...منذ أن التقت عيناه بـ ليندسي في صباح ذلك اليوم، لم يذق كينيان طعم الراحة....
...> "مجرد ابنة وضيعة، فاقدة للأدب."...
...هكذا كانت تُلقّن أذنه منذ الطفولة، صوت والدته سيلفيا يُعيد على مسمعه مرارًا ذات المقولات التي حفرتها في وجدانه:...
...> "كينيان، إيّاك أن ترأف بذرية الوضاعة. إنهم أقل من أن يُعدّوا بشرًا. لا خلق لهم، ولا يملكون وعيًا بموقعهم المتدني."...
...وكانت ليندسي، في عينيه، المثال الحيّ لتلك الوصمة....
...منذ وطأت قدماها قصر راديان، لم تجلب إلا الفوضى والضيق، وأصبحت كأنها لعنة تُسخط الخدم وتثير اشمئزاز النبلاء. والدته كانت تمقتها، وأخوه كذلك....
...> "وجودها عبء. تصرّفها يشي بأصلها."...
...كيف لابنة من نسبٍ ملوث أن تتعايش في أروقة القصور؟...
...لم يكن في باله سوى سؤال واحد:...
...> "لماذا أتيت إليه بالأصل؟"...
...كان يدرك أن لا شيء يُمكن لـ ليندسي أن تفعله ليهدد مكانته....
...حتى وإن امتلكت قوىً، ستظلّ، في نظر الجميع، مجرد امرأة ستُطرد من القصر عاجلاً....
..."مجنونة... لم يعد لديها عقله."...
...همّ أن يدير ظهره، غير أن صوتًا مُدوّيًا اجتثّه من تردده....
..."إنها نجسة!"...
...صوت والدته ارتطم في أعماقه كجرسٍ قديمٍ مشروخ....
...كم مرّة ردد هو ذات الكلمة؟ كم مرة سمعته ليندسي يُلقيها كأنها اسمها الثاني؟...
...أبطأ خطواته، وفي صدره شيءٌ غريب... ليس غضبًا، بل... ضيق....
...دلف إلى الممر، وإذا بـ ليندسي، واقفة، ثوبها مُبلّل بالخمر، ورائحة عنبٍ فاسد تتصاعد من خصلات شعرها....
...قالت والدته، وهي تلوّح بكأسها:...
..."كينيان! ألم تسمع ما قالته هذه الحقيرة؟!"...
...شعر بوخزٍ في أعصابه....
..."ما هذا؟ لماذا لم تتجنب الصدام؟"...
...كانت ليندسي تنظر إليه. نظرة خالية من التوسّل، خالية من الانكسار....
...قالت سيلفيا، محتدّة:...
..."أفرغت الكأس على رأسها، كأنها تحتج! أهانتني أمام الجميع!"...
...ردّ كينيان بجمود:...
..."عودي إلى غرفتكِ يا أمي."...
...رفعت سيلفيا حاجبيها بدهشة:...
..."ماذا قلت؟"...
...كانت تحاول قراءة ملامحه....
...لكنه بدا... غاضبًا....
...غاضبًا منها....
..."ما الذي يحدث؟!"...
...قال، وهو يُشيح بنظره:...
..."في القصر ضيوف. هذا ليس وقت الفوضى."...
...شعرت سيلفيا بالإهانة....
...نظرت إلى ليندسي بكرهٍ متأجج. لكن كينيان أضاف:...
...– "رجاءً، لا تفعلي هذا مجددًا... أمي."...
...انكمشت سيلفيا داخليًّا....
...كيف يتحدث إليها بهذه النبرة؟...
...لكنها حاولت أن تُقنع نفسها:...
...'لابد أنه يفكر في سمعة العائلة... هذا كل شيء.'...
...قالت، وهي تبتلع خيبتها:...
..."حسنًا... سأتوقف الآن."...
...لكنها همست في نفسها:...
..."سأجعلها تدفع الثمن. إن لم يكن هنا، ففي منزلها، تحت أقدامي."...
...* * *...
...ليندسي بقيت تنظر. لم تتحدث. لم ترتجف....
...'ما الذي يُفكر فيه؟ كينيان؟ يدافع عني؟!'...
...طوال ألاعوام التي قدتها في قصر راديان، لم تجد لحظة واحدة تُشبه ما جرى لتوّه....
...لم يكن هذا الحنين... بل كان شيء آخر....
...'حين تمرّ عليّ اللحظات القاسية، كنتُ أقول لنفسي: لقد عشتُ ما هو أقسى داخل هذا الجحيم. فلا بأس.'...
...كينيان كان من الجحيم ذاته....
...هو، من نعتها بـ "النجسة" ألف مرّة....
...هو، من ضحك على دموعها ذات مساء....
...والآن؟...
...وقف أمام أمه، صامتًا، حاميًا؟...
...سألت ببرود:...
...– "ما خطتك؟"...
...– "أيّ خطة؟"...
...– "لم تكترث لأمري من قبل. لماذا الآن؟"...
...فتح فمه ليقول: "لأنكِ..."...
...لكنه صمت....
...كل ما رأى لم يكن ذنبها....
...والشتائم التي أُلقيت... لم تكن مستحقّة....
...قالت بصوت حاسم:...
...– "لا تعبث. لا تحاول أن تتظاهر بأنك تهتم."...
...كأن تلك الكلمات صفعة ثانية....
...أشاح بنظره، لكنه لم يستطع أن يهرب من النظر في عينيها....
...'هي ليندسي... لكنها ليست كما كانت. أتتغير الروح بهذه السرعة؟'...
...قبل أيام فقط، كانت تتوسّل إلى أزيث كي لا تُطرد....
...والآن، تقف متحدّية، مبلّلة بالنبيذ، وهادئة؟...
...صرخ:...
...– "أصبحتِ مجنونة تمامًا!"...
...لكنها لم تُبدِ ردة فعل....
...أمالت رأسها:...
...– "لماذا تتظاهر بالطيبة فجأة؟"...
...– "ماذا؟"...
...تقدمت خطوة....
...تراجع....
...اقتربت....
...خطوة إلى الوراء....
...وفي اللحظة التالية......
...صفعة~...
...ارتطمت راحتها بخده كأنها تطرد منه ما تبقّى من ذاكرته....
...أمسك بمعصمها بقوة، ليوقفها......
...لكن تلك اللمسة......
..."تبا..."...
...عاد ذاك الشعور الغريب....
...اهتزازٌ داخلي لا اسم له....
...ارتجافٌ في روحه، كأن شيئًا قديمًا يُكسر فيه....
Comments