كانت الساعة الثالثة فجرًا. غرف الخادمات في قصر مركيز يوليوس. رينا مستلقية على سريرها العلوي، في زاوية قصية من الغرفة. فتحت جريدة بهدوء شديد حتى لا توقظ الخادمات الأخريات النائمات. كان السكون لا يكسره غير احتكاك الأوراق في نور شمعة معلقة على الحائط، تُلقي بضوئها الخافت على الكلمات.
"وصل قائد القرن، السير آرثر، إلى مقاطعة فونتير بعد انتصار باهر."
"ألقى مواطني فونتير الزهور على القوات المنتصر. "
"مقاطعة يوليوس على بعد شعرة، فهل سنشهد اللقاء بخطيبته، الانسة كريستينا، بعد خمس سنوات من الانفصال؟"
"تحتفي مقاطعة يوليوس بعودة الجيش المنتصر. "
"ظهر ماركيز يوليوس في موقف قوة بفضل صهره. فهل سنشهد تقلباً موازين حكم الناخبين؟ شوهدت الماركيزة يوليوس متحفظة على صمتها. "
فركت عينيها المتعبتين وهي تقرأ المقالات مرة أخرى. ثم، بابتسامة رضا، بدأت في ترتيبها ضمن ثلاثة دفاتر حسب أفضليتها.
خبر تعافي الأمير كايل بالكامل في الدفتر الأسود. وخبر سير آرثر، الفارس الأسطوري، وضعته في الدفتر الأزرق مع المقالات المميزة الأخرى. أما بقية المقالات، فوضعتها في الدفتر الرمادي حسب ترتيب تاريخ النشر. و بما أن بعض الأماكن تنشر الأخبار بشكل أبطأ من غيرها، فقد اضطرت إلى إعادة ترتيب بعض الصفحات.
...لقد تحركت يديها بخفة تدل على خبرة متكررة. وبعد أن انتهت من ترتيبها، ثقبت الأوراق بعناية، ثم نفخت على البقايا الصغيرة لإزالتها....
شعرت بفخر وتسللت إلى وجهها ابتسامة وهي تنظر إلى دفاترها الثلاثة.
مع أنها كانت تضطر عادةً إلى قص الأجزاء التي لم تكن مهتمة بها من الصحف، إلا أن النشرات الإخبارية هذه الأيام مليئة بالأشياء التي أرادت قراءتها. لذلك لم تحتج أن تقص شيئا. غير أن ما أرادت قراءته لم يكن شيئًا عاديًا؛ بل كان ما تنتظره الإمبراطورية بأسرها: أخبار القائد الاسطوري السير آرثر وجيشه المنتصر. كان الناس متلهفين لسماع أخبارهم لدرجة أن صحيفة الكنيسة تُباع بأعداد غير مسبوقة منذ أول صدورها.
-في زاوية الصحيفة عنوان صغير فقط عن ولي العهد، دون أي رسمة مرفقة.
-ولي العهد؟ أما زال حيا يرزق أصلا؟
بدا أن خادمات أخريات لم ينمن بعد، فقد استطاعت سماع همساتهن من الجهة الأخرى من الغرفة. قد اشترين الصحيفة أيضًا. حبست رينا من أنفاسها أكثر حتى لا يدركن أنها ما زالت مستيقظة. لم تكن لتطيق أن يتوقفن عن الحديث. لحسن الحظ، كان سريرها، من بين عشرات الأسرة المصطفة في جناح الخادمات على زاوية الغرفة، مما جعل من السهل عليها البقاء غير ملحوظة.
ثم واصلت الخادمتان الهمسات
-أراكِ تغيرت؟ لقد بكيتِ عندما أعلن ولي العهد أنه سيذهب للمعركة.
-هذا خبر قديم. لقد مضى عليه خمس سنوات. خمس! لم يعد أحد يهتم بولي العهد الآن. إنه مثل زهرة رقيقة في الدفيئة... أراهن أنه ما ظل بالكاد على هذه الحياة باقيا لولا السير آرثر بجانبه.
رفعت رينا نظرها قليلاً لترى الخادمتين وهما تحدقان في صحيفة واحدة بينما تهمسان لبعضهما. كانتا أيضًا مضطرتين للاعتماد على شمعة خافتة تتمايل قرب النافذة. وكانت تسمع ضحكاتهما المكتومة تحت أنفاسهما.
-انظري! انظري إلى هذه الرسمة. أليس واضحًا أن الرسام معجب بالسير آرثر؟ لقد رسمه كأنه يبلغ عشرة أقدام طولًا.
حاولت رينا جاهدة كتم ضحكتها هي الأخرى، لكنها بالكاد أخفتها بسعال صغير. وضعت دفاترها بعناية داخل صندوق وأخفته تحت سريرها. ثم اندست بهدوء تحت بطانيتها وأصغت مرة أخرى إلى أصوات الخادمات.
-يا إلهي! انظري لهذا. هل تعتقدين أن صحيح؟
Comments