أن التحضيرات للزفاف ستشغله كثيراً.
"فسيدي اليريو."
"ما الأمر؟"
"ماذا عن وصيفات ليرا؟، هل ستجلبهن من عائلة الكونت سارانجي؟"
"بشأن ذلك، علينا تجهيزهن هنا، ليرا قالت إنها تريد حضور مقابلات التوظيف."
"سأبدأ بإجراءات التوظيف مبكراً."
"أعتمد عليك."
وبذلك، بدأنا عملية توظيف خادمات جديدات في قصر كلوديل استعداداً للزواج.
حاليًا، جميع العاملين في قصر عائلة كلوديل من الرجال، ومعظمهم فرسان سابقون، في الماضي، حاولنا توظيف خادمات، لكن لم يتقدم أحد أو انتهى الأمر برفض المتقدمات بعد المقابلة.
الفرسان مدربون على القيام بكل شيء بأنفسهم، بما في ذلك تنظيف ملابسهم، لذلك لم يكن وجود الخادمات ضرورياً، أنا أيضاً أعتني بنفسي، مما يجعل وجود خادمات غير ضروري بالنسبة لي.
لكن ليرا ستحتاج إلى وصيفات لمساعدتها في تحضير نفسها كأي سيدة نبيلة، كنت قلقاً من أن تخاف الخادمات مني.
كنت أعتقد أن ليرا ستُحضر وصيفتها الخاصة من منزل والدها بعد الزواج، لكن اتضح أن ذلك غير ممكن، وصيفتها الوحيدة لديها خطط للزواج قريباً وستترك العمل بعد ستة أشهر، لذا لم يكن هناك خادمات لتُحضرهن معها.
إذاً، سنحتاج إلى توظيف خادمات جدد، لكن العثور على خادمات مناسبين لن يكون سهلاً.
اقترحت فكرة استدعاء نساء كن فرساناً سابقات وتركن العمل للزواج أو تربية الأطفال، إذ قد يكون لديهن الخبرة المطلوبة، عندما ناقشت الأمر مع ليرا، طلبت أن تشارك في المقابلات بنفسها.
في عائلة كلوديل، عادة ما يقوم رب العائلة بإجراء مقابلات التوظيف، نظرًا لسمعة العائلة ولتجنب أي حالات هروب بعد بدء العمل.
لكن إذا كانت ليرا ستشارك في المقابلات، فقد ترى ردود فعل المتقدمات تجاهي، وهو أمر يقلقني.
حالياً، تنظر لي ليرا بعينين مليئتين بالإعجاب، لكن ماذا لو تغيّر رأيها عندما ترى ردود أفعال النساء الأخريات تجاهي؟.
كنت أفضل إتمام عملية التوظيف دون إشراكها، لكن...
"من فضلك، أريد أن أختار خادمتي بنفسي."
قالت ذلك بنبرة متوسلة ونظرة خجولة، مما جعلني غير قادر على الرفض.
سنبدأ عملية التوظيف قريباً لتتمكن الوصيفات من تعلم العمل في قصر كلوديل قبل الزواج، ومع أنني لا أتوقع العثور على مرشحات فوراً، إلا أنني آمل أن نتمكن من إجراء المقابلات خلال شهر تقريباً.
Comments