الفصل الأول: معفاة، الجزء الثاني.

وقالت الأخرى لا تكاد تخفي دهشتها:

-يا للعجب. كيف لا نعرف ما يحدث لسيدتنا؟

لقد أدركت تمامًا أي جزء من الصحيفة تتحدثان عنه. لقد قرأتها عشر مرات. و قد حفظته عمليًا عن ظهر قلب.

"مفاجئ! ابنة ماركيز يوليوس والسير آرثر تزوجت قبل خمس سنوات بموافقة القصر ولكنها أبقت الأمر سرًا طوال هذه المدة…"

" أعرب عديد من أبناء الأسر النبيلة الذين كانوا مهتمين بالسيدة كريستينا عن خيبة أملهم…"

"ابن الكونت "فلان" طريح الفراش من الصدمة…"

-هل تزوجا رسميًا؟ هل يعني ذلك أنهما ناما معًا؟

-يا إلهي... مستحيل. لا يعقل أن لا نكون قد علمنا. في القصر الكثير من العيون!

-حسنًا، تقول الصحيفة إنهما كانا يخفيان الزواج. يجب أن أسأل الجميع عن هذا في الصباح. أتساءل إن كان أحد قد علم.

كن يتحدثن بصوت منخفض، إلا أن حماستهُن تجلت في أصواتهن بكل وضوح، سحبت رينا ببطء الأغطية لتغطي شفتيها. لا أحد هنا يستطيع أن يجيب على أسئلتهن. لا أحد سوى رينا، التي حافظت على فمها مغلقا...

ولاحق القول، كانت المسألة بسيطة نسبيًا. قبل خمس سنوات خلت... باع ماركيز يوليوس ابنته لكسب ثقة البلاط الإمبراطوري في يأسٍ شديد ليصبح ناخبًا. و لمن باع؟ أحم، لابن الإمبراطور غير الشرعي الذي تكرهه طبقة النبلاء أمداً طويلاً.

وكانت هذه الصدمة كبيرة على السيدة النبيلة المتعالية. التي ولدت وترعرعت في عائلة يوليوس، فهذا أمرٌ لم تتخيله حتى في أحلامها الأكثر جنونًا.

يعد السمعة والشرف في غاية الأهمية بين نبلاء الطبقات العليا، والابن غير الشرعي بعيدٌ عن الشرف بعد السماء عن الأرض. في الواقع، حتى البلاط الإمبراطوري حافظ على سرية نسب الشاب في ذلك الوقت، تاركًا الحقيقة التي تشير إلى أنه من سلالة ملكية غير معترف بها علنًا. الزواج من طفل غير شرعي، أو لعله مجرد فرد تافه من عائلة نبيلة قد يكون نفسه ابنًا غير شرعيًا للإمبراطور؟ رغم أن نسبه الحقيقي مشوب بالغموض، إلا أن ما كان مؤكدًا هو العار الذي سيجلبه هذا الشاب لابنة الماركيز.

وقتئذ ثارت الماركيزة، رافضة إرسال ابنتها الثمينة، طفلتها الوحيدة إلى مثل تلك العائلة. ولكن رغم كل معارضاتها، تابع ماركيز يوليوس قائلاً:

-سوف يذهب إلى الحرب قريبًا، لذا سنقيم مراسم الزواج بهدوء. يمكننا إعلان الزواج لاحقًا عندما يعترف الإمبراطور بنسبه الملكي ويستعيد سمعته! نحن في حرب على أي حال، وقد حظرت جميع التجمعات الاجتماعية. طالما بقينا هادئين، فلن يعلم أحد! وقد وافق البلاط الإمبراطوري على تكريمنا على ذلك.

لماذا؟ لماذا كان لابد من أن تمر ابنة الماركيز بكل هذه المتاعب من أجل الزواج؟ ليس الزواج أمرًا سهلًا. ما كان بإمكان شخصين أن يهمسا قائلين: "نعم. لقد تزوجنا الآن"، ثم يدليان بالموافقة. سيشكل هذا النوع من الزواج مشكلة حتى لابنة نبيلة عادية. ناهيك عن ابنة الماركيز المتعجرفة التي لم تنتعل حتى مرة واحدة حذاءً لم ترغب فيه، لن توافق على هكذا الزواج بسهولة. بالطبع، قد تمردت...

وفي النهاية، استدعت إحدى الخادمات التي في مثل سنها، وكان يُشاد بها أحيانًا على جمالها…

من غيرها، رينا. وهذا ما جرى.

حدقت في السقف من داخل بطانيتها. أي، في اللوح الخشبي الفاسد أسفل السرير العلوي الذي فوقها.

-...ما رأيك في شخصيته؟ أعني السير آرثر...

تسللت فضول الخادمات عبر الغرفة إلى آذان رينا. ما من شك أنهن سيتجولن في الغد ويسألن جميع الخادمات، لكن من غير المحتمل أن يسألن رينا. ولأنها تحمل سرًا لا تستطيع الإفصاح عنه، فقد نأت بنفسها قليلًا عن بقية الخادمات. وليس كأنها ستتمكن من الإجابة لو سألنها في المقام الأول…

وعلى حين غرة انفتح الباب، ودوى صوت ارتطامه بالجدار. و دخلت رئيسة الخادمات السيدة هيرست، واخترق صوتها الجهور الأجواء.

-فلتجتمع جميع الخادمات!

استفاقت الخادمات اللاتي كن غارقات في نوم عميق والخادمات اللاتي كن يهمسن مع بعضهن، جميعهن ناضلن للنهوض من أسرتهن، لم يكن جديدًا. فقد أصبح التوبيخ والملاحقة يوميًا جزءًا من الروتين اليومي لجميع العاملين في القصر. ورغم الألم الذي يسببه الاستيقاظ المفاجئ، تحركت جميع الخادمات، بمن فيهن رينا، بحركة مألوفة ومنظمة أثناء خروجهن من أسرتهن يتناولن زيهن الرسمي، بينما يوقظن من لا تزال نائمة.

عقب تجمع الجميع في الردهة أمام الماركيز، سألت الماركيزة

-من المسؤول عن تنظيف هذه المنطقة؟

كانت تحدق في بقعة خفيفة على درابزين الدرج. من بين الموظفين الذين كانوا مصطفين في تشكيل مثالي، تقدمت خادمة شابة خطوة للأمام بوجه شاحب كالاشباح. كانت تطأطأ رأسها خجلًا. دون أن تلقي عليها نظرة، سارت الماركيزة نحو النافذة وسحبت الستائر لفتحها. وقالت:

-وهنا؟

كانت هناك بقايا ريش وقليل من الدماء من طائر صغير غير محظوظ لقي حتفه بعد اصطدامه بالنافذة. ابتلعت خادمة أخرى ريقها بقلق وتقدمت بصمت وتحدق في قدميها. استمرت في كمادات بعض الخادمات والموظفين َ واحدًا تلو الآخر. لم يتردد أحد. فقد كانوا يعلمون عواقب إظهار حتى ذرة من التردد.

نظرت رينا إلى الأرضية الرخامية. كانت نظيفة لدرجة أن ترى انعكاس وجهها. قد يكون قصر الماركيز ضخمًا، لكن أكثر من مئتي خادمة قد دُمرت راحتهن بلا كلل طوال الشهر الماضي لضمان أن كل زاوية في غاية النظافة. ومن المستحيل أن لا يكون القصر نظيفًا بهذا المعدل. كانت البقعة الخفيفة على درابزين السلم تحدث مرات عدة طوال اليوم بينما كان الخدم يصعدون وينزلون السلم حاملين الحقائب أو الأثاث أو ما شابه. وكيف يمكن لأحد أن يمنع طائرًا من الاصطدام بالنافذة؟ ومع ذلك، فقد أظهر الجميع الخجل على محياهم أملاً ألا يوقعوا أنفسهم في غضب السيدة. إذا حافظوا على سلوك مطيع، فستمر هذه السفاسف مرور الكرام عادة. حتى أصغر الخادمات، اللاتي كن يرتجفن من غضب السيدة في السابق، أصبحن أكثر صلابة بعد كل تلك المضايقات خلال الشهر الماضي.

في النهاية، كان الجميع يعلمون جيدًا أن النظافة ليست المشكلة. فلن يجعل البيت النظيف السير آرثر يفكر فجأة بمودة في أصهاره بعد أن عاملونه معاملة غريب طوال الخمس سنوات الماضية. وقد عقلت الخادمات جيدًا أن هذه طريقة الماركيزة لتخفيف توترها بعد أن ظلت في القلق متربص مدة طويلة. لا حاجة إلى ذكاء لفهم أن عائلة الماركيز قد أهملت السير آرثر وجنوده. لذا، فمن الطبيعي أن تكون سيدتهم هيستيرية بسبب عودتهم.

-أنا متأكدة أنني لا أدفع لكن لتتركن بقعاً كهذه.

ثم مرت الماركيزة بسرعة بجانب رينا. للحظة، شعرت بنوع من الراحة لأنها نجت من نظرتها. ثم، شعرت بأن الماركيزة قد التفت بسرعة وضربت الخادمة التي كانت تقف بجانبها بمروحة.

اصطدمت الخادمة التي كانت بجانب رينا بها في كتفها عندما فقدت توازنها. حجزت رينا أنفاسها.

-هل تغفين، أيتها الخادمة؟

انحنت الخادمة بائسة عند الخصر بعد أن استعادت توازنها بالكاد.

-لا، لا على الإطلاق، سيدتي.

-لا؟

وجهت الماركيز ضربة أخرى بمروحتها على وجه الخادمة.

-إذن تقولين أنني على خطأ؟

فتمزقت المروحة الرقيقة الآن. و استفحل القلق بين الموظفين وتصلبت جسد رينا. هل كانت الخادمة بجانبها تغفو حقًا؟ لم تكن متأكدة. لم تشعر بذلك. لكن ما كانت متأكدة من أن الوضع لا يطمئن بتاتا.

ثم نادت الماركيزة اسمها فجأة.

-رينا أستارين.

فاجابت: نعم، سيدتي.

-أنت معفاة من الآن

تجمدت في مكانها، و اتسعت عيناها، لم تتوقع هذا أبدًا

-عذرا؟

وصُدمت الخادمات الواقفات بجانبها بنفس القدر، واستدرن للنظر إليها، ناسيات أنه ينبغي لهن خفض رؤوسهن.

آه، ما افكر فيه صحيح؟

فجأة، راودها شيء من القلق بشأن سبب مناداتها بـ "معفاة" في هذا الوقت بالذات. ربما كان هذا يتعلق بالسر الذي لا يعرفه سوى عائلة الماركيز ورئيسة الخادمات. لكنها استمرت في التظاهر بالجهل، وأخفضت عينيها بسرعة مجددًا في انتظار الأمر التالي.

نادَت الماركيزة رئيسة الخادمات.

-أولغا.

-نعم، سيدتي.

ثم أشارت بذقنها نحو رينا وأدارت وجهها. فتابعت السيدة هيرست الحديث من حيث توقفت الماركيزة.

-لقد اختارتكِ السيدة كريستينا خادمة لها. سأعطيكِ أوامركِ التالية، فاتبعيني.

أخفضت رينا رأسها لتخفي المفاجأة التي ظهرت على وجهها. و قالت:

-نعم، سيدتي.

ابتعدت الخادمات المتعبات، اللاتي كانت عيونهن غارقة في الإرهاق، عن رينا. في حين ابتسمت ابتسامة مريرة. واسرت في نفسها وقالت:

… أظني أنني افضلُ حالا بعد أن صرت خادمة سيدة نبيلة.

مع أن الجميع يخضعون للعمل الشاق يومًا بعد يوم دون نوم كافٍ، لم يحسدها أي من الموظفين على استدعاء السيدة الصغيرة. و هذا تعبير عن سمعة السيدة بين الخادمات.

كانت رينا تنقب بأصابعها في مئزرها بعصبية وهي تمشي في إثر رئيسة الخادمات صعودًا إلى غرفة السيدة كريستينا.

فكرت في نفسها وهي تنظر إلى قذال رئيسة الخادمات.

خادمة شخصية؟... لا أظن ذلك...ألن سيصل قريبًا؟

استنادًا إلى كل الأخبار التي وردت مؤخرًا، وصل السير آرثر وجنوده إلى مدينة فونتير المجاورة قبل يومين. كان من الشائع أن تبقى القوات في مدينة ما لمدة تتراوح بين خمسة أيام إلى أسبوع. تستغرق الرحلة من فونتير إلى يوليوس حوالي أربعة أيام على ظهور الخيل.

وبما أن السير آرثر يسافر مع جنوده، فمن المحتمل أن يستغرق حوالي أسبوع. لذا، من المرجح أن يستغرق وصوله إلى يوليوس عشرة أيام على الأقل .

عندما يصل، على السيدة كريستينا أن تتولى دور عروس. لن تسمح لي بالبقاء قربها حينها، صحيح؟

قومت رينا ظهرها عندما طرقت رئيسة الخدم باب غرفة السيدة كريستينا، وأعلنت:

-سيدتي، أحضرت رينا.

فجاءها الرد من الداخل:

-تفضلي.

ففتحت الباب وأومأت برأسها لرينا. ودخلت الأخيرة على مضض وانحنت رأسها بعمق.

-سيدتي. سمعت أنكِ طلبتِ…

لكن قبل أن تنهي تحيتها، طارت منفضة سجائر عبر الغرفة، وأصابتها في رأسها، فسال الدم على جبينها...

مختارات

تنزيل على الفور

novel.download.tips
تنزيل على الفور

novel.bonus

novel.bonus.content

novel.bonus.receive
NovelToon
فتح الباب إلى عالم آخر
لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon