معزوفة صامتة
...مرت ثلاثة ليالي علي دخولها تلك الغرفة الضيقة انها كسجن صغير لارباك العقل وتعذيبه ،غرفة حواءطها سوداء لا تعرف اين الباب من الحاءط، قضت فيها فترة عقوبتها وهي ثلاثة ليالي، بجريمة عزف للموسيقي هكذا هو الحال في كل مرة ينتهي بها الامر هنا علي الاقل تدندن الالحان ولن تسمعها المالكة، بدء الامر كله حينما وجدت ليزا نفسها مغرمة بالموسيقي لطالما احبت الاستماع الي عزف مالك الدار فقد كان عازف بيانو مشهورا ومالك لدار ايتام، كانت ليزا الصغيرة والتي كانت تبلغ من العمر وقتها ١٣سنة تستمع لعزف المالك بكل نهم كما لو ان الموسيقي تتخلل لوجدانها وقد لاحظ المالك حب إليزا الصغيرة لعزفه وقد تملكه الفضول ليسألها ...
..._ هل تحبين عزفي يا إليزا...
..._ فردت عليه ليزا تخبره بحبها لما يعزفه: سيدي ان عزفك يذكرني بوالداي اشعر دائما ان معزوفاتك تصنع لي عالمي عالم تمنيت لو وجد...
...نظر اليها المالك وقد علم انها تتحدث عن والديها الذان فقدتهما في حادث قطار عندما كانت في ٨ من العمر، ربط المالك علي رأسها محدثا لها...
..._ إليزا ما رأيك ان اعلمكي العزف وتصبحين مثلي عازفة ماهرة وحينها يمكنك صنع عالمك الخاص ...
...نظرت له ليزا وكانت عيناها تلمع وكأنها حصلت علي فرصة جديدة لتعيش حياتها بشكل مختلف، وافقت إليزا وقد استمرت الايام تتوالي و المالك يعلمها العزف، لكن في عيد ميلادها ال١٢ توفي المالك، وترك إليزا وحيده كما تركها والديها او علي الاقل هذا ماظنته إليزا، ولتعوض ما خسرته لجأت الي عزف الموسيقي ليلا ونهارا وكأنها اصبحت جزء منها، حاول اصدقاء إليزا مساعدتها وبالاخص صديقيها ميم و فاهد الذان ظلا معها يستمعان الي موسيقاها ومحاولة عدم تركها وحيده...
...ميم: بحب عزفك جدا يا إليزا بس لي تعزفي في وقت زي ده افرضي مالكة سمعتك...
...فاهد: لا تقلقي انها في اجتماع في الجزء الاخر من المبني، اريد حقا العزف كما تفعل إليزا ...
...صوت نوتات البيانو لاليزا كان يتخلل مسامع الغرفة البعيدة عن المالكة، وقد كان الصغيران يعتبران إليزا قدوة لهما لطالما ارادا العزف مثلها وقد عرضت إليزا علي ميم وفاهد العزف:...
...إليزا: ما رأيكما ان تجربا العزف ...
...ميم: ده شكله ممتع خليني اجرب ...
...فاهد: لا انتي عزفك وحش ...
...ميم: ايي انا لسه مجربتش وسع...
...<صوت نوتات>...
...فاهد: كفاية يلا دوري ...
...<صوت نوتات>...
...ميم: دوري انا كمان...
...فاهد: لا خلاص خدتي دورك ...
...ميم: انا ملحقتش ...
...إليزا: تقدروا تتشاركوا مفيش داعي للخناق...
...فاهد: انا وبس ...
...إستمر ميم وفاهد بالتشاجر علي من يعزف علي البيانو حتي سقط الثلاثة من علي المقعد موقعين معهم مزهرية زرقاء اللون منقوش عليها بعض رسومات الجيتارا، نظر الثلاثة لبعضهم في ذهول وقد تجمدت وجوههم خوفا...
...فاهد: ستقتلنا المالكة...
...ميم: سأذهب لاضع نفسي في الغرفة المظلمة قبل ان اوضع في حفرة مظلمة...
...إليزا: علينا إصلاح المزهرية بسرغة قبل ان يأتي احد...
...حاول الثلاثة إصلاح المزهرية لكن لايمكن إصلاح ما كسر في ذلك الوقت دخل عليهم احد خدم المالكة وقد كانت سيدة قصيرة ذات شعر ابيض ملامحها تدل علي كبر السن فقد تجاوزت الخمس و الاربعين من العمر لم تتحدث او حتي تصرخ في وجوههم بل حاولت جمع المزهرية المكسورة ...
...ميم: اليس مكناش نقصد نكسرها هي وقعت بسبب فاهد الغبي...
...فاهد: بطلي كدب انتي سبب...
...إليس: لا تقلقوا لن اخبر المالكه لكن عليكم الخروج من هنا قبل ان تأتي المالكة ...
...إليزا: نحن اسفون حقا يا إليس سأخرجهما من هنا ...
...خرج الاطفال الثلاثة مسرعين قبل وصول المالكة لكن لسوء حظهم رأتهم المالكة وهم يسيرون خارجا من الغرفة وعندما وصلت المالكة الغرفة سألت إليس عما حدث...
...المالكة: ماذا حدث يا إليس ...
...وقفت إليس في بعض الارتباك ونظرت للسيدة وانحنت موضحه لها ...
...إليس: سيدتي المالكة لقد كنت انظف ووقعت مني المزهرية، انا اعتذر حقا سيدتي ...
...المالكة: وماذا عن إليزا رأيتها تخرج من الغرفة هل كانت تعزف مرة اخري...
...إليس: لا يا سيدتي لقد سمعت صوت تحطم المزهرية فأتت لتساعدني ...
...نظرت لها المالكة نظرات شك وكأنها لا تصدقها في جو يحومه الصمت ورجاء إليس بأن تصدقها المالكه وقد قطع هذا الصمت صوت هاتف المالكة العمومي، فردت عليها المالكة بعدم اكتراث وغادرت ذاهبة لمكتبها لترد علي اتصال قد اتاها، ...
...تنهدت إليس فقد مرت تلك الثواني المعدودة بسلام من كان يعلم ماذا قد يحدث...
...توجهت الخادمة إليس بعد ان اغلقت باب الغرفة جيدا الي درسها الذي تقدمه عادة في ذلك الوقت وهو درس الخياطة والتطريز وقد لمحت اليزا وميم وفاهد جالسون تبدو علي وجوههم القلق فذهب لتهمس لهم بأن لا يقلقوا...
...إليس: لاتقلقوا لم اخبرها انكم كنتم هناك لكن حذاري المرة القادمة قد تمسك المالكة بكم ...
...اليزا: نحن نشكركي حقا يا إليس لولاكي لعوقبنا بشدة...
...ميم: لولاكي يا إليس لكنا محبوسين في الغرفة المظلمة طول الليل...
...اكملت إليس درس الخياطة وفي تلك الاوقات كانت المالكة في شجاى حاد من طرف واحد مع متصلها الذي عبر عن رغبته في تبني موهبة إليزا الموسيقية...
...المتصل: سيدتي المالكة تصادف وان سمعت عزف فتاتك إليزا وانا حقا راغب في تبني تلك الطفلة انها موهبة ساحرة كما انها تتلمذت علي يدي زوجك الموسيقار الكبير ...
...فردت عليه المالكة بغضب شديد: اسمع ايها الاحمق اخبرتك مرارا انني لست موافقة علي تبنيك اياها وان اطفالي لايعزفون ولا علاقة لهم بالموسيقي واياك و الاتصال مرة اخري...
...اغلقت المالكة الغاضبة الخط في وجه المتصل وقد كانت غاضبة بشدة بسبب الحاح المتصل بتبني اليزا، وعند ظهور القمر في السماء من كل ليلة تتجمع اليزا و ميم وفاهد لاجل العزف علي البيانو حيث تكون المالكة في نوم عميق،...
... دخل الاطفال الثلاثة للغرفة متوجهين للبيانو في صمت شديد وبعد اغلاق باب الغرفة سألت أليزا ميم وفاهد فماذا ترغب ان تعزف لهم وقد اخبرها فاهد: فالتعزفي معزوفة الشهيرة ضوء القمر فاليلة القمر مكتمل ونرغب في سماعها ...
...إليزا: سأفعل ارجو فقط ان لا تسمعنا المالكة ...
...بدأت اليزا بالانغماس في عالمها الخاص الذي تنتقل اليه حين تبدء العزف، عالم تتخيل فيه لو ان والديها مازالا علي قيد الحياة وانها تعزف لهما لتريهما كم اصبحت كبيرة وماهرة، وانغمس الاطفال في الاستماع لالحانها الرنانه وكأنهم تشاركوا عالم إليزا معها واصبحوا يرون افكارها واحلامها، ...
...وفي خضم ذلك العزف الشجن يصل صوت البيانو العزب مسامع المالكة التي لم تكن قد نامت بعد بل كانت مستيقظة جالسه وسط ظلام غرفتها و تحت ضوء نافذتها الكبيرة تنظر للسماء، لم تغضب المالكة بل سمعت صوت الالحان واغلقت عينيها قليلا وكأن الذكريات تتجمع داخل رأسها لتري نفسها جالسة داخل احد مسارح الاوبرا تنظر لزوجها الذي كان يعزف نفس تلك المقطوعة التي تعزفها اليزا الان، لقد كانت المالكة عابسه منذ وفات زوجها ولكن في تلك اللحظة تبدلت ملامحها مرتين مرة عندما استجمعت ذكري عزف زوجها لتلك المقطوعة علي المسرح وقد كانت سعيدة ومبتسمه، ...
...والمرة الاخري عندما اغلقت عينيها وفتحتها فوجدت زوجها مدرجا بالدماء هنا تغيرت ملامحها لغضب شديد ونهضت من كرسيها وتوجهت الي غرفة البيانو وقامت بفتح الباب في غضب شديد فتوقفت ليزا عن العزف وهي في ذهول لم تكن تعتقد ان المالكة مستيقظة نظر الاطفال الثلاثة للمالكة وكأنهم رأو شبحا وسرعان ما كسر صوت المالكة الصمت الذي عم الغرفة قائلا ...
...المالكة: إليزا الم احذركي من استخدام البيانو لماذا تعصين اوامري ...
...ميم تحاول الدفاع عن اليزا موضحه لها: إن اليزا عايزه تعزف لان ده بيفكرها بوالديها هي معملتش حاجه غلط ...
...وجهة المالكة نظراتها القاتله لميم فسكتت ميم خوفا من المالكة وبالطبع لم يستطع فاهد التحدث وكأن فمه كان مغلقا بقفل شديد الصلابة، حينها ظهرت إليس محاولة ترجي المالكة لكي لا تعاقبهم...
...إليس: سيدتي اعتذر لم اكن اعرف انهم هنا، سيدتي هؤولاء مجرد اطفال كما ان اليزا طفلة لا داعي لان تغضبي بالتأكيد هذا خطأ لن يتكرر ارجو منك ان تسامحيهم...
...المالكة: فلتخرسي يا إليس، اخبرتك ان تغلقي تلك الغرفة اللعينة جيدا حتي لا تتمكن إليزا من العزف علي تلك الالة المقرفة، وانتي يا اليزا لماذا لاتتوقفين عن العزف انتي لا تسمعين كلامي مهما عاقبتك، هذه المره سأعاقبهم بدل منكي لاجعلكي تستمعين الي ما امرك به...
...انحنت اليزا للمالكه معتذرا ومتوسلة لخا ان لا تعاقب ميم وفاهد علي خطأها هي لكن المالكة رفضت وامرت إليس بإلقاء الطفلين في الغرفة المظلمة ذات الجدران السوداء لليلة كامله دون اي شفقة لكي تستطيع كسر رغبة إليزا في العزف ولم تكتفي بفعل هذا بل أمرت بأرسال رسالة كانت قد كتبتها لرجل ارستقراطي كان قد تحدث مع المالكة برغبته في اخذ إليزا ورعايتها حتي يزوجها لاحد أبناؤه، ارسلت له المالكة رسالة لا احد يعلم معناها غيرها، إليزا المسكينة حبست نفسها في غرفتها حزينة لما تؤول بها الايام ماذا ينتظرها....
... ...
Comments